حلت الذكرى الواحدة والسبعون لثورة 23 يوليو هذا العام، في جو جديد – قديم من العداء الذي يصل الى درجة الغباء، في محاربة اسم قائد الثورة جمال عبد الناصر، صاحب الاسم الخالد على مر العصور وقاهر الأعداء والخصوم والحاقدين في موته كما في حياته.
ويتمثل العداء الجديد لعبد الناصر وموروثه القومي بقرار بائس تعيس اتخذه البرلمان المصري، في أيار الماضي، يتمثل بالموافقة على تغيير اسم "أكاديمية ناصر العسكرية" إلى "الأكاديمية العسكرية للدراسات العُليا"، الأمر الذي أحدث جدلا هائلا وغضبا كبيرا بين الناصريين الذين هاجموا القرار واعتبروه بأنه يتنكّر لإرث الزعيم الوطني..
وقالت مها أبو بكر، المحامية وأمينة المرأة بالحزب الناصري: "إن قرار تغيير اسم أكاديمية ناصر العسكرية هو قرار مأساوي، لا يوافق عليه أي شخص، وهو نكران للماضي حسب وصفها". وأضافت: "القرار تعبير عن عدم تقدير للأكاديمية وتاريخها وتأثيرها في المجتمع".
وانتقد عبد العزيز الحسيني، عضو الهيئة العليا بحزب "الكرامة"، قرار التغيير، معتبراً أن "البرلمان المصري باع كل شيء وهذا ما فعله أيضاً في مسألة أكاديمية ناصر العسكرية"، مشيراً إلى أنه لم يكن هناك جيش مصري في عهد الملوك، وتأسيس الجيش المصري جاء في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
ويأتي غضب الناصريين لأن هذه الخطوة سبقتها خطوات مريبة مشابهة، حين تم استبدال اسم "استاد ناصر" و"بحيرة ناصر" في بلد عبد الناصر، بهدف مسح أي أثر لجمال عبد الناصر من التاريخ، وذهب آخرون إلى القول بأن الهدف إزالة عصر ناصر ورجاله من العقيدة العسكرية المصرية لمواكبة عصر العمالة والتطبيع.
أفهم تماما وأتفهم غضب الناصريين، لكني لا أشاركهم حدة ذلك الغضب، لسبب بسيط وهو أنه مرّت عدة محاولات مشابهة قبل هذه المحاولة وفشلت فشلا ذريعا، فلماذا أغضب لجهالة بعض الناس من عديمي الوعي والغارقين في العولمة والخاضعين للخارج الغربي؟!
لقد مرّت معارك عديدة أثارها أعداء وخصوم عبد الناصر، بدأها سيء الصيت السادات، الذي أصدر تعليماته بمنع الأغاني الوطنية وخاصة التي تذكر عبد الناصر ومنجزاته ومآثره وكل فترته، لكن الأغاني انتشرت بشكل أوسع وتم تداولها بشكل أكبر مما كانت عليه، وعادت إلى الحياة من جديد. ألم يلجأ السادات إلى كل الوسائل لمحو اسم عبد الناصر بعد وفاته ولم ينجح في ذلك؟ ألم يفتح النار على كل تاريخ عبد الناصر وفتح المنابر الصحفية والإعلامية أمام أعداء عبد الناصر، لينفثوا سمومهم ليلا نهارا في محاولات بائسة لتشويه اسم عبد الناصر وتسخيف كل ما أنجزه ونفذه في فترته؟ ألم يتحالف السادات مع الاخوان المسلمين، ومنحهم كل الحرية في شتم عبد الناصر والتطاول عليه شخصيا وعلى تاريخه الناصع؟ وماذا بقي من كل تلك المعارك يا ترى؟ ألم تنته بهزيمة كبرى لكل أعداء عبد الناصر رغم ما تمتعوا به من قوة ونفوذ وامكانيات، وبقي اسم عبد الناصر عاليا وشامخا في تراب ومياه وسماء مصر، وظل عبد الناصر القائد الأول على امتداد الوطن العربي من خليجه إلى محيطه.
وأستذكر ما أكده بعض المعلقين بأن اسم عبد الناصر غير متعلق بجدار أو لوحة أو مكان، رغم أهمية كل ذلك؟ وإذا نجح خصوم عبد الناصر، في انزال اسمه عن منشأة رياضية أو عسكرية أو فنية، هل يمكنهم محو اسم عبد الناصر من قلوب الملايين التي "أدمنت هواه"، وهل يمكنهم الغاء اسم عبد الناصر من "أرغفة الخبز" و"أزهار أوانينا"، وهل يمكنهم انزال اسمه عن "نجوم الصيف ورمال شواطينا"، واذا ألغوا اسمه عن الأكاديمية هل يمكنهم إنزاله عن "بنادق الجنود" وتحدينا" وهل يمكنهم إسكات مغنينا أو مسح "عرق العمال" وحظر "صلوات مصلينا"، بل هل يمكنهم منع وجوده في "كلمات الحب" وهل يمكنهم تزوير ذاكرة التاريخ؟ (الاقتباسات من قصيدة "الهرم الرابع" للشاعر نزار قباني).
وهذا ما ذهب إليه جمال طه، الكاتب السياسي والباحث في شؤون الأمن القومي، عندما قال: إن ناصر لم يكن مجرد اسم على بحيرة أو استاد أو أكاديمية أو بنك، لكنه تعبير عن وفاء شعب لمن حرّر وشيّد وحلّق بالوطن عاليا على المستوى الدولى".
وأكد الخبير السياسي إسماعيل مقلد أن "أكاديمية ناصر العسكرية" إنجاز تاريخي تحقق بفضل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مشيرا إلى عدم وجود أي مبرر معقول لتغيير تسميتها. وأضاف: "لا أتصوّر أن الأكاديمية التي حملت اسمه منذ لحظة تأسيسها تأتي الآن لتتنكر له أو لتأخذ مسمى آخر... هذا عيب كبير لا يصح ولا يليق بمصر والمصريين."
ومن المفارقات التي تحمل أكثر من دلالة، أنه في نفس الأسبوع الذي اتخذ فيه قرار مجلس النواب المصري التعيس، جاء في الأخبار أن حاملة المروحيات المصرية الجديدة "جمال عبد الناصر" أبحرت من ميناء فرنسي الجمعة 6 أيار، في رحلة بحرية تجريبية لمدة أسبوع قبل أن تتوجه إلى مصر، و"جمال عبد الناصر"، وهو الاسم الذي أطلق على السفينة الحربية الحاملة للمروحيات، فان أنزلوا اسم عبد الناصر في موقع ما، ارتفع في موقع آخر.
وكنت قد تمنيت في مقال سابق لي على أعداء عبد الناصر أن يستمروا في كراهيتهم له، لأن نار الحقد ستأكل أصحابها بعدما لا تجد ما تأكله. أما نحن فسنبقى على حب عبد الناصر، ومحبته ليست أمرا هينا اليوم كما لم يكن بالأمس، وهذا ما أجاد توصيفه الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي، في ختام قصيدته التي رثى بها الزعيم حين قال: "إنّ رحلة حبّنا ستكون حربا.. لا يقرّ لها قرار" وفعلا هذا ما حصل، فرحلة حبنا لعبد الناصر دائمة، وحربنا مع أعداء عبد الناصر مستمرة، ولا بد أن يكون النصر فيها حليفنا.
إضافة تعقيب