*حتى لو فاز جو بايدن بفوز ضئيل فإن الجمهوريين يمكنهم الادعاء الآن وبدرجة كبيرة من الصدق بأنه لولا وباء الكورونا لفاز ترامب. على هذه الخلفية يتعزز الشعور بأن معضلة اليسار، كيفية مواجهة شعبوية اليمين، ما زالت بعيدة عن الحل*
حتى هذه اللحظة يبدو أن المرشح الديمقراطي جو بايدن في طريقه الى أن ينتزع بصعوبة الفوز على دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. ولكن رغم أن فرص ترامب للبقاء في البيت الابيض لا تبدو عالية – على الاقل هو بمعنى واحد فاز.
هذا ليس فقط حقيقة أن التوقعات المضخمة لفوز كاسح لبايدن والديمقراطيين، بل ان الاستطلاعات والتنبؤات الخاطئة انهارت في الساعات الاولى من فرز الاصوات. الجمهوريون يمكنهم الآن الادعاء بدرجة كبيرة من الصدق بأنه لولا وباء عالمي يأتي مرة كل مئة سنة لكان ترامب سيفوز بسهولة كبيرة. من النتائج التي وصلت يبدو ايضا أن الديمقراطيين لن يحظوا بالفوز الثلاثي الذي كانوا يأملونه، في صورة الفوز في البيت الابيض وفي مجلس النواب وفي مجلس الشيوخ.
بايدن ما زال هو "المفضل" لتأدية يمين القسم كرئيس بعد شهرين. ولكن للقدر المتواضع لفوزه المحتمل ثمة مغزى كبير في السياسة الامريكية – ايضا للديمقراطيات الاخرى المضبوطة في ارجاء العالم. خلافا لما توقعه الكثيرون فإن خسارة ترامب لن تؤدي الى انتقاد ذاتي عميق في الحزب الجمهوري وفي اليمين الامريكي بالاجمال.
ورغم الاكاذيب، الشر، الفساد، الغياب المطلق لمشاعر الخجل، وبالطبع أكثر من 230 ألف حالة وفاة في عهده بسبب الكورونا فإن اسلوب ترامب ما زال يحظى بدعم لا يقل عن 47 في المئة من اصوات الناخبين الامريكيين.
حتى لو لم يستطع في نهاية المطاف ترسيخ نظرية المؤامرة خاصته بشأن "سرقة الانتخابات"، فإن اسلوب الادارة وحملتها – الشريرة والمسيئة وغير الملتزمة بالحقيقة – سيستمران في تمييز الساحة في المستقبل المنظور. اتباع الترامبية سيشيرون الى نجاحه في الحفاظ على الائتلاف الغاضب والخائف الذي جلبه الى الحكم في العام 2016، وحتى توسيعه ليشمل جاليات كانت اقل توقعا مثل المصوتين من اصل اسباني والسود.
مغادرة البيت الابيض، على فرض أنه سيخسر حقا، لن تقود الى "تطهير" صفوف الحزب الجمهوري من المخلصين له. اساليبه الكاذبة ستظل تحظى بالشعبية في الولايات المتحدة وفي ارجاء العالم. في المقابل، بالضبط في المعسكر الذي كما يبدو سيفوز في الانتخابات، ستواصل الرياح اشتدادها، خاصة اذا بقي مجلس الشيوخ تحت سيطرة السياسيين.
على هذه الخلفية يتعزز الشعور بأن معضلة اليسار – كيف يجب مواجهة شعبوية اليمين – ما زالت بعيدة عن الحل. هذه ليست فقط قضية امريكية. فصعود زعماء شعبويين في ارجاء العالم يطرح سؤال مشابه امام احزاب الوسط واليسار. وهو أبعد بكثير من تغريدات استفزازية لمؤيدي بيرني ساندرز الغاضبين، الذين يقولون إنه خلافا لبايدن المعتدل فإن "بيرني كان سيفوز بسهولة".
احزاب الوسط – يسار في ارجاء العالم تجد صعوبة في قبول الوضع الذي فيه توجد للمعسكر الخصم افضلية مفهومة في كل مواجهة سياسية – لأنه يخرج الى المعركة بدون التزام بالحقيقة ويقوم بتوجيه اهتمامه مباشرة الى المصالح الضيقة والى مشاعر الناخبين الظلامية. الخيار الاستراتيجي هو وضع مرشح من الوسط مع حملة انتخابية معتدلة، على أمل جذب ناخبين من الوسط – يمين الذين يخافون من الشعبوية. لن يكون لمؤيدي اليسار الايديولوجي أي خيار سوى التصويت لصالح البديل الاقل سوءا من ناحيتهم.
هذه استراتيجية نجحت في دولة متعددة الاحزاب مثل فرنسا، التي فيها يوجد لكل الاحزاب فرصة لطرح مرشحها في الجولة الاولى، وفي الجولة الثانية يبقى فقط المرشحان المتقدمان. لمصوتي اليسار لم يكن هناك أي خيار سوى التصويت في 2017 لعمانويل ميكرون فائق المركزية من اجل منع انتخاب مارين لوبين، الفاشية – الجديدة.
في الولايات المتحدة هذه الاستراتيجية فشلت في 2016 عندما خسرت هيلاري كلينتون أمام ترامب، وفي الانتخابات الحالية كان يمكن لهذه الاستراتيجية أن تفشل مرة اخرى لو أن مكانة الرئيس لم تتضرر بسبب معالجته الفاشلة للكورونا.
من جهة اخرى، ايضا في الحالات النادرة في الفترة الاخيرة، التي فيها من ترشح من قبل الوسط – يسار امام اليمين الشعبوي، كان اشتراكي احمر حقيقي، مثل جيرمي كوربن في بريطانيا في السنة الماضية، فإن الخسارة كانت اقسى بكثير. حزب العمال برئاسة كوربن تحطم وحصل على النتيجة الاسوأ منذ العام 1935، عندما تنافس امام بوريس جونسون، المخادع المعروف بمعرفته السطحية للحقيقة.
دائما يوجد لليسار بالطبع مبررات. في حالة كوربن قاموا بالقاء التهمة على الحملات الاعلامية للشركات التي حاربت عدو الرأسمالية، كوربن. في الولايات المتحدة معظم الاعلام الممأسس الذي يؤيد الديمقراطيين، اتهموا الروس بنشر معلومات وهجمات سايبر ساعدت ترامب. ودون صلة بدرجة الحقيقة التي توجد في هذه المبررات فهي فقط تؤكد حجم التحدي الذي يواجهه الوسط – يسار.
ايضا المعارضة في اسرائيل، في مهمتها التي لا تنتهي من اجل انهاء حكم بنيامين نتنياهو، تواجه معضلة مشابهة. فقد وقفت من وراء اعضاء وسط لا يثيرون الحماس مثل يتسحاق هيرتسوغ في العام 2015 وبني غانتس في الثلاث جولات انتخابية الاخيرة. ولكن لم يكن هذا مرشح محتمل مثير بالقدر الكافي أو رسالة ايديولوجية اكثر وضوحا من الجناح اليساري. وغانتس مع ذلك نجح في انتزاع نوع من التعادل مقابل نتنياهو. يصعب بالطبع اجراء مقارنة بين الولايات المتحدة ذات الحزبين وطريقة الانتخابات في اسرائيل. ولكن النقاش الجوهري متشابه.
حتى بعد أن يتم الاعلان عن فوز بايدن، هذا اذا فاز حقا، فإن هذا النقاش لن يحسم. هل مرشح من الجناح التقدمي للديمقراطيين، شخص ما كان مستعد لمواجهة مباشرة امام ترامب في الحرب الثقافية وسياسة الجنون التي يتهرب بايدن منها مثل من يهرب من النار، كان سينجح أكثر؟ أو ربما أن البروز الاعلامي لتقدميين مثل السناتورات ساندرز وفيرن واعضاء مجلس النواب الشباب مثل الكسندرا اوكسيو – كورتيز والهان عمر، "لطخ" بايدن وساعد ترامب في أن يصوره كرئيس "ضعيف" خاضع لسيطرة اشتراكيين خطيرين؟ على أي حال، ليس هناك شك في أن الروايات المتناقضة التي ستتعزز في المعسكر الديمقراطي في اعقاب هذه الانتخابات، ستواصل التأثير والتضليل في الوسط – يسار في كل العالم في السنوات القادمة.
هآرتس- 6/11/2020
إضافة تعقيب