news-details

خالدة جرار تتعرض لملاحقة سياسية وليست متهمة بعملية

النائبة الفلسطينية خالدة جرار اعتُقلت ثانيةً وهذه المرة بمصاحبة تقارير صاخبة مُدبّرة بأيدي الشاباك. ولكن في لائحة الاتهام يظهر بند واحد: وهو تولي وظيفة في اتحاد غير مشروع

 

لائحة الاتهام: "المدعي العسكري ضد خالدة جرار. ماهية المخالفة: تولي وظيفة في اتحاد غير مشروع". إذا كانت هذه الوثيقة، وهي لائحة اتهام من بند واحد يمتد على طول صفحة كاملة، يجدر قراءتها. هو يكشف الحقيقة المجردة والمقلقة عن سلطة الاحتلال وأجهزة الأمن، وليس أقل من ذلك عن الإعلام الاسرائيلي خادمها الوضيع.

ليست قصة الاستبداد في المناطق وليس فقط حقيقة أن خالدة جرار كآلاف الفلسطينيين الآخرين هي معتقلة سياسية تماماً، وهذه المرة النيابة العسكرية حتى تعترف بذلك؛ ولا حقيقة أن اسرائيل تسمح لنفسها باعتقال نائبة فلسطينية دون أي عقبات؛ ولكن ما يُقلق ليس أقلا من ذلك هو التجند الأوتوماتيكي والأعمى لمعظم وسائل الإعلام الاسرائيلية لخدمة دعاية أذرع الأمن.

الشاباك يملي والإعلام يردد. لا أحد يفحص، ولا أحد يسأل ولا أحد يصعب عليهم الأمر- وحتى هذا يسمونه صحافة. لمفهوم خاتم مطاطي لم يعد هنالك منذ أمد اسم أسوأ من هذا الاسم الذي أعطته له الصحافة الاسرائيلية في قضية خالدة جرار.

خالدة جرار اعتُقلت ليلة 31 اكتوبر في بيتها في البيرة. في الأسبوع الماضي أبلغ الشاباك المراسلين العسكريين بالاعتقالات الواسعة التي قام بها في أوساط نشطاء الجبهة الشعبية مع حل لغز مقتل رينا شنراف. شنراف قُتلت في شهر آب في نبع عين بوبين والذي سيطر عليه المستوطنون بالقوة. تقريباً كل وسائل الإعلام خرجت في اليوم التالي للتوجيه الذي قدمه الشاباك، بعناوين صارخة بشأن تورط جرار بالقتل.

"يديعوت أحرنوت" كتبت: "الشاباك اعتقل خالدة جرار المسؤولة عن قتل رينا شنراف". اسرائيل اليوم كتبت: "من بين المسؤولين عن مقتل رينا شنراف: نشيطة حقوق انسان ابنة 56". باقي وسائل الإعلام رددت خلفهم. جرار قتلت شنراف أو على الأقل أعطت الأمر بالقتل.

لم يهتم أحد بلائحة الاتهام. ليس فيها كلمة واحدة عن قتل شنراف أو عن القتل بشكل عام. كما ليس فيها أي كلمة عن عنف ما ترتبط جرار به. في لائحة الاتهام التي وقع عليها المدعي العسكري الرائد تال زيسكوفيتش موضح تهمة جرار: هي كانت تدير أو تساعد في إدارة اتحاد غير مشروع، أوو أنها تولت وظيفة أو مكانة ما في تنظيم غير مسموح به أو تحت سلطته"

صيغة متلعثمة وضعيفة أكثر لم تجد النيابة العسكرية. ولكن الصحف حسمت الموضوع: جرار قتلت. لائحة الاتهام تكشف عن لقاء ما بين 3 أشخاص فلسطينيين جرى في 2014 "أو في موعد قريب من ذلك" ناقشوا فيه وضع الجبهة الشعبية. في تلك المحادثة قرر الثلاثة: "تجديد تنفيذ نشاطات للجبهة في المنطقة ويشكلوا قادة للتنظيم".

من خلال لائحة الاتهام: "في ذلك اللقاء اتفق الثلاثة على توزيع الوظائف بينهم. حسب التقسيم، المتهمة مسؤولة عن النشاطات الوطنية والسياسية للجبهة الشعبية وعن العلاقة الرسمية مع السلطة الفلسطينية ومع التنظيمات".

جرار إذاً مسؤولة عن النشاطات السياسية للجبهة وعنها فقط- هذا حسب لائحة الاتهام العسكرية. لائحة الاتهام هذه تكشف أن المتهمة واصلت الاجتماع مع الاثنين وأخبرتهما بنشاطاتها السياسية. في اللقاء في حزيران 2019 " قدمت المتهمة لهما تقريرا عن الوضع الوطني والسياسي. بقيامها بذلك، فإن المتهمة كانت تتولى وظيفة في اتحاد غير مشروع حتى يوم اعتقالها". لا قتل ولا ارهاب، ولا رينا شنراف ولا عنف، فقط نشاط سياسي في حركة قررت اسرائيل اخراجها خارج القانون.

 

زيارة تعزية

الجبهة الشعبية هي حركة سياسية لها أيدولوجيا لبرنامج سياسي ويوجد لها أيضاً دراع عسكري منفصل وسري، ولكن في القاموس الاسرائيلي لا يوجد هنالك شيء يسمى حركة سياسية فلسطينية أو حزب فلسطيني- يوجد فقط تنظيمات ارهاب. هكذا تحولت السياسية جرار ناشطة حقوق الانسان، معارضة الاحتلال، النسوية والعلمانية إلى إرهابية وليست هذه هي المرة الأولى. من تموز 2017 وحتى شباط 2019 كانت في الاعتقال الاداري بأمر عسكري ورد فيه أنها ناشطة سياسية "تعرض للخطر أمن المنطقة".

كان ذلك قبل عام بعد أن أنهت قضاء 14 شهر اعتقال في أعقاب اعترافها بنشاطها السياسي في الجبهة الشعبية. لقد حُكمت حينئذ على بنود اتهام مضحكة تضمنت زيارات عزاء ومحاضرة في مكتبة. في البداية أصدروا ضدها أمر اعتقال إداري، بعد 13 يوما غيروا رأيهم وقدمت النيابة العسكرية ضد جرار لائحة اتهام تتضمن 12 بنداً تقلصت حتى كانون أول إلى بندين فقط: "عضوية في اتحاد غير مشروع" و"تحريض". من شباط حتى تشرين أول هذ العام تركوها، 8 شهور من الحرية والإهمال، التقيناها في بيتها غداة إطلاق سراحها، وفي ليلة 31 تشرين أول اعتقلوها ثانيةً.

زوجها غسان كان في تلك الليلة في الأردن. هو صاحب مصنع للألعاب المحشوة الملونة، وابن ستين عاما. حتى هذه الرحلة لم تسمح له اسرائيل بالخروج من حدود الضفة الغربية. في بيته في البيرة وفي ساعة المساء، قال ساخراً: أن أبعد مكان وصل إليه في حياته كان سجن كتسيعوت في النقب، وحتى وهو يحمل جواز سفر ديبلوماسي بفضل منصب زوجته.

صورة خالدة مع شعار "freedom" موضوع على معلقة في مدخل غرفة الضيوف في الطابق الثاني للبيت الحجري الجميل. غسان يقود الآن سيارة الجيب الخاصة بها. الضرر الوحيد الذي وقع على البيت من اعتقالها الليلي كان قطع السلك الذي تسلقت عليه النبتة في مدخل البيت. هذه المرة عاملوها بلطف، يقول غسان: لم يقيدوا يديها ولم يغطوا عينيها. في البيت كانت معهما فقط بنتهما سهى التي تعمل في منظمة حقوق الانسان "الحق". بنتهم الثانية يافا تعيش في كندا. حفل زواجها بزوجها الكندي والذي جرى في أوتاوا شاهده غسان بواسطة بث فيديو سوية مع أصدقائه. خالدة كانت في السجن كالعادة، وهو ممنوع من السفر كالعادة.

هو يقول أنه فوجئ جداً من اعتقالها هذه المرة، منذ تحررها اعتنت خالدة بصحتها وبأمها العجوز التي تسكن في نابلس (أبوها مات وهي في المعتقل)، وبعد ذلك حصلت على وظيفة في جامعة بيرزيت. كانت تنوي في البدء تقديم دورة في حقوق الإنسان وبدأت للاستعداد لها. هذه الدورة كما يبدو لن تتم في موعدها. في بداية الفصل الثاني في شباط. غسان يقول إنه مع إطلاق سراحها قالت له خالدة: "إنهم لا يريدون رؤيتي في الخارج. سوف أستقيل من نشاطاتي وأركز على التعليم في الجامعة، على الأقل بصورة مؤقتة". لكنه يضيف بابتسامة: "أنت تعرف كم يصعب على سياسية أن تستقيل".  

في نهاية تشرين أول حصل غسان على تصريح خروج من المناطق للمرة الأولى في حياته. لقد سافر ليلتقي بأخويه وأخواته الأربعة، وعماته الثلاثة وأبناء أعمامه الـ 22 في الأردن. جزء من أولاد إخوته لم يلتق بهم. أخوه حسام لم يره منذ 50 عاما. أخوه زهير لم يره منذ سنة 1998. اللقاء العائلي الفريد هذا كان مؤثراً وعاصفاً جداً، فيلم فيديو يوثق المعانقات والدموع التي انهمرت هناك كالمياه.

فجأة اتصلت به إحدى العاملات في مصنعه الموجود في بيت فوريك، وقالت له: "أنا متأسفة جداً على ما حدث لخالدة". ماذا حدث؟ لم يكن حتى ذلك الوقت يعرف أنها اعتقلت. لقد ترك كل شيء وجاء لرام الله خلال ساعات. جمع شمل العائلة الذي كان من المتوقع أن يستمر أسبوعين، وانتهى بعد يومين.

 

توجيه الشابك

خالدة معتقلة في سجن الدامون، من المتوقع أن تجري محاكمتها يوم الاثنين المقبل في المحكمة العسكرية في عوفر. لقد حُقق معها طوال 20 يوما في منشأة تحقيق للشاباك ونتائج التحقيق مسجلة في لائحة الاتهام، حسب أقوال زوجها، هي لم تسأل مطلقاً عن العملية في عين بوبين. لدى تمديد اعتقالها نجح غسان في استراق سؤال لها: هل حصلت على الأدوية؟ حيث أنه كان قلقا دائماً بشأن أدوية زوجته، التي تعاني من عدم تخثر الدم.

لماذا اعتقلوها ثانية؟ غسان مقتنع أن اسرائيل قررت أن تجتث جذور تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتعتقل نشطاءها. محامية جرار، المحامية سحر فرنسيس، تعتقد أن الأمر يتعلق باعتقال سياسي، وأن النية كانت بالأساس هي تشويه سمعة منظمات حقوق الإنسان التي ما زالت تعمل في المناطق.

لقد فُرض في البداية أمر حظر نشر على اعتقال جرار وباقي نشطاء الجبهة الشعبية، حتى 31 كانون أول. التوجيه الذي قدمه الشاباك، والذي أشاروا فيه بمشاركة جرار في قتل شنراف وقع في 18 كانون أول، وأمر منع النشر رُفع من أجله أبكر مما هو متوقع.

المحامية فرنسيس مقتنعة بوجود علاقة بين التوجيه الذي أعطاه الشاباك بخصوص مشاركتها الموهومة لجرار في القتل وبين التقرير الشديد الذي نشرته قبل يوم من ذلك منظمة حقوق الانسان الأميركية human rights watch ، عما يجري في المناطق. في تقرير تحت عنوان "ولدوا بدون حقوق مدنية، الاستخدام الاسرائيلي لأوامر عسكرية وحشية لقمع الفلسطينيين في الضفة الغربية" خُصص جزء لخالدة جرار ولتاريخ اعتقالاتها.

في نهاية التقرير خُصص جزء للتوصيات. لدولة اسرائيل يوصي التقرير بمنح الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية كامل الدفاع عن حقوق الإنسان العائدة لهم. وللجيش يوصون: "بوقف اعتقال أشخاص وسجنهم بسبب ممارسة غير عنيفة لحقوقهم لحرية التجمع، والانتظام في نقابات وحرية التعبير". وللمدعين العسكريين بوصي التقرير بوقف تقديم أشخاص للمحاكمة استناداً إلى أنظمة الطوارئ لسنة 1945. محرر التقرير: عمر شاكر، طُرد من اسرائيل.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب