دفنا ماؤور
(ذي ماركر- ترجمة "الاتحاد" بتصرف)
*على مدى 4 عقود استوحش رأس المال بأضعاف، في سطوته على الاقتصاد والحكم *ملايين الناس التي اندفعت إلى الشوارع في الأيام الأخيرة، هم من الجوعى، فاقدي كل شيء *حيتان المال اشتروا نظام الحكم والكونغرس ومجلس الشيوخ وجهاز القضاء؛ وحتى السجون تحولت إلى مشاريع استثمار، رهيبة في ظروفها *ميزانيات دعم الاقتصاد في أزمة الكورونا، ذهبت لأصحاب المال، بينما الجمهور تلقى الفتات، ومنهم من تم حرمانه من الفتات حتى *أميركا من نظام رأس المال، إلى نظام عصابات*
يهدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإطلاق النار وإرسال الكلاب الهجومية والجيش لقمع المظاهرات، بما في ذلك المظاهرات القانونية والهادئة، احتجاجا على العنصرية والإعدام العلني للمعتقلين السود من قبل الشرطة، واحتجاجا على غض الطرف عن اصطياد البشر، وعلى قمع الضعفاء والأقليات- الناس الذين ليس لديهم علاقات بالكبار ومراكز القوة والمال.
تم رش مسيرة هادئة جرت في واشنطن، بالرصاص المطاطي والقنابل اليدوية، من قبل القوات الفيدرالية، بهدف فتح طريق أمام الرئيس ليلتقط الصور في الكنيسة، ما أثار استياء أسقفها.
أراد زعيم العالم الحر تبديد الانطباع الذي خلقه عندما اختبأ في ملجأ تحت الأرض في البيت الأبيض. بينما تحولت الاحتجاجات في الخارج إلى عنيفة. وقد أضرمت النيران في مئات المدن في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وتحطّمت نوافذ المتاجر، واشتبك المتظاهرون مع قوات الشرطة، وتم قتل أشخاص، وتم اعتقال الآلاف.
"إن القوة النووية العظمى تتحول إلى الفوضى والعنف خلال فترة وباء الكورونا، فالزعيم يرسل الجيش ليقمع المظاهرات". كتب البروفيسور فيبين نارانغ، الباحث في مجال البحوث النووية والاستراتيجية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
النهب قائم منذ أجيال
لكن أعمال النهب والعنف والسطو الواسعة قائمة منذ أجيال، معظمها بموجب القانون، وبعضها تجاوز القانون، وتتجاوز قوتهم ونطاقهم مئات الأضعاف، ولربما ملايين الأضعاف، من تلك الأضرار الاقتصادية التي سببها مثيرو الشغب في المظاهرات خلال الأسبوع الماضي.
تخضع الولايات المتحدة أكثر فأكثر لسيطرة متفاقمة من أصحاب المال. عند تفصيل البلوتوقراطية- حكم الأغنياء- من الصعب عدم تسميتها كليبتوقراطية- قاعدة اللصوص. فالأدلة على ذلك متراكمة منذ زمن. وهذا الحكم يحظى بشرعية من المحكمة العليا، وفي كل المحاكم المنتشرة في كل مكان في الولايات المتحدة الأميركية. وأيضا من قبل المشرعين المحليين والفدراليين المنتخبين بمساعدة أموال أصحاب المصالح.
الإيرادات: حصة الـ 1% مساوية لحصة 50% من الجمهور
في عام 1980، قبل عام من دخول رونالد ريغان إلى البيت الأبيض، كان الأميركان من هُم في الدرجتين الدنيتين من أصل 10 درجات للسلم الاقتصادي الاجتماعي، 50% من اجمالي السكان، وكانت مداخيلهم الاجمالية تشكل 22% من اجمالي الدخل القومي.
وفي العام 2016، انخفضت نسبة دخلهم إلى 13% من اجمالي الدخل القومي، فيما ارتفع مدخول الـ 1% الأغنى من السكان، من 11% من اجمالي الدخل القومي في 1980، إلى 21% في العام 2016. ما يعني أنه سنويا، يحصل 3,28 مليون أميركي على أموال أكثر مما يحصل عليه 164 مليون أميركي.
ثراء أميركيين اثنين، أكثر من نصف الأمة
عندما تقيس الثروة- قيمة الممتلكات التي بيد الأميركان- تظهر صورة أكثر تشويها. في عام 2017، كان لأغنى ثلاثة أميركيين، جيف بيزوس، وورن بافت وبيل غيتس، معا، 250 مليار دولار، أكثر مما لـ 50% من الفقراء في الولايات المتحدة. ففي ذلك العام 2017، كان لدى 160 مليون أميركي أو 63 مليون أسرة، إما صفر أو مديونين.
بينما صحيح حتى يوم 2 حزيران، فإن ما يملكه غيتس وبيزوس معا 260 مليار دولار. إذا أضفتهما إلى ثالث أغنى شخص في الولايات المتحدة، وهو حاليا مارك زوكربيرج، فيرتفع حجم ثروتهم الاجمالية إلى 350 مليار دولار.
يمكن القول إن توزيع الثروة في الولايات المتحدة يرجع إلى الصفات والمهارات الخاصة، التي تمتلكها حفنة من الناس في الولايات المتحدة، مقابل كل الآخرين، الذين ليس لهم أية مؤهلات. ولكن نظريا، فقد تم دحض نظرية تسلل الثروة والجدارة المزعومة بشدة على مدى العقد ونصف العقد الماضيين.
إذ يظهر المزيد والمزيد من الأدلة على أن الولايات المتحدة قد فقدت طريقها كأرض الحرية والفرص، فالفجوات الاجتماعية والقمع هي نتيجة التحركات على جانبي الخريطة السياسية، منها تراجع سياسة الصحة والتعليم، في ظل قانون غير مجدي للجم الاحتكارات، وحتى الجهود الدؤوبة، لإغراق السياسة بالأموال.
الكورونا أصابت الضعفاء، بالصحة والمال
تجري الاحتجاجات الأميركية في ذروة تفشي وباء قُتل به مئات الآلاف من الناس حول العالم، وبأعداد هائلة في الولايات المتحدة نفسها. لقد أثر الوباء بشكل غير متناسب على الفقراء والأقليات العرقية والسود. الملايين في الولايات المتحدة ليس لديهم تأمين صحي، والعديد من أولئك الذين لا يستطيعون، دفع حصتهم في كلفة العلاج، ولهذا لا يذهبون إلى الطبيب.
وكثيرون من هؤلاء يتوجهون إلى العمل، وينقلون العدوى لآخرين، لأن البديل لذلك هو عدم العمل وتجويع عائلاتهم، أو أنهم يضطرون للتوقف عن العمل بأوامر تفرضها الإدارة الأميركية لصالح الأثرياء.
كما تسبب الوباء بأزمة اقتصادية سريعة وعنيفة لم يسبق لها مثيل من قبل. فحتى في فترة الكساد الكبير، لم يتم طرد 40 مليون شخص من العمل في أقل من ثلاثة أشهر. والمتضررون بشكل غير متناسب هم أيضا الفقراء وذوو المداخيل القليلة، والذين ليست لديهم مؤهلات تعليمية، وتم دفعهم إلى الهامش. والكثير من العاطلين عن العمل فقدوا تأمينهم الصحي.
23% من العائلات في الولايات المتحدة لا تملك ما يكفي من المال لشراء الطعام. فقد أفادت حوالي 20% من أمهات الأطفال الصغار أن أطفالهم ليس لديهم ما يكفي من الغذاء، وفقا لمسح أجراه معهد بروكينغز.
الأموال لكبح جماح الأزمة تذهب للأثرياء
صادق الكونغرس على ميزانية حوافز للاقتصاد الأميركي، بما يقارب 3 تريليون دولار (الترليون ألف مليار) في أعقاب الأزمة الاقتصادية الرهيبة. كم من تلك الأموال حصلت عليها أولئك الجماهير التي اندفعت إلى الشوارع لتحتج بغضب؟
82% من الامتيازات الضريبية بقيمة 90 مليار دولار ذهبت لأصحاب الملايين. والمساعدات للمصالح الاقتصادية الصغيرة، ذهب للشركات الكبيرة. ومعظم الشركات الصغيرة في الولايات المتحدة لم تتلق شيئا.
وما الذي تلقته الأسر؟ توسيع نطاق استحقاق مخصصات البطالة (التي يحاربها الحزب الجمهوري) إضافة إلى المنح النقدية لمرة واحدة بقيمة 1200 دولار للبالغين، و500 دولار للأطفال، فيما تم الحجز على هذه المبالغ، التي تلقتها الأسر الفقيرة المُثقلة بالديون.
البنك الفيدرالي يمول المستثمرين والشركات
أكبر عملية تحويل للمال من الفقراء إلى الأغنياء، تتم بواسطة آلة طباعة نقود جيدة التجهيز يديرها البنك الفيدرالي. يقوم البنك بشراء السندات وصناديق الاستثمار المتداولة بتريليونات الدولارات، وبالتالي يموّل الشركات والمستثمرين. وبينما تشتعل واشنطن أمام البيت الأبيض، تقفز بورصات وول ستريت لأن البنك المركزي يرعاها.
توفر النقود المطبوعة تمويلا مجانيا لأصحاب الأسهم، وتسمح للشركات بتضخيم أسعار أسهمها، ولا تدعم عمليا التوظيف ورفع مستوى المعيشة للجمهور الأميركي بأكمله. في الوقت نفسه، يمنع سعر الفائدة الصفري الموظفين والأسر الذين لا يملكون رأس المال والقدرة على الاستثمار في استثمارات المضاربة والمحفوفة بالمخاطر لتوفير المعاشات التقاعدية. وهكذا، فإن أجيالا كاملة من الأميركيين عرضة للفقر.
المحكمة العليا ونظام القانون- لعبة مبيوعة
المؤسسات والمكابح والتوازنات الأميركية المجيدة، بعيدة عن حماية عامة الناس والسكان الضعفاء في الولايات المتحدة. فقد أعطت المحكمة العليا الشركات والمستثمرين الأثرياء الحرية في تمويل حملات السياسيين، مما خلق حالة يحتاج فيها المتنافسون إلى الملايين للترشح لمناصب مثل القضاة والمدعين العامين والمشرعين.
ولهذا نرى أحكاما ضد العاملين لصالح الشركات، وتقليص الحقوق المدنية إلى توسيع الفجوات الاقتصادية في الولايات المتحدة، مما يمنح الشرطة سلطة وحماية غير معقولين قد يفسران حالات العنف الشديد التي ظهرت ضدها الاحتجاجات.
أصبح تحيز الأنظمة القانونية الأميركية ضد الفقراء والمحرومين عملا اقتصاديا ضخما: تحتجز السجون الخاصة السجناء في ظروف رهيبة، وتتآمر مع القضاة الفاسدين من أجل كسب المزيد من السجناء؛ وتحول خصخصة خدمات مراقبة حياة الأشخاص الذين لم يدفعوا غرامة إلى جحيم حيث يخسرون ليس فقط أموالهم وإنما أيضا حريتهم.
وأصبحت إطلاق السراح بكفالة، تجارة بالحصول على قروض في السوق السوداء، وفيها يتم سلخ جلود المقترضين، وسلب حريتهم. يجد الأشخاص الذين لا يستطيعون دفع كفالة للإفراج صعوبة في الحصول على محامين وإثبات براءتهم.
وتقول البروفيسورة بالقانون والباحثة في نيويورك، أرين ميرفي، لـ "ذي ماركر"، إن "أي شخص ينظر إلى النظام القضائي في الولايات المتحدة يعترف بأن هناك نظامين قانونيين، أحدهما لأصحا راس المال، والآخر لمن لا يملكون المال. معظم الناس ليس لديهم مال، معظمهم فقراء". وتعد ميرفي رائدة في مجال التكنولوجيا والخصوصية في نظام العدالة الجنائية.
التعليم العالي للأغنياء فقط
المقولة المتبعة، هي أن يتم منح الفقراء الصنارة وليس السمك، كي يتعلموا تمويل أنفسهم، ولكن هذه المقولة في أميركا ماتت ما بين العامين 1986 و2016، التي فيها قفزت رسوم التعليم العالي، بالمعدل للقب الأول، من 12 ألف دولار إلى 26 ألف دولار، وهذا في جهاز التعليم الرسمي، وليس الخاص.
أجيال بأكملها تتحول إلى عبيد بفعل ديونها، ولا تستطيع الوصول إلى التعليم العالمي، والتدرّج الاقتصادي الاجتماعي، الذي يسمح للأميركان بأن يحققوا أحلامهم تحطم كليا.
إضافة تعقيب