وهنا بودي أن أذكر قصة الاطاحة بالدبلوماسي البرازيلي السابق خوسيه ماوريسيو بستاني بشكل مثير للجدل من وظيفته على رأس أكبر هيئة مراقبة للاسلحة الكيميائية في العالم، وذلك في إطار التحضير للعملية العسكرية الأمريكية في الوقت الذي كان يتفاوض فيه على انضمام العراق الى معاهدة حظر استخدام تلك الأسلحة، وفي حديثه الى بي بي سي تحدث البستاني عن شعوره " الدائم بالإحباط" وهنا أذكر ما قال البستاني لبي بي سي:" مشاعري لم تتغير منذ 20 عاما". ويضيف قائلا:" كانت حربا- القصد احتلال العراق - لا بل مذبحة العراق من قبل الشيطان الأكبر الولايات المتحدة د.خ ) عبثية أسفرت عن مقتل عدد كبير من الناس من الجانبين، (في هذا الطرح للأسف البستاني لا يُفرق بين المُجرم وأمريكا وبين الضحية الشعب العراقي د.خ )، والشيء الوحيد الذي أثبته هذا الصراع هو أنه يمكنك التلاعب بالمجتمع الدولي بالقوة المُطلقة".
لقد كان الدبلوماسي البرازيلي السابق بطل الرواية في واحدة من أكثر الحلقات أثارة للجدل - وإن كانت منسية - في التحضير لاحتلال العراق الارهابي من قبل الولايات المتحدة. في أبريل من عام 2002 ثم فصله من منصب المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية (او بي سي دابليو) بعد ضغوط مكثفة من واشنطن.
كان بستاني في ذلك الوقت يحاول إقناع العراق بالانضمام الى منظمة حظر الاسلحة الكيميائية، والتي بموجب المعاهدة ستلزم نظام صدام حسين بالسماح للمفتشين بالوصول إلى أي اسلحة كيميائية تحت تصرفه كانت الادعاءات بأن صدام لديه " مخزون من هذه الأسلحة هي القضية الرئيسية للحرب التي قدمتها إدارة جورج دبليو بوش لتبرير غزو العراق. ويقول البستاني بأن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية كانت لديها " معلومات استخبارية كافية" بأن أسلحة العراق الكيميائية قد دُمرت بعد حرب الخليج 1990 - 1991.
ويتذكر الدبلوماسي البرازيلي قائلا:" تلقيت رسالة من الحكومة العراقية في نهاية عام 2001 قالت فيها انها مستعدة لقبول اتفاقية الاسلحة الكيميائية وعمليات التفتيش في البلاد، لقد كانت لحظة سعادة مطلقة بالنسبة لي، لكن الامريكيين لم يُعجبهم الخبر على الاطلاق. وهكذا بدأت الحملة الامريكية بهدف الاطاحة بالدبلوماسي البرازيلي واتهامه ب " سوء الإدارة المالية" " والتحيُز" "والمبادرات غير المدروسة" ولقد كان الموقف الأمريكي المُعادي للبستاني تحول دراماتيكي عن التأييد الذي تلقاه من وزير الخارجية الأمريكي آنذاك كولن باول الذي كتب في عام 2001، إلى بستاني ليشكره على عمله " الرائع جدا".
وبصفتها المساهم الرئيسي في ميزانية منظمة حظر الاسلحة الكيميائية، هددت الولايات المتحدة بسحب دعمها المالي للوكالة. وفي 21 نيسان من عام 2002 وبناء على طلب الولايات المتحدة، عُقد اجتماع خاص حسم مصير الدبلوماسي البرازيلي الذي سعى الى حل دبلوماسي مع العراق، حيث أيدت 48 دولة عزله. مع 7 مُعارضين وامتناع 43 عن التصويت.
وعملية الإطاحة بالبستاني كانت أكثر حملة علاقات عامة مُدارة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لإجبار مسؤول دولي كبير على ترك منصبه منذ أن منعت إدارة كلينتون إعادة انتخاب الأمين العام للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي عام 1996.
وهنا أذكر بأنه خلال السنوات الخمس التي قضاها في المنصب أشرف البستاني على توسع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من 87 الى 145 دولة عضو، وكما ذكرت بي بي سي في ذلك الوقت جرى تدمير نسبة كبيرة من منشآت الأسلحة الكيميائية في العالم. ولقد فاز البستاني بقضية فصل تعسفي ضد منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في تحكيم من قبل منظمة العمل الدولية (اي ال او) وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة، وقد تبرع بتعويضاته لميزانية منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
ونصر البستاني في قضية التحكيم وعدم عثور على الادلة على وجود أي أسلحة دمار شامل في العراق وقت احتلال العراق لا بل المذبحة التي ارتكبها الشيطان الأكبر الولايات المتحدة كانا لهذا الدبلوماسي البرازيلي وبموجب اسمه قد يكون من اصل لبناني مصدر شعور بالرضا أو عزاء له. حيث قال البستاني " هذا لا يجلب لي العزاء، فبعد عقدين من الزمن ما زلت اشعر بالاحباط لانه نشبت حرب غير ضرورية اثرت على العالم بأسره، كنت افضل ان اكون على حق ويتم تجنب هذا الصراع وما زلت أعتقد أن ذلك كان ممكنا". والولايات المتحدة لم تتغير منذ حربها الارهابية الاجرامية ضد الشعب العراقي فهذه الدولة المتوحشة والتي يقودها طبقة رأس المال العسكري وشركات النفط العالمية، والمحافظون الجدد - كهنة الحرب - ومنظمة إيباك والصهيونية العالمية، وما زالت تمارس سياسة غطرسة القوة، وحرب النازيين الجدد الأوكرانيين المدعومة من قبل حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية ضد روسيا التي تهدف الى تمزيق روسيا الى دويلات لاكبر مثل على ذلك.
ومن أجل تشكيل رؤية واضحة لما جرى ويجري في منطقة الشرق الاوسط والادنى، قبل وبعد احتلال العراق والان، يجب ان نعود الى المخططات التي نظر لها الاستراتيجيون الصهاينة وكهنة الحرب في أمريكا في مقاربتهم لأوضاع المنطقة، وتحديد مصلحة كيانهم، اي مصلحة إسرائيل وفي الكيفية الكفيلة باستمرارهم ضمن محيط معاد فيه غلبة ديمغرافية هائلة، ومساحات جغرافية كبيرة بالاضافة الى امكانيات مادية وموارد أولية. لقد قارب الاسرائيليون الأوضاع السياسية والعسكرية في العراق منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي وكانوا ينظرون الى هذا البلد اي العراق بما يختزنه من قوة بشرية ونفطية وموقع جغرافي وتاريخ عميق كعدو دائم ولم يكن احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية الا احد الاهداف المتقدمة للاسرائيليين، وكل ما يجري الان في الشرق الاوسط واسرائيل يجب ان يُفهم ويُقرأ من خلال علاقتها " بالخطة الامريكية الصهيونية للشرق الأوسط". والتي تهدف الى اقامة " اسرائيل الكبرى" وهذه الخطة هي حجر الزاوية لرئيس الوزراء الاسرائيلي وحليفه اليمين الصهيوني المتطرف الفاشي وهذه الخطة تهدف الى اضعاف الدول العربية وتقسيمها لاحقا كجزء من المشروع الصهيوني التوسعي، وعلى الاستيطان بالضفة الغربية المحتلة وطرد الفلسطينيين من فلسطين وضم الضفة وقطاع غزة إلى اسرائيل.
ورفع شعار اسرائيل الكبرى الآن من قبل سموتريتش وأمثاله الذي رفع خارطة فلسطين وشرق الأردن كدولة إسرائيل مستقبلا لاكبر مثل على ذلك فاليمين العنصري الصهيوني الفاشي يرفع شعار " اسرائيل الكبرى" والتي ستضم أجزاء من لبنان وسوريا والأردن والعراق ومصر والسعودية وستنشىء عددا من الدول الوكيلة لضمان تفوقها في المنطقة "وبلقنة" العرب. وهنا بودي ان أقول بأن الولايات المتحدة واسرائيل ايضا تسعيان بكل الوسائل مسخ الهوية العربية والإسلامية والشرقية بشكل عام باستهلاك الثقافة الأمريكية - الصهيونية العنصرية عن طريق سياسة واستراتيجية مدروسة، وعن طريق وسائل الاعلام المختلفة والمهيمن عليها طبقة رأس المال الامريكي والصهيوني العالمي.
اذ ليس هناك أي أهمية تُذكر لدى رواد عولمة وهيمنة رأس المال الأمريكي والإسرائيلي، بالنسبة لتظاهرات ضد إسرائيل وأمريكا وحرق أعلامهم وصور زعمائهما، بما أنك تدعم في نفس الوقت اقتصاد الدولتين باستهلاك منتجاتهما مما يساهم بزيادة النمو الاقتصادي فيهما، وأمريكا التي سيطرت على العالم اقتصاديا، وبذلك تمكنت من السيطرة على العالم عسكريا.
ولكن التطور الاقتصادي والعسكري للصين وروسيا وصمود محور المقاومة سيسحب البساط من تحت أرجل طبقة رأس المال الامريكي الصهيوني.
والولايات المتحدة التي عارضت وتُعارض وسوف تُعارض أي مجهود لأي دولة عربية أو إقليمية في الشرق الأدنى للتوصل الى مستوى الندية الاستراتيجية مع إسرائيل. وهذا الموقف الأمريكي هو أساس الاستراتيجية الامريكية الصهيونية المناهضة لايران، وليس البحث عن نظام "ديمقراطي" " ليبرالي" في ايران، حيث مارست اسرائيل والولايات المتحدة أبشع الجرائم ضد الشعب الايراني أيام حُكم شاه ايران العميل لامريكا واسرائيل.
مراجع المقال:
-النظام العالمي القديم الجديد - نعوم تشومسكي.
-الفوضى التي نظموها- الشرق الأوسط بعد العراق - جون ديار
-السجل الأسود لامريكا - د.الحسيني الحسيني معدي.
-الشرق الأوسط وخرائط الدم - د.طارق عبود.
-موقع - عربي نيوز - بي بي سي.
إضافة تعقيب