لأنّنا لا نعرف بالعادة كيف نشكر قبل أن ننكسر، أنتدب نفسي عن كثر يشعرون هذه الحاجة للاعتراف بمجهودك غير العادي في أحد الأيّام الكاسرة لتاريخنا وسط موجة إرهاب شرسة يخوضها اليمين الصّهيوني من قبل رئيس وزرائه الحالي ضدّنا كعرب بالدّرجة الأولى. تابعت تحرّكاتك على مستوى القرية والبلدة والمدينة. الحلقات البيتيّة، والجماهيريّة. تواصلك المباشر عبر الفيسبوك مع أبناء شعبك. رسائلك المصوّرة من كلّ مكان وموقع، وتقاريرك المتلفزة حول الرّاهن لفلسطينيي الدّاخل، والأهم زياراتك البيتيّة الخاصّة لأفراد عاديّين بعد حلقاتك البيتيّة. كلّ هذا يعني أنّك حرثت الأرض تحدّيا، ووزّعت روحك على الحياة كلّها. هذا يعني أيضا أنّ هذه الطّاقة الجبّارة والقدرة على التّواصل بإصرار، ومع الشّرائح الّتي ركّبت رأس فلاسفة، وقرّرت أن تمتنع، لم يكن هيّنا، ولا بذات السّلاسة الّتي نعتقدها، لكن انطلاق روحك وطلاقة لسانك هما من مهّدا المسالك الصّعبة تحت قدميك. من يستطيع أن يتبعثر هكذا وعلى مدى أسابيع، مع قلّة النّوم، والسّفر المتواصل غير رجل يعشق بلاده وشعبه لدرجة أن يتجاوز هفواته وإسقاطاته وإساءاته؟
شكرا لك بالنّيابة عن نفسي أوّلا، وآخرين يعترفون بقوّة حضورك في هذا اليوم، في يوم كاسر. ولا أملك كثير ما أقوله حول واقعنا السّياسي أو الحزبي. في هذا اليوم كنت امرأة من شعب يريد أن يعيش بكرامة لذلك قطعتُ 100كم ذهابا وإيابا كي أًصل لصندوقي. من المهمّ أن تشعر بالإنتماء لأفكارك وإنسانيّتك وقوميتّك في مثل يوم مصيريّ كهذا. كان رئيس الحكومة يذكّر بلا نهاية عبر صفحته الفيسبوكيّة بضرورة أن يخرج أنصار اللّيكود للتّصويت، وكان مفرحا أن تحرص أنت كل ثلاث ساعات على تذكير النّاس بضرورة الخروج إلى صناديقهم. النّاس الّذين احتجّوا على انفصال القائمة المشتركة وتفكّكها. أفهم جيّدا أنّك لست مسؤولا عن هذا الواقع وأنّك بذلت ما أمكن لالتئامها ثانية، لكن يبدو أنّنا للآن لم نتعلّم الدّرس جيّدا. لقد فصّلت الأحزاب العربيّة ملابس لا تستوي ومقاس حضورها، وأصرّت كلّ منها أن تكون رأسا، دون حاجة لاستدراك شروط الرّأس الّتي تستدعي طاقات جبّارة لتجنيد عالم عاق في معظمه، يبحث عن ثغرة كي يمرّر من خلالها احتجاجه ونقده. لم تتأمّل الأحزاب مقاساتها جيّدا ولا دائرتها الجغرافيّة لتفهم وزن حضورها، وربّما هو المؤسف بحق حين ندوّر مسائل الانتماء في رؤوسنا ونحاول أن نفهم خارطة طريقنا. أقبل احتجاجات الوسط العربي، وقرفهم من المماحكات الّتي جرت بصدد ترتيب المقاعد في الدّورة الانتخابيّة السّابقة، لكنّي لا أفهم كيف يتركون أصواتهم لصالح الأحزاب اليمينيّة. فالواضح أنّ شجاعتنا الفائقة فتحت طريقا معبّدا لانتفاخ اليمين ومدّ ساقيه.
في يوم كهذا أفهم الانتماء بطريقة أخرى تختلف. لا اترك الخيل وحيدة في ساحات سبقها، تصول حول نفسها، بل أنشئ لها مساحة في رأسي وقلبي، أمدّ روحي مساحات حرّة للرّكض ولو ليوم واحد فقط بعدها أجنّد أفراد موقفي وأواجه. هكذا يشتغل شعب يشعر بمسؤوليّاته التّاريخيّة، وتحدّيات المرحلة.
ما يقلقني الآن صورتنا الآن أمام الرّأي العام الإسرائيلي، وأمام المرايا الّتي تتابعنا في كلّ منعطف وعند كلّ زاوية، مرايانا الشّخصيّة على وجه الخصوص. هل نستطيع أن نحدّق بعيون مفتِّحة إلى أنفسنا ونفخر بإنجازاتنا؟ إذا كنت سأسمع همس النّعم النّهمة الواثقة، فهذا يعني أنّنا لسنا بخير، نحن نقرّ سلفا بهزيمة نكراء أمام ضمائرنا وهويّتنا وانتمائنا.
يا أصدقاء، المسألة ليست مقعدا في برلمان إسرائيلي ومرتّبا شهريّا منتفخا، تعدّونه على فلان وفلان، كما تعتقدون بل مقعدا في ساحة العزّة والإنتماء. هل نثق بقدرتنا على المقاومة أم لا. هل نفهم تدريجنا في سلّم أولويّات الدّولة أم أنّنا نصدّق أنّ عصر السّحر لا يزال ساري المفعول، وبمجرّد أن نضع عصا موسى أمام من يعرقل أيّامنا سيسقط حتما، ويتمرّغ بقار الأعجوبة الّتي تقضي عليه؟ حساباتهم لا تشبه أيّامنا ولا معتقداتنا السّاذجة. نعم معتقداتنا ساذجة لحدّ لا يمكن استيعابه، لا يمكن فرز منطقِهِ من عبثيّتِهِ المطلقة. لقد دار التّاريخ حولنا بألف قدم، وسرق منّا في كلّ مرّة واجهة أمل، ليس لأنّه ضدّنا، بل لأنّه فهم أنّنا يمكن أن نجرِّحَ أنفسنا حفاظا على كبريائنا الرّخو، وأبدأ بقناعاتي. هم لا يعترفون بالكبرياء ولا الكرامة لحظات الحظّ الحاسمة. يُغلقون عليهما درج الخزانة، ويشكّلون عن سواعدهم للمواجهة. يتفرّغون لمستقبلهم ومستقبل أبنائهم، يحسبون نسبهم في أصواتنا وأجسادنا وترابنا وسمائنا أيضا. يحسبون النّسبة الّتي سيقتطعونها من حقّنا فيما لهم. يرسلون مراقبين وهميّين وجواسيس كي يلتقطوا صورا مزيّفة عن حقّنا المشروع وبلا خجل. يعتبرون فعلهم نباهة وبعد نظر. لا يسمّون ما ينجزونه عنصريّة كارهة لوجودنا كعرب. أفلا نتعلّم منهم قليلا كيف ندوّر أيّامنا وعقولنا ومنطقنا؟ خطأ العرب أنّهم دائما يدفعون كرامتهم إلى واجهة الحدث لتتجرّحَ أوّلا، ويتراجعون. الكبرياء مصيبتنا الكبيرة، وعلى طول تاريخنا المشرّف تصرّفنا حتّى تجاه قضايانا العالقة بمشاعر وليس بشعائر. وبقينا شعبا حسّاسا، (פגיע) كما يقولون.
مرّت العاصفة، ولسنا بألف خير، بل بألف سؤال واستفسار، وحساب نفس. لقد فرّت أصواتنا، وأعني أسماءنا إليهم، إلى المقاعد اليمينيّة الّتي ستمثّلني جيّدا خلال الأيّام المقبلة. والغريب أنّني سمعت كثر يتنفّسون، "فليتعلّموا كيف يتعاملون" ماذا سيتعلّمون يا أصدقاء؟ ما أعيه جيّدا أنّ خطابنا الجماهيري وتجاه أنفسنا يحتاج إلى تعديل، وإعادة صياغة. يحتاج برمجة تحدّد أهدافها. لا أعتقد أنّنا نوافق على العمل ضدّ أنفسنا، ولا أوافق أنّنا عدوانيّون وغير مسؤولين، وكلماتي هذه لم تأت لتعلّم بل لتُسائل، أين أخفقنا إذا؟ في أيّ محطّة تاريخيّة أضعنا البوصلة، أو ضيّعتنا. ما حدث ليس خسارة أصوات، بل خسارة أصابع تدقّ على طاولة القرار. وإذا كنت قد أخذت من تجربة ما حدث، فأن أثق بصوتي أنا، وأجمّلهُ بعد الآن بضرورة الإصرار على الحياة. ليس شعارا أن نحبّ الحياة، ولكنّه فعل ملزم كي نبقى. لا أقبل أن نتشوّه بعد الآن بأحقادنا الذّاتيّة غير المفسّرة على أنفسنا، ونحن نملك طاقة جبّارة على تحريك الدّولة. مئة ألف صوت خرجت إلى الأحزاب الّتي تهدّدنا، كيف يحدث أن ننسى أنفسنا خلف الصّناديق ونفوّضها سيفا على رقبة غدنا. لا أفهم المعادلة ولو عُثر على جدول نسبيّ لتعديلها، لا أقبلها. يا أصدقاء، تعوّدوا أن تتجاوزوا كبرياءكم لنصبح أعلى وأنضر وأجمل. ورهاننا الآن على الوعي الشّعوري. علينا أن نصحّح مسار انطلاقتِه، ونتعوّد أن ندفعهُ إلى الفضاء المزدحم بالكواكب وليس القضاء المزدحم بالعناكب. وأعني العناكب الكثيرة الّتي تنتهز كبواتنا فتعشّش في أسقف أنانا الصّعبة..
إضافة تعقيب