news-details

مندلبليت يلعب دور نتنياهو امام بنسودا

*ألا يوجد لمندلبليت مسؤولية عن المكانة المتهالكة لجهاز انفاذ القانون الاسرائيلي في اوساط رجال قانون كثيرين في العالم؟ والطريقة للخروج من الوضع المحرج والمخجل لاسرائيل هي عدم مهاجمة من ينفذون القانون الدولي، بل عدم ارتكاب جرائم الحرب*

"نحن شهود على محاولة انقلاب في الحكم ضد رئيس الحكومة. هذا تطبيق انتقائي للمنشطات، هذا حياكة ملفات، يحيكون هنا بدلة خاصة فقط من اجلي" (رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بعد تقديم ثلاثة لوائح اتهام ضده في ثلاثة مخالفات فساد في 26/11).

المستشار القضائي للحكومة "يرفض بشدة" قرار المدعية في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، الذي يقضي بوجود اساس للتحقيق ضد اسرائيل. قرار المدعية باتو بنسودا "لا يقبله العقل" و"ليس واضحا لماذا اتخذت هذا القرار المتسرع وغير المؤسس. لا يوجد مجال لتدخل القضاء الدولي في هذا الوضع، من جانب المحكمة التي كان يجب عليها معالجة الفظائع الاكثر خطورة في اماكن انهارت فيها سلطة القانون" (المستشار القضائي للحكومة، افيحاي مندلبليت، 21/12، بعد بيان المدعية في محكمة الجنايات الدولية بأنه يوجد مجال لفتح تحقيق في اشتباه أن اسرائيل ارتكبت وترتكب جرائم حرب في الضفة وفي قطاع غزة وفي شرقي القدس).

الاسلوب مختلف والسياق مختلف، لكن الفكرة متشابهة. مندلبليت يلعب دور نتنياهو امام بنسودا.

قرار المدعية في محكمة الجنايات الدولية استقبل بغضب في اسرائيل. نحن؟ جرائم حرب؟! الرد السياسي العنيف لم يكن مفاجئا (نتنياهو وصف القرار بأنه "لاسامية خالصة"، ووزير الأمن نفتالي بينيت اعلن الحرب، "لاهاي هي مصنع للاسامية الحديثة. سنحارب الارهاب وكأنه لا توجد لاهاي وسنحارب لاهاي وكأنه لا يوجد ارهاب").

هذه لغتهم وقد اعتادوا عليها، لكن تجند المستشار القضائي لحملة نزع الشرعية عن قرار المدعية العامة في لاهاي جدير باهتمام خاص. نفس الشخص الذي يتعرض بنفسه لهجوم شديد بسبب قراره تقديم رئيس الحكومة للمحاكمة، والذي يحاول مع قيادة الجهاز القضائي صد ما سماه "تهديدات" و"اكاذيب" و"اساءة للسمعة لا اساس لها"، يتهم نظيرته في القضاء الدولي باتخاذ قرار متسرع وغير قائم على اساس والتدخل في مواضيع ليست من شأنها.

محكمة الجنايات الدولية انشئت من اجل أن لا يتهرب المجرمون الدوليون من المحاكمة، ومن اجل تعزيز الممنوعات الاساسية التي تم تبنيها من قبل الجنس البشري كعبرة من تاريخ الحروب، وبالاساس من فظائع جرائم الحرب العالمية الثانية. يوجد للمحكمة صلاحية فقط في حالة أن الدولة ذات العلاقة لا يمكنها – أو غير معنية – بتطبيق القانون بنفسها، والتحقيق بشكل جدي والتقديم للمحاكمة في الوقت الذي يوجد فيه بينات على ارتكاب جرائم (المبدأ الذي يسمى "مبدأ التكاملية").

دولة اسرائيل كانت احدى المبادرين لفكرة اقامة محكمة جنائية دولية دائمة. ومنذ الخمسينيات "بواسطة السياسيين فيها ورجال القضاء الكبار شاركت بصورة نشطة في كل مراحل تأسيس هذه المحكمة، حيث ممثلوها يحملون في قلوبهم وعقولهم ذكرى جماعية، واحيانا شخصية، للجريمة الاكبر التي ارتكبت في تاريخ البشرية – الكارثة".

كما اعلنت اسرائيل عندما وقعت في العام 2000 على دستور المحكمة (وقعت لكنها لم تصادق على توقيعها حتى الآن). والآن، اكبر السياسيين والقضاة فيها يعملون بصورة مكثفة من اجل المس بهذه المؤسسة، من اجل الاقناع بأن قرارات المدعية العامة فيها لا اساس لها، ومن اجل تقليص صلاحياتها بقدر الامكان، وكل ذلك من اجل قرار يمس باسرائيل نفسها.

ولكن عندما ينفي مندلبليت صلاحية المحكمة لأن "اسرائيل هي دولة قانون ديمقراطية"، و"يوجد فيها جهاز قضاء قوي ومستقل"، فهو بذلك يستخف بمبدأ التكاملية. يجب عليه أن يسأل نفسه ما هي مسؤوليته الشخصية عن أن قضاة كثيرين يعتقدون أن جهاز انفاذ القانون في اسرائيل لا يلبي المطالب الدولية. لأن مندلبليت ليس فقط رئيس جهاز انفاذ القانون منذ اربع سنوات تقريبا، بل كان المدعي العسكري الرئيس خلال سبع سنوات، وبمنصبه هذا ترأس جهاز انفاذ القانون العسكري.

في هذين المنصبين، مندلبليت كان وما زال مسؤولا عن التحقيق في شبهات خرق القانون الدولي، لكن ايضا – ليس اقل اهمية – كان من منح الغلاف القانوني لاقامة وتوسيع المستوطنات. فعليا، من يعرف نشاط مندلبليت في الموضوع الاخير، يعرف أن الامر يتعلق بالمستشار الققضائي الذي اضعف اكثر من أي واحد من اسلافه، الدفاع القانوني عن الممتلكات الفلسطينية الخاصة، وكل ذلك من اجل السماح بشرعنة البؤر الاستيطانية وتوسيع المستوطنات.

الى هذه الدرجة اضعف، حيث في مقال نشرته قبل ثلاث سنوات كتبت بأن "اعماله ايضا تعرض للخطر القانوني ضباط كبار يقومون على الارض بتطبيق السياسات التي صادق عليها" ("هآرتس"، 18/12/2016).

هذا بخصوص قرار المدعية الذي يقضي بوجود مجال للتحقيق في نشاطات الاستيطان لاسرائيل – سياسة رسمية التي بخصوصها لا يوجد حتى تفاخر باجراء تحقيق. ولكن ماذا بخصوص التحقيق في خرق قوانين الحرب، التي بخصوصها اسرائيل تتفاخر باجراء تحقيقات مهنية ومستقلة؟

 التحقيق الذي امتد لسنوات لمنظمة "يوجد حكم"، التي تمثل مشتكين ومشتكيات فلسطينيين، يظهر بأنه يوجد لاسرائيل القليل جدا مما ستعرضه امام قضاة المحكمة، الذين يمكن أن يحسموا في الاسابيع القريبة القادمة هل يوجد للمحكمة صلاحية على جرائم ارتكبت في المناطق.

ووفقا للمعطيات التي قدمها الجيش للمنظمة في اطار المداولات حول حرية المعلومات فانه فقط 20 في المئة من الشكاوى التي قدمت في 2017 – 2018 بشبهة ارتكاب مخالفات من قبل جنود ضد فلسطينيين في الضفة الغربية، قادت الى تحقيق من قبل قسم التحقيقات في الشرطة العسكرية، وفقط حوالي 3 في المئة من التحقيقات تمخضت لوائح اتهام (ثلاثة ملفات، 0.7 في المئة من مجمل الشكاوى التي عولجت).

وقد تم اغلاق الملفات الاخرى دون تحقيق أو تقديم للمحاكمة. المعطيات بشأن تحقيقات وتقديم للمحاكمة بخصوص قتل متظاهرين فلسطينيين على حدود القطاع، في اطار "مسيرات العودة"، وبخصوص شكاوى تتعلق بسلوك الجنود في عملية "الجرف الصامد"، ليست افضل. في الاول فقط في 6 في المئة من الاحداث التي تم فحصها تم فتح تحقيق. وفي الثاني الـ 360 حادثة التي بشأنها قدمت شكاوى، قدمت لائحة اتهام واحدة فقط بشأن سرقة.

صحيح أن استخلاص العبر من الاحصاءات هو أمر معقد، والقليل من التحقيقات ولوائح الاتهام لا تدل بالضرورة على نشاط فاشل لانفاذ القانون، لكن جمعية "يوجد حكم" التي تمثل متضررين فلسطينيين اطلعت ايضا على التحقيقات نفسها، واستنتاجها الراسخ والمستمر هو أن الامر يتعلق بتحقيقات وهمية، التي مستواها متدني وتتميز بالمماطلة وعدم الدافعية وعدم تنفيذ اجراءات تحقيق اساسية جدا. هل يوجد شخص في اسرائيل يؤمن بأن اليئور ازاريا كان سيقدم للمحاكمة لولا أن كاميرا بتسيلم وثقت افعاله؟

هذا محرج ومخجل ومحزن، أن اسرائيل التي اقيمت على انقاض الكارثة، تواجه تحقيقات واتهامات بارتكاب جرائم حرب. ولكن مثلما أن منظمات ونشطاء اسرائيليين لحقوق الانسان يحاولون الاقناع منذ سنوات – الطريقة للامتناع عن ذلك هي عدم مهاجمة من ينفذون القانون الدولي، بل عدم ارتكاب جرائم الحرب.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب