نجحت موسكو في لملمة الفصائل الفلسطينية على طاولة الحوار، لأنها تحظى باحترام الكل الفلسطيني، ولأنها دولة عظمى تملك أوراقًا مؤثرة في مواجهة الانحياز الامريكي للمستعمرة الإسرائيلية ضد حقوق الشعب العربي الفلسطيني وتطلعاته المشروعة نحو تحرير وطنه من الاحتلال الأجنبي، وعودة اللاجئين المشردين من مخيمات البؤس والشقاء، واستعادة ممتلكاتهم المنهوبة المسروقة، وفق القرار الأممي 194.
نجاح موسكو يتمثل بثلاثة عوامل هي:
أولًا: إنهاء القطيعة التي وقعت بين فتح وحماس على أثر فشل التوصل إلى تطبيق اتفاق القاهرة لسنة 2017 ، كما قال معتصم حمادة عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية المشارك في الحوار وقال واضحًا "هذه الجلسات ليست لإنهاء الانقسام، بل سعينا من خلال هذا الحوار إلى توفير أرضية تمكننا من وقف التدهور في العلاقات بين الأطراف الفلسطينية، وتوفير الظروف لإعادة الطرفين إلى طاولة حوار وطني شام ".
ثانيًا: إعادة التأكيد على رفض السياسات الأمريكية الإسرائيلية المشتركة القائمة على التنسيق بين واشنطن وتل أبيب وأخطرها الاعتراف الامريكي بالقدس عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية وتداعياتها سلسلة من الخطوات العقابية الامريكية، السياسية والمالية، وانعكاساتها في التطبيقات الاستعمارية العنصرية الإسرائيلية، عبر قانون "يهودية الدولة" وأثرها على المكونات الفلسطينية الثلاثة : على 1 – فلسطينيي مناطق 48، 2- وفلسطينيي مناطق 67، 3- وفلسطينيي المنافي والشتات من اللاجئين والنازحين، وسلسلة عمليات الهدم والتهجير والتضييق بهدف استكمال تهويد القدس، وأسرلة الغور، وتمزيق الضفة بالمستعمرات والشوارع الالتفافية، وحصار غزة وتجويعها .
ثالثًا : إبراز الموقف الفلسطيني الموحد عبر لقاء موسكو في مواجهة اجتماع وارسو التضليلي الذي دعت له واشنطن بحضور العدو الإسرائيلي، بعد فشل المؤتمر الامريكي الإسلامي في أيار 2017 .
خطوات موسكو لم تكن أكثر من روافع سياسية معنوية، لم يكن أحد يراهن على أن تصل إلى أبعد ما وصلت، لسببين: أولهما لأن موسكو ليست بديلة للقاهرة ودورها، بل هي في أحسن الأحوال مكملة لها، وثانيهما أن طرفي الخلاف والانقسام فتح وحماس لا يملكان الإرادة الوطنية، وروح التفاني، وتفتقدان للإيثار، وتقديم التنازلات المتبادلة وصولًا للشراكة الوطنية بينهما، خاصة وأن الأطراف الفلسطينية الثالثة من باقي الفصائل ليسوا بالقدرة على فرض الإرادة والدفع باتجاه إرغام طرفي الانقسام على التلاقي في منتصف الطريق .
فتح تُسيطر منفردة على مؤسسات منظمة التحرير وسلطتها في رام الله وتملك الشرعية الأحادية التي لا تقبل القسمة إلا مع الاحتلال المفروض، وحماس تُسيطر منفردة على قطاع غزة، وتملك سلطة الأمر الواقع الذي يرفض القسمة إلا مع الاحتلال المتفوق بالحصار، وكلاهما يستمد تمويله وشريان بقائه عبر موافقة الاحتلال ورضاه، والاحتلال لا مصلحة له بتلاقي الضفة مع القطاع، وتفاهم فتح وحماس، وكلتاهما تستجيبان فقط لمصالحهما الحزبية الضيقة باستمرارية السيطرة والتحكم بما يتوفر لهما من سلطة ومال ووظائف، وسيبقى الوضع القائم مستمرًا حتى تصل فتح إلى إدراك أهمية الشراكة وتتنازل عن تحكمها وتمسكها بالشرعية منفردة، وأن تصل حماس إلى إدراك أهمية الشراكة وتتنازل عن تحكمها وتسلطها المنفرد على قطاع غزة، وإلى أن تصلا إلى هذه المحطة المستعصية تكون البلاد قد سقطت بالكامل باستثناء قطاع غزة تحت إجراءات الاستيطان والتوسع والتمزيق مما يتطلب برنامجًا آخر غير البرنامج المرحلي الذي أخفق حتى هذا الوقت في تحرير ما تم احتلاله عام 1967، وتحولت السلطة الوطنية المؤقتة وصولًا نحو الدولة المستقلة، إلى سلطة حكم ذاتي ضيق يعيش تحت ما يوفره الاحتلال من هامش للمناورة والتحرك وحق التعبير.
إضافة تعقيب