(ولد في عام 1954م في الطيبة وتوفي في عام 2023م في الطيبة مسقط رأسِهِ)
تعود معرفتي للصديق د. سامي إدريس لسنوات طويلة هنا في هذه الطيّبة الطيّبة. وقد امتاز بهدوئه ورزانته، ولكني في هذه الكلمة التي أتوخى بها أن أوفيه بعض حقه، سأتحدثُ بالأساس عن الفترة التي علّم بها في النَّقب. وفي هذه الفترة بالذّات كنت في هيئات نقابة المعلمين في مجلس ومركز النقابة. وكان د. سامي إدريس (أبو جبران)، مع مجموعة من المعلمات والمعلمين العرب من الشّمال والمقصود من الجليل والمثلث بشماله وجنوبه يعلّمون في مدارس العرب في النقب. هذه المدارس التي افتقر معظمها للبناء الإنساني.. وللشوارع المؤديّة لها ولكل ما هو مريح للمعلم والطالب.. المعلم ليؤدي رسالته.. والطالب ليستطيع استقبال وطلب العلم بسلاسة.. ظروف قاسية للطرفين.
المخلصون من معلمينا وبينهم صديقنا (أبو جبران) رأوا بها رسالة نحو شعبهم وتحديّا لسياسة التمييز العنصري نحو أبناء شعبنا بمعلميه وطلابه. ولكن في هذه الفترة بالذّات بدأ التململ بين المعلمين لفعل شيء ما.. لقرع الخزّان!
نحن نقابيا عالجنا باهتمام ظروف التعليم والمعلمين في النقب. وطرحنا في مركز النقابة قضية مساواتهم بالمعلمين اليهود الذين يعلمون في القرى البعيدة أو الحدودية وأطلقوا عليهم " מורי יישובי הספר". وهم يتقاضون رواتب أكثر من المعلمين في القرى والمدن العادية ولهم تسهيلات أخرى في السكن والسفر إلى آخره.
في هذه الفترة بالذات ظهر التعاون المباشر وغير المباشر مع بعض معلمينا في النقب. وبدأت روح جديده تهب بين المعلمين.. روح المطالبة.. روح عدم الخنوع للأمر الواقع.. روح التنظيم على أساس كفاحي. وهنا برزت المجموعة التي قادها المعلم من الطيبة سامي إدريس والمعلمة من عارة\عرعرة طيبة الذكر نجية عوض (أبو زرقة) مصاروة وغيرهم من الأسماء الذين عبروا عن مطالبهم من خلال مجلة مستقلة كان اسمها كما هي (بواكير)، أدبية ثقافية ذات نكهة كفاحية نقابية وفكرية بما يخص معلمي الشمال في النقب بشكل خاص. والتف حول هذه المجموعة معظم المعلمين العرب في النقب. وكما أزعج السلطة وقض مضاجعها في سنة 1971 إصدار مجلة (الإصلاح)، كمجلة مستقلة ودُعينا أنا والصديق، النقابي فيما بعد، جهاد عقل للتحقيق بناء على ذلك في محطة شرطة الخضيرة.
كان إصدار بواكير في النقب يقض مضاجع قيادة نقابة المعلمين وقيادة وزارة المعارف والسلطة بشكل عام، فبدأت المضايقات للمعلمين بالطرق المعهودة الترغيب والتهديد. وكانت تصلنا الأخبار. ونحمل همومهم وندافع عنهم حتى دون أن نعرف بعضهم شخصيا لأن مطالبهم كانت عادلة.
وقد عملت الوزارة وقيادة النقابة للتخلص من هذه الظاهرة الصحيّة لمعلمينا ولمجتمعنا في مسارين متلازمين التشكيك بهذه القيادة، ومن ناحية أخرى تحقيق بعض المطالب وذلك أيضا من خلال إلحاحنا نحن في النقابة وتفريقهم لمدارس بعيدة عن بعضها البعض ونقل بعض القيادات للشمال، كما حدث للمربية المرحومة نجية أبوزرقة التي نقلت لأم الفحم والبعض لقرى المثلث الشمالي والمثلث الجنوبي والبعض الآخر للجليل وهكذا.
وتواصلتُ مع سامي كذلك كونه أديبا يحب الأدب والثقافة وجامعيا اطلع خلالها على الإصلاح وكتب فيها بعض مقالاته.
وخلال عملي في كلية "اورنيم" الأكاديمية أنشأت مجلة أدبية ثقافية باللغة العربية لطلاب الكلية ومحاضريها لمدة أربع سنوات كمجلة سنوية مقابلة لمجلة " קו נטוי" بالعبرية. وقد سميناها "بواكير" ونشرت الصحف عنها وإذا بسامي يتصل بي بلهجة تساؤل لا تخلو من العتب وربما الغضب: يا أستاذ مفيد هذا اسم مجلتنا في النقب؟ لماذا أخذتموه؟ (طبعا كانت بواكير – النقب- قد صدرت كنشرة لمرة واحدة وتوقفت عن الصدور ولم تعد تصدر).
فهمته جيدا. وأجبته بروح الصداقة: لك الفخر يا د. سامي أن يستعمل اسم مجلتكم مرة أخرى، ومجلتكم كانت تصدر كنشرة لمرة واحدة. ومجلتنا هي بواكير أدبية تصدر داخل الكليّة، لطلاب سيكونون في المستقبل مربين وأدباء. فلنا أيضا الفخر باستعمال أسم مجلة كانت أدبية ومناضلة ونحن بهذا نعيد الحياة للاسم. وأنا شخصيا أعتز بها.
صمت أبو جبران.. وقال: فهمتك.
والآن.. صمت.. بهدوء كما هو، صمت هادئا رزينا وانتقل إلى دار الآخرة، ولكن أفعاله ومؤلفاته ودراساته وأشعاره تنطق وتبقى بيننا، كُتابا ومؤرخين وأهالي الطيبة الكرام وأسرته الصغيرة. فنم هادئا قرير العين يا صديق.
إشارة: ينشر المقال بالتعاون مع مجلة الإصلاح الثقافية.
(عرعرة – المثلث).
إضافة تعقيب