أبو عصام الوطني الأصيل... القائد المُعَلِّم| مفيد صيداوي
عن عمر ناهز ال 92 عاما غادرنا القائد والمعلم الأممي الشيوعي الأصيل، أسعد يوسف كنانة، ابن يافة النّاصرة البار، وابن شعبه البار.
كان الخبر مؤلما رغم أننا نعرف أنه من كبار السّن في حزبنا، ولكننا نعرف أيضا أنه من الخميرة الباقية لتعطي الحزب نكهته الأممية والطبقية، ولذا كان قريبا من الرفاق، ورأيت فيه فعلا معلما مع أنني لم أعمل معه بشكل مباشر. ولكنني سأقص لكم بعض المحطات الشخصيّة معه.
- كنت أعجب جدا بهذا التأييد الواسع له في بلده يافة الناصرة العامرة، التي انتخبته لعدة دورات بنسب عالية منذ العام 1964م، فلولا قيادته الحكيمة وعمله لبلده ولشعبه ما كان لِيُنتَخب بهذا الشكل، ويدل على حكمته تنازله عن الرئاسة للجيل الشاب ومن خلال قيادته والعقل الجماعي لرفاقنا في يافة الناصرة سلم الراية للمهندس شوقي خطيب الذي قاد السفينة بحكمة أيضا فكان خير خلف لخير سلف.
- تعامله الرفاقي المؤدب والراعي لرفاقه: وأذكره عندما كنت التقيه في كل أول أيار في مظاهرات الناصرة يبتسم وأنا أسلم عليه ويقول: "الرفيق محمد الشريدي.. أبو سامي كان يصلي ولم يمنعه أحد منّا" (المقصود من رفاق الحزب)، وكان هذا اللقاء يتكرر كل أول أيار ونبتسم اثنينا، وبعدها قد نتحدث عن أمور أخرى.
- حكمة القائد: في أحد اجتماعات حركة الصداقة مع الاتحاد السوفيتي القطرية، الذي عقد في الناصرة، وكانت القاعة مليئة بالمتناقشين والكلمات، لم يعجبه مضمون نقاش أحد المتناقشين، وبالصدفة كنت أجلس إلى جانبه، وكان يقوم من مكانه أحيانا ويتمشى، وكان إلى جانبي الدكتور باسم توما على ما أذكر.. فوقف أبو عصام إلى جانبنا وقال: هذا الكلام بدّو دكتور.... ففهمه الدكتور باسم على الطاير وناقش بالاتجاه الصحيح... وكم أعجبت به وبحدة ذكائه وحكمته... ولن أنسى الحادثة.
- (في جهنم يوجد ملائكة، وحكمة النِّضال): في أحد لقاءاتنا تحدثنا عن قضايا التعليم العربي في البلاد حدثته من زاويتي كمعلم وهو تحدث كرئيس مجلس محلي عمل كل ما يستطيع من أجل تقدم مدارس بيافة الناصرة في ظروف الحكم العسكري البغيض وما بعده، وجرنا الحديث عن محاولات تدجين المعلمين المعارضين لسياسة الحكومة. وتطرقنا لفترة إدارة مدير المعارف العربية "عمانويل كبولو فيتش"، (1) فحدثته عن التحقيق معي في مكاتب الوزارة في القدس الغربية، ويومها حقق كابولوفيتش ونائبه (الذي كان عادة رجل مخابرات) معي ومع المرحوم معلمي وصديقي حسن بشارة (أبو جهاد)، والمرحوم الشيخ عبد الله نمر درويش. ودار التحقيق معي حول ما أقوم بتعليمه في المدرسة واتهامات بأنني أوزع المناشير الحزبية في حرم المدرسة وكل هذا غير صحيح، فما كان منيّ إلاّ أن قلت بصوت مرتفع للمحققين: أنتما تأخذان رواتبكما لتطوير وتقدم التعليم العربي وليس لمضايقة المعلمين العرب، فرأسا: اتهمني نائبه مارغولين بأنني أهينهما في مكتبهما؟!!! فقال كبولوفتش: إنه لا يهيننا، بل يطالب بأن نعمل للتعليم العربي وهذا مشروع!! فانتبهت للخلاف بالرأي، وخرجتُ من اللقاء حالا.
وإذا به يقول: نعم السياسة العامة ضد شعبنا وضد تعليمه، ولكن الموظفين يختلفون بعضهم عن بعض، فبعضهم لديه ضمير إنساني... وأضاف تعاون كبولوفيتش مع مجلسنا ومعي شخصيا مع أنه يعرف مواقفي جيدا... بأدب وبمسؤولية لدرجة أنه وافق من جانبه على كل طلباتي لتطوير الجهاز التعليمي في بلدنا، وأضاف يجب أن نتقن فن النضال يا رفيق.. وربت على كتفي.
- سائق الرفاق... لم يترفع أبو عصام السائق عن قيادة سيارته الخاصة خدمة للحزب والرفاق... فأكثر من مرة نقل إلى بيتي رفيقة أو رفيق ليقدم أو تقدم محاضرة لحركة النساء الديمقراطيات، وكان ينقل أكثر من محاضر أو أكثر من محاضرة أحيانا لقرى منطقة المثلث من المحاضرين خاصة من منطقة الناصرة. بتواضع ومسؤولية ملفتة للانتباه... بل كان مدرسة في النّضال والمسؤولية، له الذكر الطيب... ولأجيالنا الاعتزاز بمثل هذه القيادات. وأحر التعازي لأهالي يافة الناصرة ولأعضاء الحزب والشبيبة هناك وللرفيق عصام نجله وإخوانه وجميع أفراد العائلة.
إشارة:
- توفي عمانويل كوبولفيتش عام 2021م، عن عمر 98 عاما، وعمل محاضرا في جامعة تل أبيب في التاريخ القديم ومترجما من العربية للعبرية، وكان يبرر ترجمته بأنه يأمل أنه بهذه الترجمة يُقَرِّب بين الشعبين."لأنه إذا لم نعرف ونفهم أكثر لا نصل إلى السلام". عمل مديرا للمعارف العربية وقد ناضلنا في نقابة المعلمين من خلال كتلة (التقدم – الجبهة) من أجل أن يكون مدير المعارف العربية عربيّا، وعينت الوزارة بعده المرحوم الأستاذ علي حيدر زحالقة من كفرقرع بعده.
(عرعرة – المثلث).
إضافة تعقيب