نسبة نفقات الحكومة على الخدمات الاجتماعية في اسرائيل منخفضة مقارنة بالمتوسط في دول الـ OECD، لكن في المقابل، في العقدين الاخيرين حدث ارتفاع في معدل نفقات الفرد على الصحة والتعليم
الاستنتاجات الفورية من ازمة الكورونا تتعلق بأهمية الاستثمار في النظام الصحي العام، بعد سنوات فيها قفزت النفقات الشخصية على الصحة.
ولكن هذا الاستنتاج يصطدم مع أحد العيوب المرضية التي تم اكتشافها في هذه الازمة – اجزاء في مجتمع الحريديم يخرقون تعليمات الحكومة علنا، ويعرضون صحة الجمهور للخطر ويثبتون كم هي صغيرة درجة التضامن هنا. هذا تهديد خطير لقدرة اسرائيل على توفير خدمات اجتماعية متطورة. كيف يمكن اظهار التضامن مع من يخرق تعليمات الاغلاق والحجر الاجتماعي ويزيد خطر العدوى على الآخرين.
البروفيسور ملتون فريدمان، الحاصل على جائزة نوبل وأحد الاقتصاديين المهمين في القرن الماضي، قال إن "اسرائيل لا يمكنها أن تكون دولة رفاه لأنه توجد هنا مجموعات كثيرة تكره بعضها. فقط سوق حرة يمكن أن تعمل في مكان كهذا"، قال. هذا كان في السبعينيات، ومنذ ذلك الحين قطعت اسرائيل شوط طويل من الاشتراكية وامراضها الى الرأسمالية وعللها.
نسبة نفقات الحكومة على الخدمات الاجتماعية في اسرائيل منخفضة مقارنة بالمتوسط في دول الـ OECD، لكن في المقابل، في العقدين الاخيرين حدث ارتفاع في معدل نفقات الفرد على الصحة والتعليم. ومن يستطيع، يقوم بشراء المزيد من التعليم والصحة ولا يكتفي بما تقدمه له الانظمة العامة. المشكلة هي أن الامر يتعلق بأنظمة حيوية من اجل الأداء السليم للاقتصاد والنظام العام. لذلك، في اساس هذه الانظمة يجب عليها أن تبقى عامة ورسمية.
ازمة الكورونا في ذروتها، وحتى الآن لم نصل الى اللحظة التي سنضطر فيها الى أن ندفع تكلفتها الوحشية. عندما ستأتي هذه اللحظة ستثور الاسئلة حول طريقة توزيع العبء، حول جودة سياسة الرفاه وحول درجة التضامن التي يجب اظهارها تجاه من لا يتعاون مع مهمة عامة صحية حاسمة.
ومن اعتقد أن الفروق بين المجتمع العام ومجتمع الحريديم تتمثل فقط بدراسة المواضيع الاساسية والمساواة في عبء الخدمة العسكرية ونسبة الاندماج في سوق العمل، اكتشف أن هذه تسري ايضا على رؤية مصادر السلطة – حتى في فترة ازمة شديدة وخطيرة توجد لها تداعيات صحية واقتصادية على كل الجمهور.
رد الفعل الفوري لاقتصاديين وسياسيين هو التهديد بمنع ميزانيات عن مؤسسات التعليم التي خرقت تعليمات الحكومة. من المشكوك فيه اذا كان سياسيون مثل وزير الصحة يولي ادلشتاين ووزير القضاء آفي نيسانكورن اللذان هددا في السابق بفعل ذلك، ينويان فعل ذلك.
حكومة نتنياهو الحالية لن تفعل ذلك، وكذلك لن تفعل أي حكومة اخرى برئاسته، ازاء تحالفه مع الاحزاب الدينية. ايضا انفاذ شرطي للقانون بالقوة غير وارد في الحسبان. لأن هذا من شأنه أن يؤدي الى سفك الدماء.
الاسئلة حول طريقة المعالجة المرغوبة في مجتمع الحريديم لن يتم حلها عندما سيتم ايجاد اللقاح ضد الكورونا، بل ستشتد وستتركز حول المسائل الاقتصادية. وستأتي اللحظة التي فيها سيكون مطلوب من الدولة أن تواجه الدين الحكومي والعجز من جهة، والحاجة الى الاستثمار في جهازي الصحة والتعليم من جهة اخرى. هذه التحديات ستقتضي زيادة الضرائب وتقليص النفقات. من الذي سيمول ذلك؟ ومن الذي سيحصل على خدمات اجتماعية أقل؟ هذه هي النقاشات التي ستشغلنا عند انتهاء الازمة.
الحريديم سيأتون الى هذا النقاش في الوقت الذي يكون فيه الجو العام مشحون جدا ضدهم. المجتمع الاسرائيلي سلم بخيارهم أن لا يخدموا في الجيش والتنازل عن تعلم المواضيع الاساسية. ولكنه يجد صعوبة في قبول السلوك المخالف للقانون فيما يتعلق بالتعليمات الصحية.
تمكن الحريديم حتى الآن من تعظيم قوتهم السياسية، لكن يمكن أن يكتشفوا أن سلوكهم اثناء ازمة الكورونا سيخلق خارطة سياسية تكون لهم فيها قوة أقل، وللجمهور الاسرائيلي سيكون تسامح أقل وموارد أقل من اجل تمويل نمط حياتهأضر الحريديم ليس فقط بأنفسهم، بل بالقدرة على أن تكون هنا سياسة رفاه متطورة.
هآرتس- 21/10/2020
إضافة تعقيب