هآرتس- 31/3/2022
النظر باشمئزاز الى احتلال روسيا من قبل شعب يقوم بقصف مباني سكنية ويمارس احتلال وحشي ويقيم نظام ابرتهايد، يدل على خلل في القدرة على فحص الواقع
لو وجد علاج نفسي للشعوب لكان الشعب الاسرائيلي بحاجة الى علاج طويل وكثيف بشكل خاص، على الاقل ثلاثة لقاءات في الاسبوع. لو أن شعب اسرائيل بدأ بالعلاج النفسي لكانت المعالجة النفسية قد شخّصت في الدقائق العشرين الأولى، بأن الشعب يعاني من نوع صعب ومتطرف بشكل خاص من عدم الوعي للذات. على الاكثر بعد نصف ساعة ستقوم المعالجة وتسجل في الدفتر "تشخيص سيء للواقع بشكل متعمد، متلازمة قاتلة من التلاعب الذاتي".
عدا عن ذلك، لن يكون بالامكان فهم التناقض الذي في رد الجمهور الحساس والغاضب (وبحق) من قبل الشعب الاسرائيلي على الاحتلال الروسي الوحشي لاوكرانيا، الذي يشمل مشاهد تضامن مع الشعب الواقع تحت الاحتلال، في الوقت الذي يفرض هو نفسه أحد الاحتلالات الاكثر وحشية والاكثر استمرارية في العصر الحديث على ملايين الفلسطينيين.
كيف يمكن التوفيق بين الاجماع الاسرائيلي النادر المؤيد لنضال الشعب الاوكراني من اجل الاستقلال والحرية وبين الموقف الذي يتراوح بين تأييد متحمس ولا مبالاة باردة في كل ما يتعلق بترسيخ وتعميق نظام القمع الاسرائيلي على فلسطين؟
المراسلون في القنوات الاسرائيلية الذين يغطون الحرب والمذيعون والمذيعات للنشرات الاخبارية يعبرون جميعهم بشكل جيد عن مشاعر الجمهور الاسرائيلي في الوقت الذي يصابون فيه بالرعب، بصورة مسرحية احيانا، من الصور التي تأتي من اوكرانيا، من تدمير البنى التحتية والاضرار التي لحقت بالاهداف المدنية ومن موجة اللاجئين التي تغرق الدول المجاورة ومن تدمير أسس مدينة الميناء ماريوبيل وبالطبع من توقع الحياة تحت الاحتلال الروسي، المس المؤكد بحرية التعبير والغاء الحريات المدنية وسحق أي فرصة لديمقراطية ناجعة يشارك فيها الجميع في الاجراءات التي تضع المعايير والسياسات. فظيع، أليس كذلك؟
هكذا هو الامر، حيث أن فحص الواقع بشكل سليم كان سيخلق في النفس الاسرائيلية التناسب المطلوب. المشاهد من خارسون وكييف للمباني السكنية التي تتعرض للقصف بالصواريخ، تذكّر بالضبط بعملية "الرصاص المصبوب" و"عمود السحاب" و"الجرف الصامد" و"حارس الاسوار" وعمليات اخرى الدموية.
في عملية "الجرف الصامد" قصفنا اكثر من 15 الف مبنى في القطاع. الثلث منها هدمت بشكل كامل أو تضررت بشكل كبير، بما في ذلك مرافق صحية وتعليمية وبالطبع مباني سكنية. هكذا، ايضا الروس يقولون بأن الاوكرانيين يخبئون في المستشفيات وفي المجمعات التجارية الذخيرة، أو يطلقون النار منها.
هذا متشابه الى درجة أنه يمكن القول إن بوتين قد جعل ماريوبيل غزة. في الوقت الذي فيه التقارير من موسكو، التي تتحدث عن تجريم ديكتاتوري للاحتجاج الروسي، يتم استقبالها هنا بتلطيخ شفاه ليبرالي، واعلان وزير الأمن الإسرائيلي عن ست منظمات فلسطينية لحقوق الانسان والمجتمع المدني بأنها منظمات ارهابية دون أي دليل. اثبات هذه التهمة الفاضحة (للعلم: أنا امثل إحدى هذه المنظمات) يمر بصمت كامل.
الى أي خلية مغلقة في العقل الجماعي الاسرائيلي ادخلنا حقيقة أنه لسنا بحاجة الى البث بالاقمار الصناعية من اجل رؤية لاجئين، الذين على بعد بضعة كيلومترات يعيش مئات الآلاف منهم تحت سيطرته المباشرة وفي الدول المجاورة ملايين اخرى جميعهم نتاج النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني؟
في الاسبوع الماضي نشر البروفيسور في القانون الكندي، مايكل لينك، الذي يعمل كمبعوث خاص للامم المتحدة للابلاغ عن وضع حقوق الانسان للفلسطينيين في المناطق المحتلة، نشر تقريرا جاء فيه أن اسرائيل تفرض نظام ابرتهايد على الفلسطينيين.
اهمية هذا التقرير، الذي يأتي بعد كومة من تقارير لمنظمات حقوق انسان في اسرائيل مثل "يوجد حكم" و"بتسيلم" ومنظمات دولية مثل "امنستي"، التي نشرت في السنتين الاخيرتين، والتي جميعها تتهم اسرائيل بارتكاب الجريمة التي ادعت المنظمات الفلسطينية بارتكابها منذ سنوات، هي أن هذه التهمة خرجت من المجتمع المدني وبدأت في غرس اوتادها في مؤسسات دولية.
رد اسرائيل البافلوفي بأن لينك هو مناهض لاسرائيل وأن تقريره منحاز، لم يعد يغضب أي أحد. هو فقط يؤكد على غياب رد موضوعي على التهمة، وهو يثبت أن وزير الخارجية الاسرائيلي ايضا يعرف (لكنه يخفي) أن واقع السيطرة على شعب آخر وقمعه، عندما يسري قانون على اليهود وقانون آخر على الفلسطينيين.
وعندما جميع الموارد، بالأساس الموارد الارضية، مخصصة لليهود فقط وعلى حساب الفلسطينيين، وعندما يكون لهؤلاء حقوق سياسية ولا توجد مثلها لأولئك، وأن كل ذلك يحدث في نظام لم يعد بالامكان القول بأنه مؤقت – هو واقع ابرتهايد، وأنه لا يوجد أي ادعاء دفاعي ينقذه وأن كل ادعاءات الدفع بالغيبة التي تم طرحها قد تم تقويضها.
الاعتراف بأن اسرائيل ترتكب جريمة الابرتهايد ينتشر في الاشهر الاخيرة اسرع من فيروس اوميكرون. وماذا عن الشعب الاسرائيلي؟ هو يقوم برفع اعلام اوكرانيا على السيارات والشرفات ويردد "تحيا اوكرانيا" ويتهرب من النظر في المرآة.
عندما يضع طفل صغير يده على عيونه، ويقول بأنه لا يوجد أي أحد امامه فهذا جميل. وعندما يقوم شعب كامل بوضع يده على عيونه ويقول بأنه لا يوجد أي أحد امامه فانه يكون بحاجة الى علاج سريع.
إضافة تعقيب