اذا قامت اسرائيل بتدمير القطاع على رؤوس حكامه وسكانه فسيتم نقش هذا لأجيال في وعي العالم العربي والاسلامي ووعي العالم الثالث ايضا. الثمن ستدفعه اسرائيل، وسيكون ثمنا باهظا أكبر مما تتوقعه الآن
اسرائيل ستنطلق الى عملية برية كارثية في قطاع غزة. هذا الغزو يمكن أن ينتهي بفشل ذريع لم تشهده اسرائيل أو غزة من قبل. هذا الغزو يمكن أن يحول الصور التي تأتي من غزة في الفترة الاخيرة الى المقدمة؛ سنقف امام مذبحة جماعية. جنود كثيرون سيقتلون بدون هدف، سكان غزة سيواجهون نكبة ثانية، علاماتها الاولية صارت بادية على الارض. ولن يربح أي أحد من هذه الفظائع.
من ساعة الى اخرى تصبح الصور من غزة مخيفة أكثر. وسائل الاعلام الاسرائيلية المجندة تخون دورها ويحركها من يستهلكونها، يكفيها خطاب الجنرالات الذي يأتي من السماء والذي لا نهاية له. ولكن حقيقة أن اسرائيل لا تظهر غزة، لا تعني بأن الكارثة لا تحدث هناك.
أكثر من مليون شخص كانوا أمس يهربون للنجاة بحياتهم أو يتشبثون بطريقة انتحارية ببيوتهم المدمرة، نصفهم من الاطفال. الشيوخ والنساء وذوو الاحتياجات الخاصة والمرضى والاطفال يهربون نحو الجنوب سيرا على الاقدام أو على الدراجات الهوائية أو على مقدمة السيارات أو على الحمير ولا يحملون معهم إلا القليل من ممتلكاتهم.
أناس يسيرون نحو حتفهم وهم يعرفون ذلك. لا يوجد أي شخص في القوافل الكبيرة التي تذهب نحو الجنوب يؤمن بأنه سيكون له بيت يعود اليه. ولا يوجد أي شخص لم يتذكر مشاهد النكبة التي عاشها الآباء قبل 75 سنة. غزة كانت أمس تشبه ناغورنو كاراباخ. الى أين سيذهب الفلسطينيون من قطاع غزة؟ أين سيختبئون؟ أين سيجدون ملجأ أو بيتًا؟ لا توجد كهرباء أو مياه أو أدوية أو انترنت.
هذا الاخلاء هو عقاب جماعي يبشر بما سيأتي. اسرائيل تقول بأنها ستطهر شمال القطاع من حماس، وبعد ذلك ستنتقل الى الجنوب. مليونا انسان، أو من سيبقى منهم على قيد الحياة، سيأمرونهم بالهرب والعودة الى الشمال من اجل تطهير الجنوب. المهمة ستستكمل والجيش سيشير الى عشرات آلاف القتلى الذين قتلهم بيديه، ويقول بأن معظمهم كانوا من اعضاء حماس. كل فتاة أو فتى يقتلونه سيتم تجريمهم كأعضاء في حماس. حسب وزارة الصحة الفلسطينية فان 724 طفلا فلسطيني قتلوا حتى ظهر أمس، قبل أن يبدأ الغزو البري. لم يكونوا من حماس.
اسرائيل ستنتصر وغزة ستُسوى والانفاق سيتم تطهيرها، وسيقال هذه الكائنات الحيوانية ستتم تصفيتها، رائحة الموت التي ستتصاعد من القطاع ستختلط مع صور الذين يموتون بسبب الجوع أو الذين يحتضرون في المستشفيات المكتظة والعالم سيستمر في تأييد اسرائيل، التي تمت مهاجمتها ببربرية ولم يكن امامها أي خيار. المخطوفون الاسرائيليون يمكن أن يدفعوا حياتهم ثمنا لذلك. وبعد ذلك سيبزغ الصباح على وقف اطلاق النار في غزة المدمرة – بماذا يهم ذلك؟ من الذي سيتولى الحكم في القطاع؟ ممثلو قيادة الوكالة اليهودية؟ العملاء في غزة؟ وما الذي ستكسبه اسرائيل من ذلك؟ حتى الآن لم نقل أي كلمة عن الحرب متعددة الجبهات التي يمكن أن تندلع وتغير قواعد اللعب كليا.
اسرائيل تنطلق الى عملية خطيرة وخاسرة. هي يمكنها سؤال حلفائها في واشنطن ما الذي جلبته الحروب العبثية للولايات المتحدة من اجل استبدال الانظمة في العالم؟ كم من ملايين الاشخاص قتلوا عبثا ومن الذين تولوا الحكم على الحراب الامريكية؟ لكن نحن لا نحتاج الى امريكا، وحتى لا نحتاج الى التفكير بكارثة الفلسطينيين كي نعرف بأننا على شفا كارثة تاريخية ايضا لاسرائيل. اذا تم حقا استكمال المهمة وقامت اسرائيل بتدمير القطاع على رؤوس حكامه وسكانه فسيتم نقش هذا لأجيال في وعي العالم العربي والاسلامي ووعي العالم الثالث ايضا. "نكبة ثانية" ستمنع مئات ملايين الاشخاص في ارجاء العالم من قبول اسرائيل. ربما ستكون هناك ايضا انظمة عربية تضبط نفسها في البداية، لكن الرأي العام فيها لن يسمح لها بالاستمرار في ضبط النفس. ولكن الثمن ستدفعه اسرائيل وسيكون ثمنا باهظا أكبر مما تتوقعه الآن.
إضافة تعقيب