في عهد حكم خوان بيرون، الدكتاتور الشعبوي في الارجنتين، كان مؤيدوه يسكتون الخطاب الجماهيري بالطبول الكبرى، التي كانت تسمى بومبوس. وقد وصلت الطبول الى السياسة من ملاعب كرة القدم. "هتافات الجمهور كانت تترافق وضربات مطارق منتظمة على البومبوس"، كتب الصحافي عاموس ايالون، الذي زار الارجنتين بعد الاطاحة ببيرون. "كانت الطبول الامر الاسوأ. كان فيها شيء ما قبلي، بدائي، وحشي".
جاء وقت الطبول الى الميادين في اسرائيل. فالمظاهرات في القدس وفي الشمال في منتهى السبت، والمظاهرات المضادة، في تل أبيب وفي بيتح تكفا، كانت المقدمة فقط للمظاهرة الكبرى لمؤيدي نتنياهو، التي يفترض أن تجرى مساء غد في تل أبيب. المظاهرات توجد في اسرائيل باتساع، وخير أنها توجد، ولكن هذه المظاهرة تختلف عنها. في المرة الاولى منذ قيام الدولة يحشد رئيس وزراء مؤيديه كي يصرخ ضد المؤسسات التي يقف هو على رأسها. ليس ضد حزب خصم، ليس ضد سياسة ما أو معها – بل ضد المنظومة، النظام، روح القانون. بيرون فعل هذا في الارجنتين، ترامب يفعل هذا في الولايات المتحدة. نتنياهو يسير الان في اعقابهما.
ان الجمهور الذي سيصل الى المظاهرة سيكون مشوقا. وسيكون مثيرا للاهتمام أن نرى كم من الناس سيصلون، من سيصل وكيف. هل باصات المجالس الاقليمية في بنيامين، السامرة وجبل الخليل ستقف في طابور طويل في شارع ابن غبيرون. هل الاصوليون سيصلون، هل سيصل مصوتو الليكود العاديون.
ان محاولة نقل الجدال حول ملفات نتنياهو الى الشوارع باءت حتى اليوم بفضل ذريع. الحدث الاول، في الخانة 10 في مركز المعارض، كانت طفيفة، غير مبالية قليلا وبهيجة قليلا؛ الى المظاهرة قرب منزل رئيس الوزراء في القدس وصل قلائل. قد أكون ساذجا اكثر مما ينبغي، متفائلا أكثر مما ينبغي، ولكن يخيل لي انه رغم نداءات المعركة الصادرة عن نتنياهو وعن حليفه اليميني المؤقت، بتسلئيل سموتريتش، قلة جدا من الاسرائيليين سيكونون مستعدين لان يقفوا من اجله خلف المتاريس، فيغلقوا الطرقات، ويتعرضوا للغاز. مؤيدوه سينفسون غضبهم بالتغريدات في الشبكة الاجتماعية، وهو أمر خطير على حد ذاته، وسيشعرون بالارتياح مع أنفسهم وسيعودون الى حياتهم الاعتيادية.
حرب أهلية؟ ليس في مدرستنا؛ بالتأكيد ليس على هذه القصة. وفقط لغرض المقارنة: مناحيم بيغين اخرج الجماهير مرة واحدة في حياته الى الشوارع: عندما حاول ان يحبط بالقوة اتفاق التعويضات مع المانيا. كان هذا قرارا بائسا من بيغن، ولكنه ولد من القلب، من العاطفة، وليس من مصلحة شخصية. اما التحذيرات التي يطلقها الان مؤيدو نتنياهو من مغبة حرب اهلية، فقد ولدت في الخطيئة: فهي تسعى لان تردع الجهاز القضائي من القيام بعمله. محظور الاستسلام لها: القرارات يجب ان تؤخذ، بلا خوف. والاجراءات يجب أن تتم.
جدعون ساعر قال في مقابلة تلفزيونية في السبت ان نتنياهو يجب أن يستبدل في اجراء سياسي، وليس بواسطة المحكمة. مبدئيا، هو محق. في الواقع المثالي كان يفضل انهاء الازمة السياسية بواسطة اجراء انتخاب مرتب في الليكود، يضع مرشحا لرئاسة الوزراء لا توجد ضده لائحة اتهام. اذا ما جرى الامر بسرعة، فسيكون ممكنا تشكيل حكومة وحدة في اطار الفترة المحددة في القانون، او كبديل التوجه الى الانتخابات ونحن محررون من الظل الثقيل للوائح الاتهام.
لشدة الاسف، يرفض الواقع ان يكون مثاليا. في هذه الاثناء ساعر ومعسكره معزولان. كاتس، اردان، ادلشتاين وآخرون يختارون الوقوف جانبا وانتظار المعجزة. الفراغ الذي نشأ يجتذب الى داخله الجهاز القضائي. في القانون الاساس: الحكومة لا يوجد موقف من كيفية التصرف تجاه مرشح في وضع نتنياهو (الادعاء بان القانون يؤهله هو اختراع من انتاج بلفور). هذه حبة بطاطا ساخنة: لا احد، لا المستشار القضائي للحكومة ولا قضاة المحكمة العليا، سيرغبون في أن يكونوا الاشخاص الذين بتفسيراتهم القضائية سيتقرر هل سيواصل نتنياهو مهامه أم سيرحل الى بيته. فشيء ما هو انهاء ولاية رئيس وزراء بعد سماع شهادات تدينه في المحكمة. وشيء آخر هو عمل ذلك بتعليم فني. على الرغم من ذلك فانهم سيتعين عليهم ان يتخذوا القرار.
نتنياهو، قال لي احد زملائه في الليكود ينظر الان الى مكانه في التاريخ. هو يفهم بان هذا انتهى، ولكنه ما كان يريد أن يذكر كآخر الفاسدين. ينبغي ايجاد سبيل للسماح له بان ينهي الامر باحترام. هذا موقف يمكن فهمه، بما في ذلك لاعتبارات انسانية ولاعتبارات سياسية، ولكن خطوات نتنياهو منذ نشر لوائح الاتهام لا تدفع هذا الفهم الى الامام. توجد دولة تنتظر البشرى: في هذه الاثناء تصبح الازمة السياسية عضال؛ لا توجد حكومة؛ والان نشأت ايضا ازمة قضائية ومحاولات لاثارة التمرد بواسطة الشارع. كله بسبب تورط رجل واحد.
إضافة تعقيب