أسعد يوسف كنانة، أبو عصام، يغادرنا فيُضاف الى أحزاننا المهولة في هذه الأيام، أيام العدوان الرهيب على شعبنا في غزة، حزن كبير.
الرفيق أسعد يوسف ينتمي الى جيل المؤسسين والى طلائع معركة البقاء والشموخ في الوطن الذي لم يكن لنا وطن سواه، وفي الوطن الذي لا يمكن ان يكون لنا وطن سواه.
أبو عصام انتخب في العام 1965 رئيسا للمجلس المحلي في يافة الناصرة ويكاد يكون اول رئيس شيوعي منتخب لمجلس بلدي في المنطقة.
في رئاسته للمجلس المحلي كان أبو عصام حريصا على مشروعه الأساسي وهو بناء الانسان متمثلا برعاية جهاز التعليم في قريته وتمتين وصيانة أواصر النسيج الاجتماعي فيها.
الرفيق أسعد يوسف كان من رؤساء السلطات المحلية العربية القلّة، الذين دافعوا عن قرار لجنة الدفاع عن الأراضي، التي أقامها وقادها الحزب الشيوعي وشاركت فيها شخصيات وطنية غير حزبية، بإعلان الاضراب العام في يوم الأرض في 30 آذار 1976 وصانوا القرار وعملوا على إنجاحه، رغم تهديدات السلطات الإسرائيلية الغاشمة.
كان لأبي عصام دورا أساسيا في صياغة الخط الكفاحي للجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية بعد تأسيسها في العام 1974، وكان على علاقة وثيقة وطيبة مع رئيسيْ هذه اللجنة المرحوميْن حنا مويس وإبراهيم نمر حسين وكذلك كان له دور كبير في توجيه لجنة المتابعة العليا والتحيز للعمل الوحدوي منذ تأسيسها في العام 1982.
في العام 1990 قرر التنحي عن رئاسة المجلس المحلي، وفق تخطيط مسبق، لتسليم الراية لجيل الشباب ممثَّلا في الأخ والصديق شوقي خطيب الذي انتخب بعده لرئاسة المجلس المحلي على مدار 18 سنة.
أبو عصام ظل طوال الوقت ملتزما بالعمل الشعبي والوطني والحزبي، وعلى الصعيد الشخصي كان من حسن طالعي ان عملت الى جانبه وتعلمت الكثير الكثير منه، عندما كان سكرتيرا لمنطقة الناصرة الحزبية وكنت عضوا في سكرتارية المنطقة التي تعدّ أكبر المناطق في الحزب، او عضويته في المكتب السياسي للحزب او في قيادة الجبهة القطرية.
كما كنت قريبا من دوره وعطائه في لجنة الدفاع عن الأراضي، وكان مرجعا موثوقا بالنسبة لي عندما توليت لاحقا مهام سكرتير الجبهة القطرية ورئيسها ورئيس قائمتها البرلمانية.
علاقتي ومحبتي للرفيق المعلم أسعد يوسف كنانة لم تنقطع حيث كنا نلتقي في بيته، حتى الفترة الأخيرة من حياته، إمّا بمبادرته ليطمئنّ على الأحوال العامة وعلى المواقف المفصلية للحزب والجبهة والهيئات التمثيلية لجماهير شعبنا، او بمبادرتي لتلقّي النصيحة والرأي السديد في المفاصل الدقيقة، او بمبادرة الرفيق توفيق كناعنة الذي ينتمي هو ايضا الى الرعيل الأول وكان يهمه على الدوام ان نبقى على تواصل مع رفاقنا القدامى أو بمبادرة الرفيق برهوم جرايسي، سكرتير منطقة الناصرة الحالي، الذي حرص على هذا الجيل من الرفاق.
أبو عصام كان صاحب حسّ مرهف قريب الى فهم المزاج العام للطبقات الشعبية، وكان قادرا على تحسس ادقّ التفاصيل في الموقف السياسي او الشعبي.
كان أبو عصام وطنيا صميميا دون تعصّب، وامميا صلبا دون ذرّة من عدمية.
أسعد يوسف لم يرتاد المدارس كثيرا، ولكنه كان مدرسة في الموقف والرؤية الواسعة وفي الرجاحة وسداد الرأي وفي المسؤولية الوطنية.
أسعد يوسف أحبّ رفاقه لكنه لم يجامل أحداً في الموقف، وبالأخص رفاقه في قيادة الحزب التاريخية الذين كانوا يكنّون له التقدير والاحترام، رغم انه لم يتردد في المبادرة للقاء الرفيق الذي يأخذ عليه ما يأخذ عليه ومصارحته مباشرة بذلك، لتمتزج صرامة ودقة الموقف مع المحبة العميقة لرفاقه.
الرفيق أسعد يوسف بنى عائلة متحابة ومتماسكة وملتزمة وطنيا وانسانيا واجتماعيا هي مدعاة للاعتزاز.
برحيل أبي عصام ودّعنا شخصية قيادية من الطراز الأول، من تلك الشخصيات المكللة بالمجد، التي لم تقُدْ حزباً وحسب، بل قادت مسيرةً مظفرةً نحو الانتصار في معركة البقاء وتشييد القامة الكفاحية الصلبة ولتحويل شظايا شعب ظل متمسكا بوطنه بعد النكبة، الى مجتمع فلسطيني متكامل بنهجه الوطني والديمقراطي وبإصراره على مواكبة التطور العلمي والحضاري.
برحيل ابي عصام فقدتُ على الصعيد الشخصي بوصلة كانت تؤشر دائما للاتجاه الصحيح: الثورة على الطغيان وبناء الانسان.
رحمك الله يا أبا عصام،
"أبدا على هذا الطريق شرف السواقي
انها تفنى فِدى النهر العميق"
إضافة تعقيب