news-details

المحذر من الفاشية

 كرس البروفيسور زئيف شتيرنهيل، الحائز على جائزة اسرائيل، والذي توفي أمس، جُل حياته المهنية بالبحث في الفاشية ومظالمها. لم يكن شتيرنهيل فقط من أهم باحثي الفاشية في العالم في العقود الاخيرة؛فتحذيراته من الخطر المحدق بالمجتمع الاسرائيلي، الذي يفقد الحواجز التي تحميه من التدهور الى وضع يذكر بالايديولوجيا والانظمة التي بحث فيها، هي اشارة تحذير لا يمكن التقليل من أهميتها.

عنصر أول في التدهور الى الفاشية في اسرائيل هو الحرب ضد الديمقراطية. حرب لا ترتبط بالرغبة في تصفية مجلس النواب، الذي انتخب بهذه الطريقة الانتخابية أو تلك. فالأنظمة الفاشية لا تلغي وجود البرلمان، حتى لو افرغ من محتواه مع مرور الزمن. الحرب ضد الديمقراطية، التي شدد شتيرنهيل عليها، معناها اعلاء شأن المجتمع ومصلحة الخلاص الاجتماعي كقيمة مركزية، على حساب مصلحة الفرد والمساواة بين عموم المشاركين في النشاط الاجتماعي.

واسرائيل لم تعد منذ زمن بعيد تقيم مساواة حقيقية بين اولئك الذين تتشكل منهم الجماعة الاجتماعية فيها: يهودا، عربا مواطني اسرائيل، فلسطينيين في المناطق المحتلة، لاجئين، طالبي لجوء وغيرهم. عنصر ثانٍ وهام هو التفسير للتاريخ الذي يعطيه المجتمع الحديث للفاشية. فالتاريخ اليهودي وفي إطاره التاريخ الصهيوني، كما علم شتيرنهيل، تفسره الامة الاسرائيلية كخطوة حتمية عرقية. بمعنى أن اسرائيل تميل أكثر فأكثر الى تعريف حتمية الجماعات الاثنية التي تتشكل منها. هذه التعريفات تلقى تعبيرا في المعتقد بان ليس كل ابناء الجماعات الاثنية متساوين في خصالهم، كفاءاتهم وقدراتهم ومن هنا فلا ينبغي أن يكونوا متساوين في حقوقهم ايضا.

عنصر ثالث يوجد في اسرائيل ويزيد خطر التدهور الى الفاشية، كما علّم شتيرنهيل، هو مبدأ تأليه الأمة. فالانبعاث القومي اليهودي، والذي في اساسه رغبة اليهود في التحكم بمصيرهم ومستقبلهم يصبح مع مرور السنين نوعا من الحرب المقدسة، التي تدخل اليها غير قليل من العناصر الدينية والمسيحانية.

فالرغبة في التحكم في مصير الامة التي اضطهدتها الشعوب التي كانت تعيش بين ظهرانيها، تطورت الى صراع دموي ضد كل من يعد، عن حق أو عن غير حق، عدو الأمة. روح الامة – وهو مفهوم مرن، ذو معان قابلة لتفسيرات مختلفة – تلقى في اسرائيل تعابير سياسية ونفسية تبرر افعال ظلم ومس بالأبرياء.

لقد سعى شتيرنهيل لتحذير الاسرائيليين من ميول وقعت في اوروبا في القرن التاسع عشر والعشرين. إرثه هو بالتالي كفاح لا ينقطع لتعزيز التنور في اسرائيل، للنظرة العقلانية والمتفكرة للتاريخ وللتشديد على موقع الفرد والجماعة فيها.

 

أسرة التحرير

هآرتس- 22/6/2020

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب