"وبالرغم من أنني خائفة، إلا أنني آمل أن أحافظ على قوتي وأن أستمر بالتعبير عن رأيي والقيام بعملي".
بهذه الكلمات وبصوت مخنوق ومثقل بالدموع تطرقت الإعلاميّة الإسرائيلية أوشرت كوتلر للهجمة الفاشية الشّرسة ضدها خلال الأسبوع الأخير.
وكانت كوتلر قد عرضت يوم السبت 16 شباط/فبراير في برنامجها "هماغزين" – المجلة، الذي يبث على القناة 13 الإسرائيليّة، تقريرًا حول خمسة جنود في جيش الاحتلال الإسرائيلي، اعتدوا بوحشيّة على شبان فلسطينيين أثناء اعتقالهم. وفي تعقيبها على التقرير قالت كوتلر "يرسلون أبناءنا إلى المناطق المحتلّة ليعودوا إلينا وحوشًا بشريّة، هذا ما ينتجه الاحتلال!".
ولتتعرض بعدها كوتلر لهجمة شرسة وعنيفة وصلت حد تهديدها بالقتل!. وشارك في جوقة التحريض سياسيون إسرائيليّون، وحتى رئيس الحكومة بيبي نتنياهو قال ردًا على كوتلر: "أنا أحب جنود جيش الدفاع الإسرائيلي، كما أنني فخورن بهم، وتصريحات كوتلر مستنكرة ومرفوضة".
شعرت بغصة، مقابل المشهد التلفزيوني غير الطبيعي، وإن كنت لا أتفق مع كوتلر في كل المواقف ولا في كل تصريحاتها، ولكن أن تبكي على الهواء مباشرة إعلاميّة معروفة تقدّم برنامجًا اخباريًّا، ليس مشهدًا مألوفًا!
ولكن هنا، يصبح غير المألوف، مألوفًا! هنا في الدولة "الديمقراطيّة الوحيدة في الشّرق الأوسط" تتعرّض إعلاميّة لتهديدات بالقتل وتحريض أرعن لأنها تجرأت على التعبير عن رأيها. بالرغم من أن رأيها هذا هو حقيقة مفهومة ضمنًا بحسب كل المعاهدات والقوانين الدوليّة، حقيقة ترفض حكومة الاحتلال أن تراها، وتقصي كل من يحاول أن يضع لها مرآة تعكس حقيقتها.
وفقًا للديمقراطيّة الإسرائيليّة، تمنع السّلطة الرابعة من القيام بدورها في التأثير والتحشيد وتشكيل الرأي العام، وبمراقبة عمل السّلطات الثلاثة؛ التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة.
في "واحة الديمقراطيّة" تبقى العسكرة فوق أي انتقاد، فقد نجح المستفيدون من الاحتلال برسم هالة حول كذبة الجيش "الأكثر أخلاقيّة" في العالم! وبذلك تصبح كل التصرفات غير الأخلاقيّة، وكل الجرائم، مباحة، باسم الأمن وباسم المصلحة العامة للشعب "الأفضل في العالم"- شعب الله المختار!
ولا بدّ أن نذكر هنا، حادثة أخرى شبيهة، مع إعلاميّة أخرى معروفة، فخلال العدوان على غزة عام 2009، أبدت الاعلاميّة يونيت ليفي تعاطفها مع الأوضاع الإنسانية في غزة خلال تقديمها لنشرة الأخبار المركزيّة على القناة الإسرائيلية الثانية وقالت: "من الصعب إقناع العالم بأن الحرب عادلة عندما يموت لدينا شخص واحد بينما يموت من الفلسطينيين أكثر من 350 شخصًا". لتصبح بعدها متهمة بالمعاداة للصهيونيّة والتعاطف مع العدو!
ولم تكن جملة ليفي تلك هي الأساس في حملة التحريض ضدّها، بل ان ما أزعج اليمين الإسرائيلي وقياداته في حينها، كانت الدموع التي ذرفتها ليفي في نهاية النشرة الاخباريّة.
مرّت 10 سنوات على الحملة ضد يونيت ليفي، وأصبح الهامش الديمقراطي في إسرائيل ضيقا أكثر، واليمين أقوى وأوقح. في حينه طالبوا بإقالة ليفي، بينما اليوم يطالبون بحياة كوتلر.
كوتلر تصرّ على أن الاحتلال هو السبب الأساسي وبالرغم من التهديدات تكرر: "نحن ندفع الثمن مقابل السّيطرة على حياة شعب آخر، هذه السّيطرة المستمرّة منذ 52 سنة".
(الصورة بعدسة: بهاء نصر/وفا)
إضافة تعقيب