قال رئيس لجنة المتابعة محمد بركة في مقابلة مع راديو "الناس": "نقف الآن أمام حكومة فاشية يقودها نتنياهو وبن غفير، والتي تشكل تهديدًا وجوديًا لنا. حينما يكون البيت تحت التهديد، يجب علينا التغاضي عن اختلاف الآراء بيننا، أن نتكاتف وأن نقف معًا. يجب صياغة برنامج نضالي مشترك لمواجهة هذه الحكومة على كل المستويات: السياسية، القانونية، والتربوية والثقافية". ويقول النائب أحمد الطيبي في مقابلة على إذاعة "الشمس" حول مظاهرة أمام الكنيست: "سمعت خطاب لبيد أمس، الذي يتوجه فيه لليهود لا لكافة المواطنين ويتهم نتنياهو بأنه هو من يشق الشعب.. وفي خطاب آخر لرئيس الموساد السابق، يقول أن هذا الانقلاب القضائي مناهض للصهيونية.. المظاهرة لا تتطرق لنا بتاتًا، هل تتوقع أن ينضم العرب لمظاهرة كهذه! هذا خلاف بين معسكرين ليس بينهما فرق كبير. معسكر الليكود والمستوطنين الجديد الذي يريد أن يأخذ الحكم من معسكر النخبة المهيمنة القديمة التي تحتل وتقمع الفلسطينيين اليوم".
تكمن الصعوبة حين نقسم المشهد إلى "عرب" و "يهود"، أنك لا تستطيع القضاء على الفاشية الإسرائيلية وسعي قادتها للسلطة والقوة بواسطة الانطواء داخل "ذاتك القومية". بل، على العكس من ذلك، من خلال مخاطبة الإسرائيليين كمواطنين متساوين. وهكذا، وهكذا فقط ، يمكن إقناع الاسرائيليين بألا يكونوا شوفينيين ومحتلين كما هم. المطلوب إذن "ابتكار" وعي آخر يشمل الفلسطينيين (وليس "عرب الـ 48" فقط) والإسرائيليين والتوقف عن تنمية هوية الجمهور الفلسطيني في إسرائيل كأقلية قومية منفصلة. في الواقع، هناك العديد من الأسباب للتشاؤم، لكن تشاؤمي لا يتغذى بقوة وتأثير نتنياهو وبن غفير، ولكن بشكل أساسي بسبب غياب تصور مواطنة إسرائيلية مشتركة.
والسؤال هو ما إذا كان انتصار الفاشية، كما كتب يوسي كلاين في هآرتس، يعكس الوجه "الحقيقي" للمجتمع الإسرائيلي أم، على حد تعبير حنين مجادلة، "ما يستحقه اليهود"؟ في رأيي المتواضع، نتيجة الانتخابات نابعة من تجمع عدة ظروف سيئة، وفي ظل ظروف أخرى وعمل مشترك للأحزاب الفلسطينية واليسارية، كان من الممكن أن تكون نتيجة الانتخابات مختلفة تمامًا. على سبيل المثال، من السهل وصف الشكل الذي ستبدو عليه الخارطة السياسية بقائمة مشتركة لكل من يريد الديمقراطية والمساواة في إسرائيل بغض النظر عن الاختلاف في القومية واللغة والدين، والتي كانت ستحقق 15 مقعدًا في الكنيست. قائمة يكون أساسها المبدأ الديمقراطي الإنساني، وهو مبدأ ينعكس في تعريفها ذاته: "المشتركة"، والذي يتجاوز معنى "الوحدة الداخلية للمجتمع العربي". يتجاوزها بمعنى شراكة كل الطبقات والفئات التي تتعرض للتمييز والاستغلال في إسرائيل، وبالمعنى الأيديولوجي كتصور للعدالة و "الصالح العام" كهدف للنضال السياسي.
خلال 5 دقائق فقط، كان من الممكن صياغة برنامج القائمة. برنامج يمكن أن يوافق عليه كل إنسان عاقل، بغض النظر عن قوميته ودينه وأصله وجنسه. القسم الأول من البرنامج سيكون إلغاء الاحتلال وجميع أشكال السيطرة الإسرائيلية على أراضي الدولة الفلسطينية. دمقرطة وعلمنة المؤسسات اليهودية وطقوس ورموز الدولة؛ والسعي من أجل توحيد إسرائيل وفلسطين كدولتين في إطار فيدرالي مشترك.
لهذا، لو كنت مكان القادة الفلسطينيين، كنت سأتوجه إلى الجمهور الفلسطيني في إسرائيل وأقول: "يجب أن نخرج من فقاعتنا ونفهم أن الطريقة الوحيدة لتغيير الواقع هي أن نأخذ دورا فاعلا في النضال على طابع إسرائيل، حتى لا تكون أكثر قومجية يهودية ومحتلة كما هي، ومن هنا الأهمية الكبرى للمشاركة في النضال ضد تهديد حكم اليمين الفاشي الذي يهددنا جميعًا، جميع المواطنين بغض النظر عن دينهم أو أصلهم أو قوميتهم. يجب أن نتعلم من تجربة مانديلا ورفاقه في جنوب إفريقيا وأن نتبنى لغة ميثاق الحرية لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي بموجبه يكون الأساس المحدد هو المواطنة للجميع دون صلة للونهم أو جنسهم أو دينهم أو آرائهم السياسية أو نزعتهم الجنسية. تعكس هذه النقاط المرجعية ديمقراطية تلتزم فيها الحكومة بنظام قانوني أعلى، وهو ما يجسده الدستور، كما سيكون هناك نظام اجتماعي يحترم الثقافة واللغة والحقوق الدينية لجميع فئات المجتمع والحقوق الأساسية لكل إنسان بكونه انسانًا".
يقول محمود ممداني في محاضرة بعنوان "لا مستوطنين، لا أصلانيين": "الاثنية هي مفهوم ثقافي، لا تحدده منطقة معينة. والصعوبة هي في سيطرة مجموعة اثنية على منطقة معينة وتعريفها كبيت قومي. ونتيجة لذلك، تعريف جميع المجموعات الاثنية الأخرى على أنها أقلية. يجب تحديد الأغلبية والأقلية فقط وفقًا لعلاقة القوى السياسية التي تنشأ من خلال العملية الديمقراطية، وليس على أساس الانتماء الاثني".
علاوة على ذلك، بعد 75 عامًا من "النكبة"، من المناسب رؤية دولة إسرائيل في ضوء مسألة "الخطيئة الأصلية"، كما تمت مناقشتها في الفكر والأدب العام منذ أيام سفر التكوين والطرد من جنة عدن إلى يومنا هذا. وهكذا، بالنسبة لأفلاطون، فإن "التكفير" عن الخطيئة هي معرفة "المعيار الصالح". وبحسب بيلاجيوس، أحد آباء الكنيسة، "الطعام القاسي يكسر أسنانه، لكن ليس أسنان أولاده". موقف أشعيا هو أن من يعترف بصدقٍ بخطاياه، يجب يُعامل على أنه "لن يكون أبدًا عدوي، ولن أجلده أبدًا". إذن ما هو، في حالتنا، الاعتراف والعمل الصالح الذي سيكفر حقًا عن خطيئة "النكبة" التي ارتكبها الصهاينة، أسلاف الإسرائيليين؟
قراءة عشوائية للصحافة الفلسطينية في الربع الأول من القرن العشرين كافية لفهم أنه لم يكن الاستيطان اليهودي بذاته، بل الفكرة الصهيونية عن "القومية اليهودية في أرض إسرائيل"، كما تم التعبير عنها في وعد بلفور، هي ما أثار الخوف والكراهية لدى السكان الفلسطينيين، وتستمر منذ ذلك الحين إلى الآن، وهي القوة الدافعة الرئيسية للنزاع حتى يومنا هذا. لذلك، المهم هو الاعتراف بالمجتمع الإسرائيلي الذي نشأ بعد حرب عام 1948. لكن ليس بعد الآن كـ"كيان صهيوني" و/أو "دولة يهودية"، ولكن كمجتمع له العديد من الوجوه والتناقضات التي يمكن ويجب تغييرها حتى لا تبقى قومجية يهودية ومحتلة كما هي.
في الواقع، كما كتب ب. ميخائيل، دولة إسرائيل المحتلة لم تعد ديمقراطية منذ فترة طويلة، بل شبه توتاليتارية. ومع ذلك، لم يأت موظفو "الهاي-تيك" للتظاهر من أجل الصهيونية، ولكن من أجل الديمقراطية، وعليه، من المهم حضور الفلسطينيين والتظاهر بشكل جماعي ليقولوا للمتظاهرين أنه لا ديمقراطية مع الاحتلال، ومع التمييز وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه.
إضافة تعقيب