فترة الطوارئ تقتضي تضامناً، ومساعدة متبادلة واهتمام متبادل، شفقة وسلوكاً مسؤولاً. ولكنها لا تقتضي تضامناً واخلاصاً للحكومة التي تظهر يومياً عجزها، غباءها وعداءها للمواطنين
العقوبات التي تفرضها حكومة اسرائيل على مواطنيها بدأت في أن تكون مفهومة ضمناً بصورة اكثر من اللازم. "وقاحة" عضوة الكنيست يفعات ساسا-بيطون، والتي لم تصادق على اغلاق برك السباحة ونوادي التدريب البدني، هي الامر الشاذ. من حسن الحظ أن حامي العتبة ميكي زوهر سارع الى رجم المرأة المارقة هذه بالحجارة. هذا امر مناسب.
نحن في حالة طوارئ، الخطر يحوم فوق رؤوس مواطني اسرائيل، مئات الآلآف من المقالين من اعمالهم يعيشون على البخار، والسيدة ساسا بيطون تريد منح اعفاء لمن مازال لديه المال لكي يدفع لمعهد تدريب بدني او يدفع ثمن تذكرة الدخول لبركة السباحة. بدلاً من الوحدة وإحناء الرأس امام مجلس كبار قادة الدولة الذين يواصلون تجاربهم على بني البشر، قررت التمرد.
ليس فقط ضد قرار رئيس الحكومة وقفت شاشا بيطون. هي تزعزع عملية الاعتياد والتكيف للجمهور الذي يعيش في ضائقة، للخضوع للتعليمات، والاكتفاء بقطرات المساعدة الصغيرة من السلطة الحاكمة بدون ان يطرح اسئلة. هذا هو التهديد الحقيقي الذي يخاف منه نتنياهو، وبحق.
السور الدستوري المنيع الي اقامه حوله من اجل صد استقلالية الكنيست، قوانين الالتفاف التي تمنحه صلاحية عليا ليكون هو المشرّع والمنفذ، "الحبة في مغلف" التي يرسلها لأعضاء الكنيست المترددين، الادارة العليا التي اخذها بيديه من اجل ان يواجه الكورونا وهكذا يسيطر على حركة ومصدر رزق ومستوى حياة مواطني اسرائيل، وحرمانهم من خيار استبدال السلطة قبل ان يتم البت في مصيره بقرار محكمة قطعي ونهائي- تخلق في اسرائيل مجتمعا مسيطر عليه، خانعا ومقموعا بديكاتورية غير مسبوقة.
وفجأة، يحدث تمرد داخل البيت. شرخ يمكنه ان يتسبب في ازالة الجبس عن الحائط ويزحف مباشرة نحو الاساسات. اليوم ساسا بيطون، وغداً من يعرف. كنيست ترفع رأسها ضد السلطة التنفيذية هي اكثر خطورة بكثير من المحكمة العليا ومهددة اكثر من حماس ومن ايران معاً.
مظاهرات الاحتجاج التي اندلعت في الاسابيع الاخيرة مازالت لم تخترق وعي زعماء الدولة. هم متأكدون من ان البرنامج الاقتصادي الذي يعرضونه فقط سيعزز تبعية المواطنين لسخاء الحكومة، والتي تتلاعب بأموالهم كما تريد. الامر المفهوم ضمناً، اموال المواطنين تعود لهم ومدفوعات التأمين الوطني هي ثمرة عملهم، تحول الى هدية او الى صدقة يتوجب على الجمهور ان يكون شاكرا لهم من اجلها.
هكذا تعمل عملية التخدير التي تمارسها الحكومة عليهم. هذه الحكومة تؤمن ان بالإمكان ان تشتري بالأموال ثقة الجمهور واخلاصه لها. عدة آلاف اخرى تضاف الى مخصصات البطالة، بعض النسب المئوية الاضافية التي يمكن اضافتها الى الموازنة وضمان الدخل، كل هذه ستتحول الى بوليصة تأمين ابدية للبقاء في السلطة. في نهاية المطاف لا يوجد للحكومة ولرئيسها بديل. الخيار اختفى وكأنه لم يكن، المعارضة يتم الاستهزاء بها، والجمهور مشغول الان بواقع البقاء.
هكذا فكر ايضاً زعماء مصر، تونس، ليبيا واليمن، الذين اعتقدوا ان الجمهور قد تعود واندهشوا من قوته. هكذا تصرفوا ايضاً في السعودية وباقي دول الخليج الغنية، والذين اشتروا في الاموال الكثيرة هدوء الجمهور.
في كل واحدة من هذه الدول، حتى من دفعوا ومن قمعوا، الطريقة القديمة الذي فيها يكون الجمهور معلقا بالنظام الى درجة الاختناق، نجحت في البقاء والجمهور يواصل التعوّد حتى بعد ان تم ازاحة الزعماء. هذا هو المسار الذي تسير فيه اسرائيل دون أن تنظر إلى الخلف، وبدون ان تحتج ودون ان تفكر وبدون تحكّم. اقنعة، تباعد، وعدم تحمل المسؤولية هي الواجب الوطني. رمز للإخلاص الوطني. المظاهرات، خيم الاحتجاج ويافطات ضد الحكومة ورئيسها لا تقل عن العمليات التخريبية، والتي تقتضي حزماً وتدخلا من الشاباك.
اجل، فترة الطوارئ تقتضي تضامناً، ومساعدة متبادلة واهتمام متبادل، شفقة وسلوكاً مسؤولاً. ولكنها لا تقتضي تضامن واخلاص للحكومة التي تظهر يومياً عجزها، غباءها وعداءها للمواطنين. الان حانت ساعة الاختبار الاكبر للكنيست، والتي تخلت عن معظم صلاحياتها وحوّلتها للزعيم الاعلى. هذه هي اللحظة الاخيرة قبل ان يقوم الجمهور بنفسه بعملية المحاكمة.
هآرتس- 15/7/2020
إضافة تعقيب