حكومة اسرائيل نتنياهو تستجيب لنزوات إدارة ترامب التي تصدر أزمة أميركا الى العالم كما تصدر اليه التعالي الابيض، العنصرية والاستقطاب لدرجة أن نتنياهو يسمح لكوشنير بان يتولى هو منصب المقرر أين ومتى تبدأ وتنتهي سيادة إسرائيل
في بداية أزمة الكورونا لم يعرف العالم الكثير عن سلوك الوباء ولكنه عرف شيئا أو أثنين عن السبيل الذي واجهته به الحكومات والزعماء السياسيون. كان واضحا مثلا ان الولايات المتحدة تسير نحو الكارثة. فعندما يعلن رئيس الولايات المتحدة بأن الوباء سيزول من تلقاء نفسه في غضون شهر، عندما يوصي بشرب الكلور او ابتلاع دواء لم تثبت فائدته، إلا في هراء الشبكة الاجتماعية، عندما يصر على عدم وضع الكمامة، يبحث عن مذنبين في منظمات ودول بعيدة ويزيح عن نفسه كل مسؤولية عن صحة ناخبيه، فإن الثمن يضاعف نفسه ضعفين وثلاثة أضعاف.
لعل الناس نسوا، ولكن في تلك الايام، في احدى لحظات العلم الاولى لظهوره في ضوء الازمة، لم ينتقل نتنياهو الى الانجليزية الا ليتباهى بحقيقة أن ترامب، الاعظم من الجميع، تحدث معه هاتفيا وأغدق المدائح على القرارات التي اتخذها. كان نتنياهو يعرف بالطبع أن كل ما يتعلق بالكورونا فإن ترامب مرفوض الشهادة، ولكن بعضا من التزلف لن يضر.
خطأ: التزلف يمكن أن يضر. خط التزويد، نتنياهو خبير في خطوط التزويد، كموزّد وكزبون، فالأنا لدى ترامب لها ثمنها. فبسبب الخوف من إهانة ترامب لم تتوقف الرحلات الجوية من الولايات المتحدة في ذروة الكورونا، وحاملو الفيروس دخلوا الى البلاد دون أن يخضعوا للفحص، بل ودون أن يلتزموا بالحجر. هذا لم يكن خطأ وبائيا، هذا كان قرارا سياسيا.
ترامب ليس أوباما. لديه روح عاصفة، حساسة، محظور المس بها.
تستند إسرائيل الى دعم الولايات المتحدة منذ يوم مولدها. ومع ذلك، فقد بحثت دوما عن مساند بديلة. هكذا في عهد حرب الاستقلال، حين اعلنت الادارة الأميركية عن الحظر على ارساليات السلاح عندما كانت الدولة تكافح في سبيل حياتها؛ هكذا في الحلف العسكري مع فرنسا في الخمسينيات والستينيات؛ هكذا في رفض مشروع روجرز (غولدا)؛ هكذا في الهجوم على المفاعل العراقي (بيغين) والمفاعل السوري (اولمرت)؛ هكذا في فك ارتباط شارون؛ هكذا في مبادرات السلام مع مصر، الاردن والفلسطينيين، التي بدأت كلها من خلف ظهر الادارة الأميركية. الطرفان كانا يعملان انطلاقا من الاحترام للمصلحة المنفصلة للطرف الآخر.
لقد كانت الادارات الأميركية مشاركة دوما في السياسة الاسرائيلية الداخلية. وكانت الحكومات الاسرائيلية مشاركة دوما في السياسة الأميركية الداخلية. أميركيون يهود ادوا حماية ادوار الوساطة. وأحيانا هدأوا التوترات، واحيانا اشعلوا التوتر: اذا لم يكن توتر في العلاقات، اذا لم تكن جدالات مريرة بين الحين والاخر، لقاءات مغطاة اعلاميا في البيت الأبيض ومساعي مجموعات الضغط، من يحصيها.
أما عهد ترامب فقد حرق الاوراق. ويبدأ الاختلاف في الازمة التي تمزق المجتمع الأميركي. لم يكن انتخاب ترامب سبب الازمة بل نتيجتها. أميركا منقسمة مثلما لم يسبق لها أن كانت منذ نهاية الستينيات. ويخشى الكثيرون من أن تكون الدولة على شفا حرب أهلية؛ الطبقة الوسطى، التي كانت العمود الفقري للنجاح الأميركي، تنهار؛ الفوارق في المداخيل مخيفة؛ الاستقطاب الداخلي مصاب باللون، بالمكانة الاقتصادية، بالاصل الإثني، بالموقف من الدين، من المذهب.
ثقافة الخطاب في الشبكات الاجتماعية تمنع الانصات، وتحبط الحلول الوسط. والى كل هذا اضيف الكورون، مع الثمن الاقتصادي الذي يدفعه الضعفاء أساسا، مع قصورات الادارة. يصدر ترامب الان الازمة الداخلية الأميركية الى العالم، التعالي الابيض، العنصرية، الاستقطاب. وهو المشيع الاعلى. رؤساء دول في غرب اوروبا يفهمون الضرر ويحاولون الابتعاد عن البيت الابيض. ليس هكذا حكومة اسرائيل.
انضم جاريد كوشنير، صهر ترامب، إلى طابور طويل من الأميركيين اليهود الذين يعتقدون أنهم قادرون على حل الصراع. في السنوات الثلاث الأخيرة استثمر جهودا في صياغة وتسويق الصفقة المسجلة على اسم والد زوجته. حتى وقت قريب كان يفعل ذلك بتشجيع من نتنياهو. مثل المبعوثين الأميركيين قبله، كان يعتقد كوشنير أن إسرائيل نتنياهو كانت تسعى إلى صفقة، حل وسط، اتفاق. ولكنه لم يفهم نتنياهو ولم يفهم (محمود) عباس.
لكن ترامب رئيس حساس ويجب ألا يتشاجر معه. إذاً نتنياهو يسمح لكوشنير بالذهاب بعيداً جداً. إذا كانت تقارير واشنطن صحيحة، فإن كوشنر يطالب حكومة نتنياهو بالتوصل أولاً إلى اتفاق داخلي حول أبعاد الضم. عندها فقط سيوافق على ضم الاعتراف الأميركي.
أنا شخصياً أستطيع أن أفرح بأن الأميركيين يساعدون (بيني) غانتس و(غابي) أشكنازي على تقليل مساحة الضم. لكن في اتفاقية الائتلاف، أودعت كتلة كحول لفان قرار الضم بيدي نتنياهو. إذا وجدت لنتنياهو أغلبية في الكنيست، فالقرار في يديه. السياسة الإسرائيلية ليست من اختصاصه. وظيفة كوشنير هي تقرير ما هو جيد لأميركا، وليس ما هو جيد للحكومة الإسرائيلية. كان ينبغي على نتنياهو أن يقول له إن إسرائيل دولة ذات سيادة. سيادتها لا تبدأ في غور الأردن- إنها تبدأ في مجمع مباني الحكومة في القدس.
يديعوت أحرنوت- 22/6/2020
إضافة تعقيب