- بقلم أوليفر لافلاند ولورين زانولي في نيو أورليانز نقلتها للعربيّة ليان محاميد : ترجمة خاصّة ب"الاتحاد"
في الأسابيع الأولى من انتشار الوباء في سانت لويس بولاية ميزوري، جميع الذين سقطوا ضحيّة للفيروس كانوا من الأمريكيين السود.
بحلول الثمن من نيسان-أبريل، قتل فيروس الكورونا 12 شخصًا. كل واحد منهم كان أمريكي ذو أصول أفريقية.
في هذه المدينة، والتي أصبحت قبل ست سنوات النقطة المحورية للنقاش القومي حول العرق وممارسات الشرطة، بعد مقتل مراهق أمريكي غير مسلح من أصول أفريقية ، مايكل براون، على يد الشرطة في ضاحية فيرغسون، أصبح للتفاوت العرقي المرتبط بعدد الوفيات من فيروس كورونا صداه الخاص.
قال سيدريك "سي-شارب" ريدمون، فنان الراب المحلي وسفير الشباب لمدينة سانت لويس الذي يعد جزءًا من جهود التوعية في المدينة: "إنها قضيّة نظام التعليم، إنها قضيّة نظام الصحة والموارد وهي أيضًا قضية المواصلات العامّة". حيث حاول ضمن جهوده في برامج التوعية، تحديد الأسباب الجذرية لعدد القتلى غير المتناسب. وأضاف: "هناك الكثير من الأشياء التي تحتاج إلى تصحيح من أجل إيقاف شيء مثل هذا مرة أخرى."
يبلغ عدد الموتى في سانت لويس الآن 21 ضحيّة، 64٪ من جميع ضحايا فيروس الكورونا في المدينة تعود لأمريكيين من أصول أفريقية، على الرغم من تشكيلهن 45٪ فقط من السكان.
على الرغم من أنّ صورة الاحصائيات على الصعيد القومي العام لا تقترب من الكمال في أي مكان، إلا أنّ سانت لويس بعيدة كل البعد عن الشائعات الشاذة. أبلغت المدن الأمريكية الرئيسية كشيكاغو، نيويورك ونيو أورلينز عن تفاوتات عرقية مماثلة في آلاف الأرواح التي أودى بها فيروس الكورونا. في عام 2014، أدت وفاة براون إلى تقسيم الولايات المتحدة بين من هم على استعداد للاعتراف بالعنصرية الراسخة التي دعمت تجربة مجتمع السود مع تطبيق القانون، وأولئك الذين لا يرغبون في ذلك.
في عام 2020، بدأ فيروس الكورونا بتقسيم البلاد بين أولئك المستعدين لاستكشاف العنصرية الهيكلية المتأصلة في نتائج الصحة العامة الأمريكية، وأولئك الذين ليسوا كذلك.
في وقت سابق من هذا الشهر، وصف دونالد ترامب الأدلة على التأثير غير المتناسب لفيروس الكورونا على مجتمعات السود بأنه "فظيع" و "تحدّ هائل"، لكن الرئيس لم يفعل شيئًا كبيرًا للرد عليه منذ ذلك الحين.
"إنها قضيّة نظام التعليم، إنها قضيّة نظام الصحة والموارد وهي أيضًا قضية المواصلات العامّة"
بدأت مراكز الوقاية والسيطرة على الأمراض ، وكالة الصحة العامة الرائدة في الإدارة، في نشر المزيد من البيانات التفصيلية عن التفصيل العرقي لحالات فيروس الكورونا المؤكدة. ولكن من بين الحالات المؤكدة الموثقة البالغ عددها 828،441 حالة، تم تصنيف 36٪ فقط على أساس عرقي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عدم قيام العديد من الولايات والبلديات بتسجيل بيانات عرقية لأولئك الذين ثبت اختبارهم وكانت نتائجها ايجابية. وفقًا لوكالة "أسوشييتد بريس"، لم يقدّم مركز السيطرة على الأمراض مسارًا يُذكر لمساعدة الحكومات المحلية على تسجيل هذه المعلومات بشكل أفضل.
في علامة على الحاجة الملحة لمعالجة هذه الفجوة الواضحة في الصورة القوميّة، قدم نواب من الحزب الديمقراطي في الكونغرس تشريعًا الأسبوع الماضي لإجبار مسؤولي الصحة الحكوميين على نشر بيانات يومية عن عدد حالات إصابات وموتى الكورونا، موزعة حسب العرق.
وقالت السيناتور إليزابيث وارن، أحد مؤيدي مشروع القانون، في بيان: "بسبب التمييز الذي ترعاه الحكومة والعنصرية النظامية، فإن "مجتمعات الأقليات العرقيّة" تقع على الخطوط الأمامية لهذا الوباء". "لإبطاء انتشار الفيروس بشكل فعال، وضمان استجابتنا القوية والمنصفة، نحتاج إلى بيانات قوميّة شاملة حول من يصاب، ومن يتلقى العلاج ومن يموت."
تم تمرير الجوانب الرئيسية لمشروع القانون كجزء من حزمة الإغاثة الأخيرة للتصدي لفيروس الكورونا، يوم الجمعة الماضي. في الوقت الحالي لا يوجد أي نائب جمهوري مشارك في رعاية التشريع الكامل.
كما هو الحال بالنسبة للنهج المتناثر والمبعثر لمجابهة الوباء في الولايات المتحدة، فقد تركت إدارة ترامب للولايات المختلفة صياغة ردودها الخاصة على هذه التفاوتات العرقية.
في ميشيغان، واحدة من أولى الولايات التي طبّقت تفاوتًا عرقيًا في الفريق العامل بمحاربة الفيروس، قال الحاكم، جارلين جيلكريست، لصحيفة الغارديان: "إن ترامب ببساطة لا يتخذ إجراءات قوية بما يكفي" لمعالجة التفاوتات.
بدأت الدولة في مراقبة التوزيع العرقي للنتائج في وقت مبكر من انتشار الوباء. توفي حتى الآن أكثر من 2900 شخص في ميشيغان، ويشكل الأمريكيون من أصول أفريقية 40٪ من عدد الموتى، وهم 14 ٪ فقط من مجمل السكان. جيلكريست، ديمقراطي، يعرف شخصياً 15 شخصًا ماتوا من الفيروس. باستثناء اثنين، جميعهم من السود.
"هذا شيء حقيقي وصحيح جدًا بالنسبة للمجتمعات. أنا أعيش في ديترويت وأحد أسباب قلق مجتمعات الأقليات العرقية هو أنه عادة، عندما يحدث شيء مخيف جدًا، نتعامل معه كمجتمع. وهذا الفيروس جعل من ذلك أمرًا خطيرًا ومميتًا ".
ستشمل فرقة العمل لمجابهة الفيروس خبراء الصحة العامة، منظمي العمل وسياسيين لفحص مجموعة من القضايا التي يعتقد أنها تساهم في التفاوت، من تلوث الهواء في أحياء الأقليات، قلة توّفر الاختبارات والفحوصات بالإضافة للأسباب الجذرية للمشكال الصحية الأساسية الأخرى، بهدف النهوض بحلول في الوقت المناسب، وكذلك الإجراءات التشريعية على المدى الطويل.
"سيكون الأشخاص الأقل حظًا من بين الجميع، هم الأكثر تضررًا من ذلك"
أشار العديد من الخبراء إلى أنّ التفاوتات الصحية والاجتماعية-الاقتصادية طويلة الأمد جعلت الأقليات أكثر عرضة لأسوأ عواقب العدوى على طول كل نقطة تقريبًا من مسار الفيروس.
"إذا نظرت إلى الظروف الصحية التي نعرف أنها تزيد بشكل كبير من خطر الموت إذا كنت مصابًا بسارس كوفيد-2، فإن الأمريكيين من أصول افريقية لديهم معدل انتشار أعلى بكثير في كل ظرف من هذه الظروف. وأوضح توماس لافيست، عميد وأستاذ في كلية الصحة العامة والطب الاستوائي في تولين، "السكري، ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، تنتشر لدى الأمريكيون من أصول افريقية بشكل أكبر".
وقال "كلما حدثت مأساة كهذه، أو عندما يحدث أي نوع من الكوارث كبرى، سيكون الأشخاص الأقل حظا من بين الجميع، هم الأكثر تضررا من ذلك".
يمتلك الأمريكيون من أصول أفريقية ولاتيني القدرة، بشكل أقل، على العمل من المنزل وذلك يلزمهم على زيادة استخدام المواصلات العامّة، مما يزيد من خطر تعرضهم لفيروس الكورونا. من المرجح أن تعاني مجتمعات الأقليات وذات الدخل المنخفض من انعدام التأمين الغذائي، والذي يرتبط بارتفاع معدلات السمنة ومرض السكري، وأقل قدرة على تخزين الإمدادات.
تركت عقود من الفصل وسياسات الإسكان التمييزية وضعف حماية البيئة، العديد من الأمريكيين من أصول افريقية في مساكن دون المستوى وذات كثافة سكانية عالية (حيث يكون التباعد الاجتماعي أصعب بكثير) أو مناطق ذات نسبة أعلى من تلوث الهواء، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الربو وأمراض أخرى.
تشير الأقليات العرقية من جميع مستويات التعليم إلى أنها أقل قدرة من البيض على التعامل مع النكسات المالية بشكل عام. وتتمتع الشركات الصغيرة التي يملكها السود واللاتينيون بإمكانيات أقل للوصول إلى المقرضين الماليين التقليديين، مما يزيد من صعوبة أو استحالة الوصول إلى برامج الإغاثة المعدّة لمواجهة فيروس الكورونا، مثل برنامج حماية الراتب الذي تم صرفه الآن والبالغ 350 مليار دولار.
قالت الدكتورة ليزا كوبر، الأستاذة المتميزة ومديرة مركز العدالة الصحية في جامعة جونز هوبكنز: "نحن بحاجة لنفهم أن صحة الناس ليست نتيجة مباشرة لسلوكياتهم وأفعالهم" وأضافت: "تؤدي تصرفات الأفراد وسلوكياتهم الفردية دورًا في الصحة. لكن البيئة التي يتواجد فيها الأفراد والسياسات التي وضعناها والتي تشكّل فرص الناس، تحدد بالفعل الخيارات التي يتعين عليهم اتخاذها".
وفقًا لجامعة جونز هوبكنز، هناك ولايتان فقط - كانساس وإلينوي - تتعقبان معلومات حول التوزيعات العرقيّة لفحوصات فيروس الكورونا. لكن البيانات على مستوى المدينة بدأت تكشف عن تفاوت في الاختبارات.
وجد أحد تحليلات الأسبوع الماضي لصحيفة نيويورك بوست أن 22 منطقة بريديّة من أصل 30 من الأكثر اجراءً للفحوصات فيها، في مدينة نيويورك، مركز التفشي القومي، أكثر بياضًا أو أغنى (أو كليهما) من معدل الملف الشخصي السكاني للمدينة.
في فيلادلفيا، تم فحص أولئك الذين يعيشون في مناطق بريديّة ذات دخل أعلى بمعدل ستة أضعاف من أولئك الذين يعيشون في المناطق الفقيرة، وفقًا لتحليل أجراه عالم الأوبئة في جامعة دريكسل أسامة بلال.
أصدرت مؤخرًا شركة Rubix Life Sciences، وهي شركة تعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية ومقرها ماساتشوستس، تقريرًا وجد أن الأمريكيين من أصول أفريقية الذين أبلغوا عن أعراض شائعة لفيروس كورونا كانت فرصة حصولهم على إمكانية الفحص أقل. استخدمت الدراسة مسح المرضى وبيانات فواتير المستشفى من سبع ولايات في شهري شباط-فبراير وآذار-مارس.
كما قال سويفت المدير التنفيذي للشركة، إنه يتوقع أن يرى تباينات عرقية في الوصول إلى التجارب السريرية لأدوية الكورونا التجريبية.
ويزعم أن التجارب في بعض الحالات اقتصرت الأدوية على المرضى الذين لا يعانون من أمراض رئيسيّة، مهملين نسبة كبيرة من الأمريكيين من أصول افريقيّة الذين أصيبوا بالفعل. هناك أيضًا قضايا التأمين الصحي، حيث ترفض العديد من خطط التأمين منخفضة التكلفة تغطية التجارب الاختباريّة المكلفة. وقال: "الجميع يعرف: أنه الفيل الموجود في الغرفة."
كما أظهرت الأبحاث التي أجريت في العقد الماضي أن الأقليات أكثر عرضة للعيش في "صحاري الرعاية الصحية". حيث وجدت إحدى الدراسات أن الأمريكيين السود كانوا أكثر توجهًا للعيش بنسبة 70٪ تقريبًا في المناطق -البريديّة- المعروفة بنقص أطباء الرعاية الأولية. ومن المرجح أيضًا أن يعيش الأمريكيون من أصول أفريقية في بعض المدن الأمريكية الرئيسية، في منطقة لا يوجد بها مركز لعلاج الصدمات -في المشفى- على نطاق خمسة أميال.
"هل فكّرنا فعلًا بالجميع، في تلك اللحظة التي كنّا نحاول خلالها معالجة هذه المشكلة؟"
التمييز العنصري في عالم الطب له تاريخ مروع بشكل خاص في أمريكا، يمتد من التجارب النسائية لـ "جيمس ماريون سيمز" على النساء المستعبدات في أربعينيات القرن التاسع عشر، إلى تجربة "توسكيجي للزهري" سيئة السمعة وقضية "هنريتا لاكس".
أعربت كوبر عن قلقها من أنّ الضغط غير المسبوق على نظام الرعاية الصحية خلال أزمة فيروس كورونا يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التحيزات القائمة بين موظفي المستشفى الذين يعانون أصلًا من الضغط الزائد.
وقالت: "نعلم أن هذه التحيزات تميل إلى الزيادة في وقت يُشهد فيه الكثير من الضغط على الناس".
وقالت كوبر في النهاية، إنّ الإجراءات التي نتخذها اليوم ستترك إرثًا دائمًا في المستقبل.
"ماذا سيقول الناس عنا؟" تساءلت. "هل فكرنا فعلًا بالجميع في تلك اللحظة التي كنا نحاول خلالها معالجة هذه المشكلة؟ هل أردنا أن نحقق حياة أفضل، ودولة أفضل للجميع؟ أم كنا نقرر فقط أن مجموعات معينة من الناس لم تكن مهمة بهذا القدر؟ "
الفحوصات والاختبارات السريريّة ليست للجميع - تصوير "شنخوا"
إضافة تعقيب