الآن أصبح الامر مزدوجا. في تزامن غير صدفي تماما للاحداث، دولة اسرائيل ورئيس الحكومة متهمون في نفس الوقت بارتكاب جرائم، وهم يحاولون الهرب من رعب الحكم بنفس طريقة تشويه جهاز القضاء الذي يحاكمهم. إن الاشتباه بشأن جرائم الدولة أخطر بدرجة لا تقدر من الاشتباه بجرائم رئيس حكومتها. لذلك، هربها من رعب الحكم أشد قسوة بكثير.
اغلبية الاسرائيليين تقريبا يعتقدون شيء آخر. بالنسبة لهم الفساد الاكبر هو لنتنياهو؛ أما فساد الدولة فهو غير قائم في وعيهم. لم يخبرهم أي أحد عن الجرائم التي تنفذ كل يوم. فقط قالوا لهم بأن جيشهم هو الجيش الاكثر اخلاقية في العالم، وهم قاموا ببلع ذلك بسعادة؛ من يتجرأ في اسرائيل على تسمية الامور بأسمائها ويسمي الجريمة جريمة هو لاسامي.
والآن جاءت المدعية الاولى في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، باتو بنسودا، وقالت بأن هناك اساس للاعتقاد بأن اسرائيل نفذت جرائم حرب. ربما ايضا في غامبيا، بلادها، انتشرت اللاسامية. ولكن المدعية بنسودا حذرة في لغتها، حذرة جدا.
هذا هو اليوم الذي انتظرناه، وكل من يحبون العدل انتظروه. من يعتقد أن هناك جرائم ترتكب، يأمل بأن يأتي اليوم الذي سيقدم فيه من ارتكبوها للمحاكمة، وهؤلاء سيكونون قتلة ومغتصبون وسارقون أو ضباط في الجيش ووزراء ومستوطنين مسؤولين عن جرائم حرب. احتمالية أن تقوم اسرائيل بالتحقيق مع نفسها ليست ضئيلة فقط – بل هي غير قائمة.
لذلك، العيون تشخص نحو لاهاي، المكان الذي يناقشون فيه جرائم الحرب التي لا يخطر ببال دولهم مناقشتها. اسرائيل هي حالة واضحة مثل هذه. هل هناك أحد يعتقد بجدية أنه في عملية "الجرف الصامد" لم ترتكب جرائم حرب؟ وايضا لم ترتكب في يوم الجمعة الاسود في رفح؟ وأن نقل مئات آلاف المواطنين الى المناطق المحتلة والسيطرة بالقوة على الاراضي هناك، بما في ذلك الخاصة، لا يشكل مخالفة صارخة للقانون الدولي؟ هل هناك رجل قانون منطقي يرى مئات المتظاهرين غير المسلحين يقتلون قرب الجدار الذي يحبس غزة، وهو جريمة حرب اخرى بحد ذاته، لا يريد أن يرى المسؤولين عن ذلك يعاقبون؟
هذا اليوم هو يوم كبير لأن الامر لا يتعلق فقط بجرائم الماضي، بل بجرائم مستمرة حتى هذا اليوم، كل يوم. اثناء كتابة هذه السطور الجرائم تتواصل، وهي تتواصل اثناء قراءتكم لها. لا توجد لحظة بدون جريمة. الطريقة الوحيدة لوقفها هي تجريم المسؤولين عنها. اسرائيل لن تفعل ذلك بنفسها في أي يوم، فقط محكمة الجنايات الدولية في لاهاي يمكنها فعل ذلك. عندما يخاف الوزراء والضباط من الخروج الى خارج الدولة فان سلاح الجو سيفكر مرتين قبل أن يقصف اكواخ من الصفيح في غزة ويقتل من يسكنون فيها.
الطريق ما زالت طويلة، والذعر الذي تلقيه اسرائيل على المجتمع الدولي ما زال كبيرا. ولكن، تم تسجيل انجاز واحد، اسرائيل لم تقم بنفي الجرائم، بل انكرت صلاحية المحكمة لمناقشتها. هذه الهفوة للدعاية الاسرائيلية سيتم اصلاحها، لكن الادعاء بأن المحكمة في لاهاي لا توجد لديها صلاحية لمناقشة ما يحدث في اراضي الاحتلال الاسرائيلي يطرح بكل قوة سؤال: من الذي توجد له الصلاحية؟ النيابة العسكرية؟ المحكمة العليا؟ أنتم بالتأكيد لا تقصدون ذلك بجدية.
"يوم اسود للحقيقة والعدل"، قال نتنياهو، في اليوم الذي لا مثيل له كي تكون فيه الحقيقة والعدالة ساطعة. "استسلام لدعاية الكذب والكراهية للارهاب الفلسطيني"، ردد يائير لبيد، وهذا يثبت مرة اخرى بأنه في المواضيع المهمة حقا لا فرق بينه وبين نتنياهو.
اسرائيل فعلت كل ما في استطاعتها من اجل الوصول الى لاهاي. حيث أن النيابة العسكرية هي مقبرة ملفات جرائم الحرب، المحكمة العليا تقوم بشرعنتها والاعلام يقوم باخفائها والتغطية عليها. هذا ما حدث عندما استخفوا بالقانون الدولي واستهزأوا به خلال عشرات السنين.
مشكوك فيه أن تكون هناك دولة اخرى تستخف بالقانون الدولي بهذا الشكل، ولا تدفع أي ثمن لذلك. ربما الآن تقترب ساعة الحقيقة، وقت العقاب. وهذا سيفيد اسرائيل بشكل كبير. وهو يمكن أن ينظف اسطبلاتها الملوثة بالدم والاراضي المسلوبة. لذلك، يجب على كل وطني اسرائيلي وكل من يحب العدل، أن يوجه انظاره الى لاهاي متطلعا الى أمل كبير.
إضافة تعقيب