ناحوم بارنيع
يديعوت أحرنوت- 22/2/2021
*للحظة يخيل أن الأم تريزا قامت من قبرها واحتلت الحكم في موسكو، في القدس وفي دمشق. بوتين الام تريزا. نتنياهو الام تريزا. الأسد الام تريزا. اما الحقيقة، بقيود ما يسمح لنا أن نعرفه في هذه اللحظة، أقل اعجازية بكثير*
بين كل المفاهيم الدبلوماسية الكاذبة، فإن التعبير الاكثر تشويشا هو "البادرة الانسانية". فحكومات ليس لها مصلحة لا بالمبادرات ولا بالانسانية تتخذ بين الحين والاخر خطوات رمزية تتوافق مع مصالحها في تلك اللحظة. ويأتي الغطاء الانساني ليمنح تغطية رقيقة، مريحة للتسويق، لاعتبارات المنفعة. كلما كان النظام وحشيا اكثر، هكذا يكون منفتحا أكثر على المبادرات الانسانية. اقتل الملايين دون أن يرف لك جفن، وبعدها اطلق بضع مئات الى الحرية. لقد شهد الشعب اليهودي هذه المعادلة الانسانية على جلدته.
في قضية تحرير الاسرائيلية التي اجتازت الخطوط الى سورية حظيت بكلمات "بادرة انسانية" باستخدام سخي. روسيا قدمت بادرة انسانية لاسرائيل، واسرائيل ردا على ذلك قامت ببادرة انسانية لروسيا التي بدورها ردت ببادرة انسانية لسورية. للحظة يخيل أن الام تريزا قامت م ن قبرها واحتلت الحكم في موسكو، في القدس وفي دمشق. بوتين الام تريزا. نتنياهو الام تريزا. الاسد الام تريزا. اما الحقيقة، بقيود ما يسمح لنا أن نعرفه في هذه اللحظة، أقل اعجازية بكثير.
الاسرائيلية (ولسبب ما يسمح بنشر اسمها في سورية فقط) اجتازت الخطوط طوعا، بنية مبيتة: راق لها أن تعيش في سورية. كان يمكن التوقع من حكومة اسرائيل ان ترد على هذه الفعلة لنشر بيان يقول بإيجاز: "ارادة السيدة محترمة. سورية هي دولة عدو. اذا غيرت رأيها وعادت الى اسرائيل فإنها ستعتقل وتتهم وفقا للقانون".
هكذا تصرفت مثلا حكومات في غرب أوروبا ممن انضم مواطنوها الى الدولة التي اقامها داعش في سورية. لم تجر اي منها مفاوضات على اعادة الجهاديين الى الديار. وعندما عادوا، اذا ما عادوا، عالجت امورهم الشرطة.
ولكن رئيس وزراء اسرائيل يعرف روح رعاياه. في غضون بضعة اسابيع، بمعونة مستشار علاقات عامة خبير. ستصبح الشابة العاقة ابنتنا جميعا، امرأتنا في دمشق. وكان الشعب سيقول قولته في الشبكة الاجتماعية، وثمن الصفقة كان سيرتفع ويرتفع.
ليس لاعتبارات انسانية هرع لإعادتها. بل لاعتبارات عملية. ونتنياهو مثل نتنياهو: انعقدت الحكومة لبحث سري، وطلب من الوزراء التوقيع على نموذج السرية، وانست الدراما للحظة اعداد الموتى بالكورونا، واطلق رئيس هيئة الامن القومي في طائرة خاصة الى موسكو، لإعادة الناجية التي لم ترغب في أن تنجو.
وعلى الطريق لا يكفون عن الكذب علينا. حين يتبين أن السجينين الأمنيين، واحد من القرية العلوية الغجر، والثانية من القرية الدرزية مجدل شمس، لا يريدون التحرر الى سورية. فهما لا يتشاركان في حماسة الشابة من موديعين عيليت، يحرر الى سورية اثنان آخران يعرفان كـ "راعيين اجتازا الحدود بالخطأ".
في السنوات الاخيرة تجولت مرات عديدة مع ضباط الجيش الاسرائيلي على طول الحدود في الشمال. وفي كل جولة قيل لي: "لا يوجد رعاة أبرياء على طول الحدود، فقط استطلاعيون من حزب الله يتخفون في صورة رعاة". فجأة، دون أن يرى أحد، يصبح عناصر حزب الله رعاة.
فضلا عن هذا، فإن بوتين يطلب بدل وساطة: يستحق. وكي لا يظهر هذا كصفقة مع المافيا، تسمى الدفعة بادرة انسانية. بادرة لمن؟ ليس حقن تطعيم للسوريين هي التي ستنقلها اسرائيل بل مالا نقديا للروس. وأنا شبه واثق من أن بن شباط لن يطالب بسند قبض.
المرة تلو الاخرى تقع اسرائيل في الحفرة ذاتها. الحنان تننباوم سافر جوا الى بيروت على أمل أن يحظى بصفقة مخدرات. ارئيل شارون دفع مقابل اعادته؛ نوعاما يسسخر اُمسك بها في محطة انتقالية في موسكو وهي تحمل مخدرات خفيفة في حقيبتها. وتصرفت منظومة القضاء الروسية معها بنزعة شر، بأمر من فوق، أو لمجرد العادة. روسيا ليست دولة قانون.
حبسها احتاج الى عناية مكثفة من القنصل: هذه هي وظيفة القناصل. ولكن نتنياهو اصر على انقاذها، مهما يكن. يمكن ان نفهم مفاوضات على تحرير ابرا منغيتسو، الاسرائيلي من اصل اثيوبي الذي اجتاز الخطوط الى غزة: فقد شُخّص الشاب كمريض نفسي. من الصعب ان نفهم ما الذي تدين به الدولة لهشام سواعد، البدوي من النقب الذي انتقل الى غزة طواعية.
الجدال عميق ويلمس جذور وجودنا هنا: كم هو المواطن في الدولة مسؤول عن افعاله، وكم هي مسؤولة الدولة عنهم. ليس صدفة ان امتنعت حكومات اسرائيل عن اتخاذ القرارات في هذا الموضوع المشحون: فهي تعرف انه في لحظة الحقيقة فان القرار الاحتفالي الذي ستتخذه سينهار تحت الضغط الجماهيري.
"كل اسرائيل يكفل كل الاخر"، هكذا يكرر السياسيون. عندما نتذكر ما حصل هنا في سنة الكورونا لا يتبقى الا أن نبتسم. فالتكافل المتبادل ليس موجودا هنا. اما المنقذون فموجودون بوفرة.
إضافة تعقيب