قراران مصيريان ادخلا اسرائيل في هزيمة صحية واقتصادية مع كورونا: فتح المدارس دون قيود واخراج العمال في اجازة مدفوعة الاجر
في 17 أيار 2020 كان الجو حارا في البلاد، حتى 40 درجة مئوية. وكان هذا جزءا من موجة حر متطرفة استمرت بضعة ايام. وقال مسؤولو الأرصاد الجوية انهم لا يتذكرون موجة حر كهذه. حكومة نتنياهو- غانتس ولدت بعد مخاضات شديدة تضخمها، تبذيرها، انقطاعها عن الواقع الاقتصادي، احتلت الصفحات الاولى في الصحف.
وكانت هدية الحكومة المنصرفة للحكومة الوافدة سلسلة من التسهيلات في أزمة كورونا. التلاميذ عادوا الى المدارس؛ المحتفلون الى قاعات الافراح؛ المصلون الى الكنس. وكانت الاعداد واعدة: 272 وفيات فقط بعد ثلاثة أشهر من انتشار فيروس كورونا؛ 55 مريض خطير، بينهم 44 تحت أجهزة التنفس. أقسام كورونا اغلقت في ظل انعدام الطلب. وفهم الاسرائيليون من زعمائهم بأن دولتهم هي الاولى في العالم في كل ما يتعلق بالوباء: نور للأغيار. هذا لم يكن صحيحا ولا حتى في الايام الطيبة، ولكن كان خيرا سماع ذلك.
سألت في محادثات خلفية أناسا كانوا في حينه في قلب اتخاذ القرارات، متى برأيهم هُزمت اسرائيل في المعركة ضد كورونا. اثنان اجابا بلا تردد: في 17 ايار 2020. وقال أحدهما ان اسرائيل وقعت في ذاك اليوم على مصيرها للسنوات العشرة القريبة القادمة.
سألت أيضا، أي حكومة أدارت الازمة بشكل أفضل، الحكومة الانتقالية التي انتهت ولايتها في ذاك اليوم أم الحكومة الحالية. وفي هذا الشأن ايضا تلقيت جوابا لا لبس فيه: الحكومة السابقة.
سألت ايضا ما هو القرار الاقتصادي الاسوأ الذي اتخذته الحكومة. وقد فاجأني الجواب. والتفاصيل لاحقا.
لست خبيرا في الاوبئة، ولا في إدارة الازمات الاقتصادية. كل ما عندي هو دفتر وقلم وقدرة وصول جزئية لأصحاب القرار. ما سيقال هنا يقوم على اساس محادثات مع ممثلي النهج المحافظ، الحذر، الذي حاول ان يوقف قبل فوات الاوان الالغاء الجارف لقيود كورونا. لقد عانى تصدر وزارة الصحة للازمة اخطاء كثيرة، ولكن السؤال من كان محقا، اولئك الذين ضغطوا للعودة للحياة الطبيعية، بأسرع وقت ممكن، وبأوسع نطاق ممكن، أم اولئك الذين حاولوا المنع والابطاء. في هذه الاثناء نحن نشهد ارتفاعا ساحقا، مقلقا في عدد المصابين والمرضى. اسرائيل تدخل مرة أخرى لموجة ثانية.
لم يوفروا البضاعة
هكذا بدت الازمة من زاوية نظر جزء من اولئك الذين كانوا هناك. في الاشهر الاولى من الوباء اتخذ القرارات ثلاثة: نتنياهو، رئيس هيئة الامن القومي مئير بن شبات، ومدير عام وزارة الصحة موشيه بار سيمان توف. المداولات في الحكومة كانت طويلة وعقيمة، ولكن في النهاية إرادة نتنياهو حسمت. ليتسمان، الذي كان وزيرا للصحة، لم يكن ذي صلة. فقد تطلبت الازمة قرارات حادة، سريعة.
لقد قيل الكثير عن مساهمة أذرع الامن في مواجهة كورونا في الاشهر الاولى. القائمة طويلة: وزارة الامن، الموساد، 8200، 81، دورية قيادة الأركان، سلاح الجو، المظليون، قيادة الجبهة الداخلية. كما أن قائمة المساهمات طويلة: المشتريات، الاستخبارات، الادارة، انتاج اجهزة التنفس، الاعلام، تنفيذ الاغلاقات في الميدان. وسائل الاعلام تحمست وكذا الجمهور.
المصيبة ما بعد النشوى
قسّم أصحاب القرار معالجة الازمة الى ثلاث دوائر، حسب الاهمية: اولا، اتخاذ القرارات على المستوى الوطني؛ في الدائرة الثانية الاتصال مع الجمهور؛ في الدائرة الثالثة معالجة الفحوصات وسلاسل العدوى. في الاشهر الاولى كان نوعا من النظام. كان للازمة، كما أسلفنا، طاقم متبلور من متخذي القرار: نتنياهو، بن شبات وبار سيمان توف. خيرا كان أم شرا، نتنياهو كان يدخل الى تفاصيل التفاصيل، واختار الادارة التدقيقية. نتنياهو وبار سيمان توف كانا وجه الوباء. ادارا بنجاح كبير الاتصال مع الجمهور.
في الدائرة الثالثة وقعت أخطاء. قصة المصاعب والتأخيرات في تفعيل مشروع "العموم"، ترسم صورة غير طيبة. فاللقاء بين ثقافة عمل وزارة حكومية وثقافة عمل سلاح الجو كان بائسا. كما أن الرفض المتواصل من الوزارة لتجنيد الناس من الخارج، طلاب أو جنود، للتحقيقات الوبائية كان صعبا على الهضم.
فقد ادعى المقررون بأن تحقيقا هاتفيا يتطلب خبرات، الممرضات المهنيات وحدهن تعرفن كيف توفرها. وقال أحد الذين تحدثت معهم: "لو كان الحديث يدور عن الرجال، لكانوا احترموا أكثر المتطلبات المهنية. فهم يستخفون بالأمر لأنهن نساء". ليس هكذا بدا الامر.
ولكن الاخفاقات على الارض ساهمت في الفوضى في الهوامش فقط. لقد ولدت الفوضى من قرار 17 ايار. قبل خمسة ايام من ذلك، في 12 ايار، أعلن بار سيمان توف بانه قرار انهاء مهام منصبه. في ذاك اليوم سجل عشرين مريض خطير. اعتقد أنه يبقي لمن سيأتي بعده طاولة نقية، شبه نقية، من كورونا. أضعف بيان الاستقالة قوة اعتراضه واعتراض وزارته.
لقد كان القرار فتح المدارس كما هي وقاعات المناسبات. وبزعم من تحدثت معهم لم تتصرف اي دولة هكذا. اقترحت وزارة الصحة عدم اعادة تلاميذ الصفوف من الخامس فما فوق. فهم يمكنهم أن يبقوا في البيت دون أن يحجزوا اهاليهم معهم. وبالنسبة للصغار، كانت التوصية الحرص على عشرين تلميذ في الصف، مع مسافة مترين. كوريا الجنوبية اعادت الاطفال الى التعليم بالصيغة العادية فتلقت ضربة والغت. اما اوروبا فقيدت.
في المدارس يلامس الاولاد الواحد الاخر وينقلون العدوى. في قاعات المناسبات يتعانق الغرباء، يتبادلون القبل ويأكلون باكتظاظ. هاتان الدائرتان واعدتان بعدوى جماعية. اما الوزراء فرفضوا الاستماع.
يقول واحد ممن كانوا هناك "النشوى ذكرتنا بأيام ما بعد حرب الايام الستة. النشوى بتلك الحرب هي التي احدثت مصيبة يوم الغفران.
خط الدفاع الثاني كان الاتصال مع الجمهور. وقد تحطم في اللحظة التي دخل فيها وزير الصحة الجديد يولي ادلشتاين مكتبه. كان يمكن لادلشتاين أن يؤدي بنجاح عدة وظائف في الحكومة، ولكنه ليس خبيرا في إدارة الازمات. اما نتنياهو فقد جرفته النشوى ودعا الجمهور "للاستمتاع بحياتهم". اما الان فيتحدث المتشائمون بصمت عن خمس الاف ميت. ثمة من يتحدث عن مدن خيام لمن سيلقى بهم خارج شققهم لعدم تمكنهم من دفع الايجار.
القرار الأغلى
الضغوط التي مورست على الحكومة ولدت اخطاء محملة بالمصائب ولكنها دلت على شيء ما ايجابي في العقلية الاسرائيلية. فإسرائيل هي مجتمع متساوٍ في اساسه. يصعب على الاسرائيليين اتخاذ قرارات غير متساوية.
فاذا قرروا اغلاق مطهر يتعين عليهم أن يغلقوا برك السباحة ايضا. وبرك السباحة وغرف اللياقة البدنية كانت آمنة طالما بقيت الحمامات مغلقة. وفي النهاية يتقرر اغلاقها، بقرار سياسي صرف مما يعطل خمسين ألف عامل آخر. فتبقى المطاهر مفتوحة ويأتي النقد من الوسط الاصولي بعد فرض اغلاق على بيتار عيليت.
لعل القرار الذي سيكون هو الاغلى هو اخراج العمال الى اجازة غير مدفوعة الاجر. في اوروبا وفي الولايات المتحدة قالت الحكومات لأرباب العمل خذوا المال على أن تواصلوا تشغيل عمالكم. اما في اسرائيل فقالت الحكومة يمكنكم ان تخرجوا العمال في اجازة غير مدفوعة الاجر ونحن نعوضهم. وهكذا سمحت لأرباب العمل بالتقلص من عامليهم دون أن اعتبار. هذا القرار يساوي 10% من البطالة.
المشكلة الكبرى هي الشتاء القادم. قبل كل شيء، المدراس. ليس واضحا في اي وضع من العدوى سنصل الى هناك، كيف سيتعلمون وأين وهذه مجرد البداية.
إضافة تعقيب