هآرتس- 26/6/2020
*جواب السفير فريدمان بأنه سيكون بالامكان البناء بشكل عمودي في الجيوب الإسرائيلية يعكس عمى هذا السفير الثقافي والسياسي. وكل ما تبقى للمخلصين للصهيونية هو الأمل بأن يكون رفض القوميين المتطرفين المسيحانيين لخطة الضم بمثابة حمار المسيح الذي سينقذنا من الحلم المجنون للرئيس ترامب الذي يمكن أن يهدم كل قطعة جيدة في ارض إسرائيل ويدمر علاقاتها مع الفلسطينيين ومع العالم*
احزاب اليمين المسيحاني – القومي المتطرف ورؤساء مجلس "يشع" واعضاء في الليكود يعارضون مبادرة ترامب ويكشفون مجددا عوراتهم وعورة كل من يعارض حل الدولتين بذرائع مختلفة، احيانا من خلال ادارة العيون. ورفضهم لحل الدولتين ينبع من ايمانهم المسيحاني، لهذا حسب رأيهم، لا يوجد أي ظرف أو اتفاق يمكن أن يسمح بوجود هذا الحل. وليس صدفة أنه على طول النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين هم متمسكون بموقفهم الرافض، ولم يطرحوا في أي يوم بديل، باستثناء بديل يمس بالحلم الصهيوني لدولة ديمقراطية مع اغلبية يهودية.
بصورة مبدئية، جارد كوشنر، مستشار وصهر ترامب، اعطى لنتنياهو والسفير دافيد فريدمان والسفير رون ديرمر ومستشاريهم من المستوطنات، شيك مفتوح موقع باسم الرئيس الامريكي. وبقي عليهم فقط كتابة كل ما يخطر ببالهم. مبادرة ترامب التي تقوم على الرواية القومية المتطرفة – الاستيطانية تستجيب لكل الادعاءات والمطالب التي طرحها القوميون المتطرفون المسيحانيون في فترة عملية اوسلو – التي لم تتفق مع مواقف الطرفين أو مع هدف المفاوضات، لكن عدد كبير من الجمهور الإسرائيلي صدقهم بسهولة.
القوميون المتطرفون المسيحانيون قالوا بأنه لا يمكن التنازل عن غور الاردن لاعتبارات امنية. وترامب الذي لا يرى الافضليات الامنية الكامنة في اتفاق السلام مع الاردن يقترح أن يتم ضم كل الغور لإسرائيل.
وقد قالوا إنه لا يمكن وضع أمن إسرائيل في أيدي الفلسطينيين أو في أيدي طرف ثالث – ترامب، الذي لا يعرف الحقوق "الأصيلة" الممنوحة لكل دولة من خلال كونها دولة، وضع في أيدي إسرائيل السيطرة على كل الحدود الفلسطينية، والصلاحية الامنية الشاملة على كل المنطقة، والمسؤولية الامنية عن الجيوب الإسرائيلية التي ستبقى في المناطق الفلسطينية، وكذلك على الجيوب الفلسطينية التي ستبقى في المناطق الإسرائيلية التي سيتم ضمها، بما في ذلك محاور الحركة اليها، بما فيها المواقع الاربعة الاستراتيجية (قاعدة باعل حتسور، جبل عيبال، منطقة متسدوت يهودا وهار غيلو). وقد أبقى في أيدي إسرائيل ايضا السيطرة على كل المجال الجوي والمجال البحري والفضاء الالكترومغناطيسي والسيطرة الكاملة على جميع المعابر الحدودية.
لقد قالوا إن القدس غير قابلة للتقسيم – ترامب الذي بالنسبة له تاريخ القدس يبدأ في 1967، أبقى تحت سيادة إسرائيل شطري المدينة بما في ذلك البلدة القديمة والحرم، وحتى أنه فصل عنها الـ 100 ألف فلسطيني الذين يعيشون في الاحياء المهملة التي تقع خلف الجدار الامني والتي سماها لجهله "القدس" (شرقي القدس).
وقد قالوا بأن البلاد ستغرق باللاجئين الفلسطينيين – ترامب الذي يتجاهل تماما الرواية الفلسطينية يرفض أي عودة للاجئين إلى إسرائيل، وحتى أنه ترك في أيدي إسرائيل حق الفيتو على عدد اللاجئين الذين سيعودون إلى المناطق الفلسطينية.
وقد قالوا بأنه ممنوع اخلاء أي مستوطنة – ترامب الذي لا يعترف بالمواثيق والقرارات الدولية اقترح أن يضم لإسرائيل 30% من اراضي الضفة مع 96% من المستوطنين (الباقون سيتم ضمهم كجيوب)، مقابل 14% فقط داخل الخط الاخضر. هذا من خلال خلقه حدود جديدة مع فلسطين وهي الحدود الاطول بثلاثة اضعاف من كل حدود إسرائيل، والتي ستجبر الجيش الإسرائيلي كله على أن يتحول إلى حرس حدود.
وقد قالوا بأن الاقلية العربية في إسرائيل يجب أن تكون جزء من الصفقة – ترامب الذي لا يفهم معنى مفهوم "مواطنة" اقترح نقل 160 ألف إسرائيلي عربي إلى فلسطين. وحسب خطته 150 ألف آخرين مرشحون للنقل.
قمة المفارقة، ولن نقول الصلف، هي غضب المستوطنين من أن الصفقة التي بلورها ترامب مع نتنياهو بدون الفلسطينيين، مشروطة بأن تعترف إسرائيل بـ "الدولة" الفلسطينية. وبسبب غبائه، فان ترامب يسمي "دولة" الكيان الفلسطيني الموهوم الذي يمكن أن ينشأ حسب الصفقة بدون حدود خارجية، وبدون سيطرة على الجو والبحر، وبدون عاصمة، وبدون مسؤولية امنية، وبدون اقتصاد مستقل، ومنزوعة السلاح على خمس مناطق تكون ذات تواصل مواصلاتي مصطنع.
وهذا لأن موقف القوميين المتطرفين المسيحانيين يقوم على التفسير الغريب للحاخام موشه بن نحمان، الذي ترجم وصايا العيش في البلاد كاحتلالها ووضعها تحت سيادة يهودية "لأننا أُمرنا بوراثة هذه البلاد التي اعطاها الله لآبائنا. ولن نتركها في أيديهم أو أيدي غيرهم من الأمم في أي جيل من الاجيال".
الامر الذي يثير الغضب ليس أقل من ذلك هو الادعاء بتحويل الـ 17 مستوطنة الصغيرة التي تقع في ظهر الجبل وفيها أقل من 17 ألف مستوطن – التي كل هدف اقامتها كان الاضرار بالتواصل الفلسطيني – تحويلها إلى جيوب إسرائيلية تقسم الشوارع الواصلة اليها الاراضي الفلسطينية، ستبقى تحت المسؤولة الامنية الإسرائيلية. رد فريدمان بأنه سيكون بالامكان البناء العمودي في الجيوب الإسرائيلية يعكس العمى الثقافي والسياسي للسفير. ليس فقط أن هذه الجيوب ستكون مثل غرس اصبع في عين القومية الفلسطينية، بل هي ايضا حسب فريدمان، ستمتد إلى مسافة أبعد.
المستوطنون بالتأكيد قلقون من وجود 43 جيب فلسطيني في المناطق التي سيتم ضمها لإسرائيل مع 106 آلاف شخص من السكان. هم بالتأكيد سيكونون مسرورين لو أنه تم طرد هؤلاء السكان إلى خارج المناطق التي سيتم ضمها، بروح التفسير الذي قدمه مناحيم فليكس، من رؤساء غوش ايمونيم، في جلسة المحكمة العليا الخاصة بألون موريه في العام 1979. لقد أُمرنا – "لقد ورثتم الارض وسكنتم فيها لأنني اعطيت لكم البلاد كي ترثوها". وهناك من يفسرها بـ "ورثتموها من سكانها وبعد ذلك سكنتم فيها".
لا يوجد أي شيء جديد تحت الشمس – هذا الرفض يتغذى على القومية المتطرفة المسيحانية. ولكن التاريخ القديم والحديث علمنا بأن من يؤمنون بهذا الرفض مستعدون لدفع أي ثمن مقابل وهم تحقيق حلمهم، بما في ذلك خراب الدولة والشعب. وهم غير مستعدين للتنازل عن سنتيمتر واحد حتى من ارض إسرائيل، رغم أنه اعطيت لحدودها تعريفات لا حصر لها في فترات مختلفة، بما في ذلك في التوراة. وهم يختارون التعريف الاوسع، المناسب لهم.
في 1937 اعلن الحاخامات الرئيسيون ردا على تقرير لجنة بيل وعلى موافقة حاييم وايزمن ودافيد بن غوريون على فكرة التقسيم – من اجل اقامة دولة يهودية، تستطيع أن تنقذ يهود اوروبا من انياب النازيين – بأنه "من ناحية دينية خالصة... كل تنازل عن وعي (عن مناطق في ارض إسرائيل) يشكل تدنيس لقدسية البلاد".
الحاخام تسفي يهودا كوك، الزعيم الروحي لغوش ايمونيم على مر اجيالها، اضاف فعليا عدم التنازل عن اراض للجرائم الثلاثة "التي لا يجب التنازل عنها أبدا – سفك الدماء، فعل اجنبي وسفاح المحارم". وحسب رأيه كما تم التعبير عنه في مقابلة مع "معاريف" في 1974: "أورثتم البلاد واسكنتم فيها... هي امر واضح ومطلق، يشمل جميع الإسرائيليين، والذي يقول بأنه على هذه البلاد وفي كل حدودها نحن ملزمون بالتضحية بالنفس عندما يأتي وضع من الاكراه، سواء كان من جانب الاغيار أو لا سمح الله من جانب يهود بسبب تشويشات سياسية أو تشويشات في الرأي.
جميعنا ملزمون بأن نُضحي بأنفسنا وأن لا يمر هذا! على يهودا والسامرة وعلى هضبة الجولان – هذا لن يمر بدون حرب! وقد سألني أحدهم اذا كنت أنوي القيام بـ "حرب اهلية"، أنا لن أدخل إلى مصطلحات ولن أسمي اسماء، كيف سيسمون هذا الامر، لكن هذه حقيقة. هذا لن يحدث. هذا لن يمر بدون حرب! على جثثنا وعلى اجسادنا! جميعنا".
وحسب موقف المستوطنين المسيحانيين فان اقامة الدولة الفلسطينية ستكون انسحاب من الوعد الالهي "لوراثة البلاد" وخرق لقسم "ألا يبعدوا النهاية" – أي الامتناع عن القيام بأعمال تؤدي إلى ابتعاد الخلاص – خرق سيؤدي بالضرورة إلى عقاب. ايضا الكارثة تم تفسيرها هكذا من قبلهم. رفض يهود العالم للهجرة إلى ارض إسرائيل رغم أن العناية الالهية فتحت الابواب واظهرت لهم أن الله يريد ذلك (بوعد بلفور وبصك الانتداب) – كان مخالفة للقسم المذكور اعلاه، لهذا تمت معاقبتهم.
الحاخام تسفي كوك كتب في كتابه "ارض الظباء": "شعب إسرائيل تم أخذه من عمق المنفى إلى دولة إسرائيل. سفك دماء الستة ملايين هو قطع حقيقي في الجسد القومي. الشعب كله يتلقى جراحة سماوية على يد الفاسدين... مع شخص يتمسك جدا بدنس ارض الأمم إلى درجة أنه ملزم بالانفصال والانقطاع عنها بسفك الدماء عندما تأتي النهاية... من خلال القطع القاسي... يتم اكتشاف موضوع حياتنا وهو بعث الأمة وبعث البلاد".
العلمانيون من اوساط الذين يرفضون مبادرة ترامب، لأنه يوجد فيها كما يبدو اعتراف بدولة فلسطينية، يستندون إلى رأي الشاعر نتان الترمان، من مؤسسي "الحركة من اجل ارض إسرائيل الكاملة". الترمان كتب في 1970 قبل شهر من موته في مقاله الاخير بعنوان "الهواية الجديدة": "من اللحظة التي نعترف فيها بوجود وهم قومي فلسطيني، من تلك اللحظة تصبح كل الصهيونية سرقة وطن من أيدي شعب قائم.
وفي حالة أننا نساعد اليوم في تجذير هذا الوعي في العالم وفي وعينا الداخلي فإننا نهز الاساس التاريخي والانساني للصهيونية ونضعها على حرابنا فقط". الترمان اعتبر النزاع "لعبة صفرية المجموع". وكما يبدو لم يكن بإمكانه قبول نظرة "هذا وذاك" التي تعني بأنه يوجد للشعبين الحق في تقرير المصير في وطنهما. والاعتراف بحق أحدهما لا ينفي حق الآخر.
وكل ما تبقى للمخلصين للصهيونية هو أن يأملوا بأن يكون هذا الرفض للقوميين المتطرفين المسيحانيين واصدقائهم، "حمار المسيح" الذي سينقذنا من الحلم المجنون غير الممكن للرئيس ترامب والذي يمكن أن يدمر كل قطعة جيدة في دولة إسرائيل وعلاقاتها مع الفلسطينيين ومع كل العالم.
إضافة تعقيب