يديعوت أحرنوت- 7/2/2022
من ناحية الشرطة، قضية بيغاسوس هي مجرد تفصيل إضافي. ليس هكذا هو الحال بالنسبة للمواطن. وهي ترفع الى السطح مشكلة تقلق العالم الغربي كله منذ زمن بعيد، وتثير نقاشا اجتماعيا هاما جدا عن العلاقات بين هاتفنا الذكي والشركات التي نستضيفها في داخله
تومر غونين، مراسل "كالكليست" الذي كشف استخدام الشرطة لبرامج اقتحامية، لم ينل بعد بابا خاصا به في الويكيبيديا. الباب لا بد سيأتي، يجب أن يأتي. غونين، الذي لم ألتقيه ابدا، أحدث شيئا، ما لا يحصل في اوقات قريبة في المهنة: فقد نشر قصة تؤثر مباشرة على حياة القراء الذين يخدمهم، على حياة المجتمع كله؛ فقد غير الوعي؛ وربما ايضا غير الواقع. من كل متاع المهنة، فان المتعة الاكبر هي نشر قصة تجبر كتيبة من الوجوه المكفهرة السياسيين، نجوم الحلقات التلفزيونية، مغردي الشبكة، تفسيرها وتحليلها. لكل واحد يوجد رأي، اما هو الصحافي فيوجد له وحده نبأ.
في اعقاب المنشورات في "كالكليست" اجريت محادثات خلفية مع ضابطين كبيرين في الشرطة ومع مفتشين عامين.
كل واحد نفى القصة بطريقته. لا اعتقد أن احدا منهم كذب علي، وبالتأكيد ليس عن قصد. نظروا الى القضية من فوق، من علو المكتب: هذه البرامج التي اشتريت؛ هذه هي القيود التي فرضت على استخدامها. هذه هي الاذون المطلوبة: ما المشكلة. اما انا فنظرت اليها من تحت، من مستوى طموح ضابط تحقيق، من احساس القوة التي يعطيها له التطبيق. فبدونه هو مجرد ملازم مقصي في لاهف 433، شخصية مجهولة من خلف طاولة مجهولة في غرفة التحقيقات؛ اما مع هذا التفضيل فهو سوبرمان. استخدامه غير واجب يكفي التبجح به على مسمع من يخضع للتحقيق بعرض ما يمكن للبرنامج ان يفعله.
محامو نتنياهو يحاولون امتطاء هذه الموجة. كل موجة تحمل لهم مذكرة (ومعاش). لو لم يفعلوا هذا لقلنا انهم يخونون وظيفتهم. اذا كانت حقوق نتنياهو كمتهم او كمواطن قد مست حقا، فانه يستحق حماية المحكمة. حتى لو كان الثمن ضررا شديدا للدعوى.
لكن القصة ليست نتنياهو
يحتمل أن يكون وقع خلل، كما يعترف الان مسؤولو الشرطة. والخلل هو فقط خلل. اما السياسة فعلى ما يرام، التعليمات على ما يرام، البرنامج على ما يرام. هذه هي القاعدة، اما الباقي فتفاصيل. محظور ان يلقى الرضيع مع ماء الحمام. ما يصعب عليهم ان يفهموه، وهذا يحصل لهم المرة تلو الاخرى، من مفتش عام الى مفتش عام، من وزير الى وزير هو ان مواضع الخلل هي التي تصمم ثقة الجمهور بالشرطة. الثقة مبنية من التفاصيل. كل مواطن والفشل الشرطي الصغير له أو الفشل الكبير.
يمكن للموساد ان يعمل دون ثقة جماهيرية؛ يمكن للشباك ان يعمل دون ثقة جماهيرية. هذان الجهازان يعرفان كيف يغطيا على نفسيهما بهالة من السرية تحت تصرفهما عند الحاجة ودون حاجة. اما الشرطة فلا يمكنها. الاستطلاع الاخير الذي نشر عرض انخفاضا كاسحا في ثقة الجمهور اليهودي، من احداث شهر ايار فصاعدا، حتى أكثر من 20% (كان يمكن ان نجد بعض المواساة في الارتفاع القليل في الثقة بالشرطة في الجمهور العربي، نتيجة الجهد الذي يبذله نائب الوزير يوآف سغلوبيتس والذي تبذله السلطات في مكافحة الجريمة المنظمة. لشدة الاسف لا يوجد حاليا انخفاض في اعمال القتل في اطار الثأر).
من ناحية الشرطة، قضية بيغاسوس هي تفصيل آخر. ليس هكذا من ناحية المواطن. فهي ترفع الى السطح مشكلة مقلقة منذ زمن للعالم الغربي كله. فالغالبية الساحقة من سكان هذا العالم، من الطفل حتى الشيخ، بما في ذلك انتم، القراء، وأنا ايضا وقعنا على عقود مع شركات تكنولوجية تضع المعلومات الاكثر حميمية لنا قيد استخدام الاغراب.
لم يحدث أني قرأت ذات مرة عشرات البنود الصغيرة في هذه العقود. واقدر بانكم انتم ايضا ايها القراء لم تكبدوا انفسكم هذا العناء، فرحتم للبرنامج الرائع حقا الذي اعطي لكم مجانا. وكبتم الجملة الاساسية التي تقف خلف كل هذا الخير: "اذا لم تدفع لقاء هذا المنتج، فهذا دليل على أنك انت المنتج". انت المنتج في الفيسبوك، في التويتر، في ويز، في غوغل، في انستغرام.
بعت روحك لمارك زوكربيرغ (في التيك توك بعتها للصينيين). حكومات في العالم الديمقراطي تفهم هذا. وهي تبحث عن السبل للجم أربع شركات التكنولوجيا الكبرى دون أن تمس بشدة بحرية التعبير.
والمستخدمون ايضا بدأوا يفهمون. فيسبوك فقدت هذا الشهر، لأول مرة في تاريخها مستخدمين اكثر مما ظنت. المستثمرون في البورصة في نيويورك ردوا بما يتناسب مع ذلك: قطعوا في غضون يومين ربع قيمتها.
في عدة حالات حبس اناس ابرياء بل وربما قتلوا بمعونة برنامج بيغاسوس. اناس اكثر انتحروا بسبب استخدام سائب، اجرامي في الشبكة الاجتماعية. المكتشفات في "كالكليست" فتحت نقاشا اجتماعيا هاما جدا عن العلاقات بين هاتفنا الذكي والشركات التي نستضيفها في داخله. مع كل الاحترام لبيغاسوس وNSO، فان هذا النقاش هام بقدر لا يقل.
إضافة تعقيب