تعيش القرية العالمية ذروة حدث صادم، تاريخي، لا أقل. الطب، الاقتصاد، الامن التشغيلي، الحياة التجارية والعلاقات بين الناس، كل شيء يتغير بوتيرة يدور لها الرأس. وكأن تسونامي جبار يجرف العالم. من جهة تنطوي الدول على نفسها، تغلق الحدود وتدير حرب بقاء يومية. من جهة اخرى، الفيروس لا يعرف الحدود. فما الذي يهم فيروس الكورونا اين تنتهي ايطاليا واين تبدأ فرنسا. من ناحية البشرية، هذه لحظة تأسيسية وفرصة لابداء التضامن الدولي.
في الجانب المحلي، تمسك أزمة الكورونا الساحة السياسية في اسرائيل دون جهاز مناعة على شفا انهيار المنظومات بعد ثلاث جولات من الانتخابات دون حسم. لقد أخذ السياسيون على انفسهم الكثير جدا من التعهدات المسبقة، المقاطعات، المحظورات والقيود، دون التفكير باليوم التالي والقصة آخذة في التعقد فقط. كحول لفان يرفض الليكود الذي يحرض ضد القائمة المشتركة، التي ترفض الجلوس مع ليبرمان، الذي يطلب وضع حد لولاية نتنياهو، الذي يصر على كتلة اليمين- الحريديم الذين طلقوا لبيد وميرتس التي لذعتها اورلي ليفي ابيقسيس.
في هذه الاجواء وفي ضوء الجهود لمنع انتشار الوباء، تتخذ الحكومة الانتقالية خطوات غير مسبوقة. تحت غطاء الكورونا اتخذت هذا الاسبوع قرارات بوسعها أن تهز انظمة الحكم والسلطة. على رأسها، لوائح الملاحقة التي اتخذت في الحكومة في ظلمة الليل ولم تقر كما ينبغي في الكنيست. يدور الحديث عن خطوة بعيدة الاثر تسمح للشرطة ولجهاز الامن العام ملاحقة المرضى بالكورونا دون أمر قضائي.
ليس واضحا على الاطلاق من سيراقب التنفيذ وكيف. وكذا المرسوم الذي يأمر باغلاق جهاز القضاء حتى يمر الغضب وقع في ساعة ليل متأخرة. وكنتيجة له تأجلت محاكمة رئيس الوزراء. يحتمل أن يكون الحديث يدور عن قرار واجبٍ بفعل الظروف، ولكن من الصعب الا نشك بالمشاركين فيه باعتبارات سياسية ايضا.
لا شك أن نتنياهو يدير أزمة الكورونا وكأنه لم تكن انتخابات، وهو يسعى لان يواصل تولي منصب رئيس الوزراء وكأنه ليس متهما بالجنائي. وللاسف فإنه مستعد لان يقيم حكومة طوارئ او حكومة وحدة بالتناوب، شريطة ان يكون هو الاول. هذا هو السبب الذي يجعل أعضاء الليكود يستخدمون الالاعيب والتلاعبات كي يمنعوا انتخاب رئيس جديد للكنيست من كحول لفان ويضعون المصاعب امام تشكيل لجان الكنيست التي تراقب عمل الحكومة.
للحقيقة، ملّ معظم الجمهور بمناورات السياسيين. حين يكون على جدول الاعمال سيناريو انتشار غير متحكم به للفيروس، الاف الموتى وعشرات الاف المرضى فانه يريد حكومة الان. يكاد يكون بكل ثمن. غير أنه في ظل الازمة ومن تحت الرادار الجماهيري يحاول نتنياهو والليكود احباط حكومة برئاسة بيني غانتس وفرض حكومة برئاسة المتهم بالرشوة، الاحتيال وخيانة الامانة. بهذا السياق ينبغي القول بان ظهوره المتواتر كل مساء في البث الاخباري يخدم رسالة حملة الانتخابات المتواصلة له – لا يوجد غيره.
ولكن، مع كل الاحترام لتجربة نتنياهو والتصريحات المتكدرة (عن المقابلات الصحفية لا مجال للحديث) فليست اسرائيل أرمل. وبخاصة عند الازمة، تحتاج دولة اسرائيل الى حكومة مستقرة ومعافاة، تؤدي مهامها ومصداقة. ليس هذا هو الوضع.
الجمهور لا يصدق صفحة الرسائل اليومية. ويشهد على ذلك فزع الكورونا والطوابير الطويلة في المحلات التجارية. كما أن الاسرائيليون الذين اختاروا قضاء اوقاتهم في البحر لا يصدقون الحكومة ويشكون بان نتنياهو يعظم الفزع في محاولة للتغطية على اهمال طويل السنين في جهاز الصحة.
مهما يكن من أمر، يدور الحديث عن أشارة تحذير للنظام الديمقراطي في اسرائيل. فالخليط الخطير لانعدام الثقة بالسلطة، القرارات التي تتخذ في الظلام ورئيس وزراء مشبوه بالجنائي، يستوجب من كحول لفان أن يتمسك بوعده الانتخابي المركزي والا يجلس في حكومة برئاسة نتنياهو. الساحة السياسية بحاجة للاشفاء الان، كي يكون بوسعها اعادة بناء اسرائيل في اليوم التالي للكورونا.
إضافة تعقيب