للوهلة الأولى عنوان الكتاب مستفز لكل شيوعي، ولكن بعد القراءة والمراجعة لم يستفزني لأن الباحث أغفل نقطتين مهمتين في البحث العلمي الموضوعي وهما الانحياز الأولي والسياق الزمكاني، وبهذا يكون الكاتب قد أفرغ نصه من المصداقية بيديه.
كما معروف فإن الكاتب مشهور بعدائه للشيوعية وقد كنت قد قرأت له سابقا الحزب الشيوعي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، وبالرغم من معرفتي بمواقفه وآرائه بالشيوعية والحزب الشيوعي الإسرائيلي تحديدا، قررت قراءة كتابه الجديد لأجد أن الكاتب ما زال يدور بنفس الدوامة محاولا بأي ثمن تشويه تاريخ الشيوعيين في هذه البلاد، ومع هذا أؤكد أن كتابة التاريخ لا يمكن أن تخلو من وجهة النظر والموقف، وأعلم أن المأجورين يحاولون دائما فرض صياغة التاريخ بما ينسجم مع أهواء وإرادة رب نعمتهم ، لكن ذلك لا يعني التنكّر التام لمتطلبات الشجاعة والصدق في البحث الأكاديمي والتأريخ الموضوعي قدر الإمكان. ومع احترامي لحرية البحث وإعادة النظر، فإنني أدعو إلى احترام النهج العلمي والدقة التاريخية في متابعة المواقف وتحليل الأحداث، وليس اتباع المنهج الانتقائي والموجّه، الذي يضع الاستنتاجات سلفا ثم يطوّقها بالاقتباسات المقطوعة أو المنتقاة، أو ذكر أنصاف الحقائق، لتأكيد الهدف المضمر سلفا.
تزييف الحقائق يبدأ من العنوان:
لا يمكن تحديد متى بدأت النكبة؟ هل بدأت منذ بداية الهجرة اليهودية؟ أم هل بدأت منذ وعد بلفور؟ ام منذ بداية الانتداب البريطاني المتآمر مع الصهيونية والرجعية العربية على فلسطين وشعبها؟ وعند الحديث عن الحزب الشيوعي الإسرائيلي هل يقصد الكاتب الحزب الشيوعي الاسرائيلي الحالي؟ أم المراحل السابقة في تاريخ الحزب؟ هل يقصد الحزب الشيوعي الفلسطيني أم عصبة التحرر الوطني أم الحزب الشيوعي الأرض إسرائيلي؟ (مرجعية محمود محارب!) وهل يقصد الحزب الشيوعي قبل الانقسام الأخير عام 1965 أم بعده؟ يجب التأكيد أن الحزب الشيوعي في فلسطين مر بعدة مراحل ، وقد كان اسمه الحزب الشيوعي الفلسطيني، الذي انقسم عام ١٩٤٣ إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني (اليهود الشيوعيون) وعصبة التحرر الوطني التي ضمت العرب ، وكان الانقسام لأسباب فكرية جوهرية وقومية حول الموقف من الصهيونية والحل النهائي للأزمة ، ومعظم المستندات التي يوردها محمود محارب هي عن الفترة تلك وخصوصا منذ شهر ١٢/١٩٤٧ والتي حينها غير الحزب الشيوعي الفلسطيني اسمه للحزب الشيوعي الأرض اسرائيلي وكل ما كتب أو فعل، لا علاقة لعصبة التحرر الوطني (ولا للحزب الشيوعي الاسرائيلي لاحقا ) به ، بل على العكس ترفضه وتعارضه، ولهذا استعمال لعنوان "الحزب الشيوعي الإسرائيلي والنكبة" بينما الحديث يدور عن فترة الانقسام فيه تشويه للحقيقة ورغبة بتحميل الحزب الشيوعي الإسرائيلي وزر عمل ليس مسؤولا عنه وهذا هو التزييف بعينه ، لأن الحزب الشيوعي مر بعدة حقبات فيها النجاحات وفيها الانقسامات وفيها الصواب وأحيانا الخطأ ، وهذا إن دل على شيء انما يدل على النقاش الفكري العميق والتحليل الدقيق لكل مرحلة في بيئة وظروف معقدة جدا وأجواء خطيرة أمنيا وسياسيا لم تمر على أي حزب شيوعي آخر بالعالم، ، وهذه المسيرة الطويلة والعريقة سقط فيها الكثيرون بسبب انتهازيهم او انحرافهم عن الخط السليم، ولكن دائما كان البقاء للأصدق والأكثر مبدئية وإصرارا على الموقف الصحيح (ولا يبقى في الوادي الا حجارته)، واليوم الحزب الشيوعي الإسرائيلي العربي اليهودي موحد الموقف من النكبة ويحمل الحركة الصهيونية والامبريالية والرجعية العربية (بتفاوت طبعا) مسؤولية النكبة. ولهذا كان أجدر بالكاتب للمصداقية العلمية أن يسمي كتابه الحزب الشيوعي الأرض اسرائيلي والنكبة.
لقد زعم "المحارب" العديد من المزاعم التي لا تعتمد على المرجعية الصحيحة والمصادر الموثوقة وهنا بودي التطرق لنقطتين فقط كمثال على عدم دقة المنشور ببحثه ، فالكاتب يشير بالتلميح أحيانا ، وأحيانا أخرى مباشرة إلى دور قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني (اليهود) ومن ثم الحزب الشيوعي الأرض اسرائيلي بصفقة السلاح التشيكية وخاصة مكونيس ودوره بتسهيل هجرة اليهود من أوروبا الشرقية لفلسطين معتمدا بالأساس على أقوال مكونيس نفسه، ولم يحاول إثبات كلامه من أي مصدر معتمد آخر وهذا بحد عينه عمل انتقائي خدمة لنتيجة البحث الموضوعة قبل البحث ، وهي إدانة الحزب الشيوعي الإسرائيلي وتشويه صورته ، ولكن الحقيقة هي أن صفقة السلاح التشيكي والتي كان لها الدور الكبير في حسم الصراع العسكري أكبر بكثير من مكونيس ومن "بطولاته التي يزعمها " وربما سمع عن بعض تفاصيلها وأراد التفاخر بها أمام الإجماع الصهيوني (بعد انقسام 1965 ) وأنه ليس أقل "وطنية" منهم، ولهذا استفاض بالحديث عنها، وقد كتب الكثير عنها وتم تفنيدها سابقا بالوثائق والدلائل، وتكرار هذه الفرية الممجوجة لا يجعل منها حقيقة وشاهد ، بل عناد تافه على نمط "عنزة ولو طارت". وعن الدور المزعوم للاتحاد السوفياتي بها ، اشير الى حقيقة أغفلها الكاتب متعمدا على مبدأ انصاف الحقائق وهي أن الاتحاد السوفياتي أعلن رسميا بعد اكتشاف أمرها أنها "مؤامرة صهيونية دولية" وبحسب المصادر الروسية فقد تمت تصفية أو محاكمة كل من كان له يد من الوزراء والعسكريين التشيك .
وعن دور مكونيس بترتيب وتسهيل هجرة اليهود من أوروبا الشرقية لفلسطين كما يدعي ويقتبس محمود محارب منه (مكونيس ) تأكيدا لنظريته فالقضية كانت بفترة تميزت بتعاطف العالم مع اليهود بعد "كارثتهم" من النازية حتى أن الرئيس الأمريكي ترومان اتصل بنفسه مع الحكومة البريطانية لزيادة عدد المهاجرين اليهود الى 100 ألف، أي أن دول عظمى ساهمت وشاركت بتنظيم هذا الأمر في حين أن الدولة الوحيدة التي لم تسمح بهجرة اليهود من أراضيها هي الاتحاد السوفياتي. ولهذا لا يمكن الاعتماد على شهادة مكونيس منطقيا وعلميا، بالرغم من مواقفه الصهيونية المؤكدة والتي كانت السبب الحاسم في انقسام الحزب عام 1965.
السياقي الزماني والمكاني :
عند التحليل العلمي في مناقشة أي قرار سياسي يجب الأخذ بعين الاعتبار السياق التاريخي للقرار، والسياق التاريخي يعني الظروف التي رافقت اتخاذ هذا القرار تحديدا ولا يمكن تقييم قرار عام 1948 بمفاهيم عام 2020 مثلا لأن هذا الأمر يفقد التقييم موضوعيته ، ومع هذا فإن قرارات ومنشورات الحزب الشيوعي الأرض إسرائيلي الذي امتد منذ 11/1947 حتى 8/1948 فيها انحرافات ،قراءات خاطئة للواقع بمفاهيم ذلك الزمان و تتماهي مع الفكر القومي الصهيوني ولهذا قسم كبير من قيادة هذا الحزب لم تستمر في الحزب الشيوعي الإسرائيلي الحالي ومن استمر حتى عام 1965 -حين تم فرز الحب عن الزوان- أثناء الانقسام حول الموقف من الصهيونية وحركات التحرر في العالم العربي أمثال مكونيس وسنيه (الذي انضم للحزب عام 1955 قادما من الجناح اليساري في مبام ) سقط لاحقا. وقسم آخر مبدئي أصيل أمثال فلنر الذين سبحوا ضد التيار الصهيوني الجارف ووقفوا بحزم وثبات مع إقامة الدولة الفلسطينية والمساواة القومية والمدنية للأقلية الفلسطينية الباقية في إسرائيل، فهل يمكن المقارنة بين الطرفين؟ والسؤال الثاني هل مواقف الحزب الشيوعي الإسرائيلي اليوم تشبه مواقف الحزب الشيوعي الأرض اسرائيلي؟ بالطبع لا، بل هي حتى على النقيض منه، وهذا بسبب ثبات ومبدئية أعضاء عصبة التحرر الوطني الذين انضموا للحزب الشيوعي الاسرائيلي او الاصح اتحدوا مع الشيوعيين اليهود في تشرين الأول من عام 1948، وهنا لا بد من التطرق لبعض القضايا التي يطرحها المحارب محمود في معرض انتقاده للحزب الشيوعي الاسرائيلي وهي : موقف عصبة التحرر من قرار التقسيم ، ودور الشيوعيين العرب حتى الوحدة وما بعدها في مقاومة النكبة ، الأمر الذي أغفله محمود محارب متعمدا لأنه تاريخ الحزب الشيوعي الإسرائيلي الحقيقي.
عند الحديث عن عصبة التحرر الوطني نسمع أسماء العظماء إميل حبيبي وإميل توما وتوفيق طوبي وفؤاد نصار (وغيرهم) ، ويعتقد البعض من كثرة الكتابة عنهم انهم كانوا قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية في ذلك الوقت ، ويتهمهم بعض المغرضين بمسؤوليتهم عن النكبة ويتمادى البعض امثال كاتبنا بالإشارة الى مشاركتهم بالنكبة، وللحقيقة التي لا يعرفها البعض ويتجاهلها البعض الآخر أن هؤلاء العظماء كانوا في العشرينات من عمرهم (توفيق طوبي 26 عاما اميل حبيب 26 عاما اميل توما 29 عاما) وبالرغم من جيلهم الصغير وشح المعلومات المتوفرة لديهم استطاعوا تحليل الواقع بشكل صحيح ودقيق وحاولوا توعية الناس ان هناك مؤامرة ثلاثية على الشعب الفلسطيني من الامبريالية ممثلة ببريطانيا والصهيونية والرجعية العربية ورفعوا شعار مقاومة الاستعمار البريطاني لفلسطين ، وميزوا بين اليهود والحركة الصهيونية واحيانا اتهموا بالخيانة واحيانا تعرضوا لمحاولات قتل ، لم يكن عددهم بالآلاف ولم يتم أخذ رايهم بالقرارات التي تتخذها الهيئة العامة الفلسطينية ، وكثرة الحديث عنهم اليوم لأنهم كانوا الأكثر دقة بتحليل الأوضاع ولأنهم وثقوا مواقفهم كتابة وعملا ، وللحديث عن دورهم في محاولة منع النكبة قبل قيام إسرائيل وتهجير مئات آلاف الفلسطينيين- ولا استعمل ما قبل النكبة ولا ما بعدها لأن النكبة ما زالت مستمرة ليومنا هذا .
ما قبل قيام اسرائيل.
عند الحديث عن عصبة التحرر وقرار التقسيم يظن بعض عن عدم معرفة وبعض آخر عن رغبة في تزييف الحقائق أن العصبة هي صاحبة اقتراح قرار التقسيم بينما الحقيقة أن العصبة عارضت قرار التقسيم ووثقت موقفها من حل الصراع في فلسطين بوثائق تاريخية أهمها:
المذكّرة التي أرسلها مكتب سكرتارية العصبة سنة 1945 إلى رئيس الوزراء البريطاني، كليمنت أتلي وسمتها العقدة الفلسطينية والطريق الى حلها.
تبنّى أعضاء العصبة مواقف مناهضة لمشاريع التقسيم، والتي بدأت تُطرح بعد تقرير لجنة بيل عام 1937 لـ "حلّ الصراع" بين اليهود والفلسطينيين. وجاء فيها أن: "التقسيم هو أخطر حلّ يجرّ البلاد إلى المصائب والاضطرابات الداخلية". وتشرح المذكّرة أن حلّ الوضع يكون عبر إنشاء دولة واحدة ديمقراطية تساوي عمليّاً بين السكان على أساس مواطناتي، وليس على أساس إثني. وورد فيها أيضاً: "نحن لا نعتقد بضرورة أن ينشأ هناك تناقض بين الحقوق الديمقراطية للسكان اليهود في فلسطين وبين الأماني القومية للشعب العربي فيها؛ بل نحن لا نعتبر الحالة الراهنة حالة طبيعية. إن ما قاد إلى هذا الوضع هي السياسة الاعتدائية الاحتلالية للصهيونيين، وما تحمله من أخطار تهدد الشعب العربي، وهي السياسة الرجعية التي انتهجتها الإدارة المحلية".
والوثيقة الثانية هي طريق فلسطين الى الحرية (مذكرة مرفوعة الى الأمم المتحدة) وذلك عندما أقرت دورة الجمعية العامة من نيسان 1947 ارسال لجنة تحقيق إلى فلسطين، ورفضت الهيئة العربية العليا مقابلتها وحظرت على كل الفلسطينيين مقابلتها مع أن نفس الهيئة قابلت كل اللجان السابقة حتى اللجنة الأنجلو أمريكية قبل هذا بعدة أشهر، وقد نصحت العصبة الهيئة العربية العليا بالمثول أمام اللجنة ولكن الهيئة رفضت، ولأجل عدم شق الصف العربي، اكتفت العصبة برفع هذه المذكرة الى الأمم المتحدة وعدم المثول أمام اللجنة. والتي اقرت بها ان الحل هو إقامة دولة ديمقراطية مستقلة في فلسطين وليس تقسيمها.
كان الرفاق في عصبة التحرر الوطني الفلسطينية أول من رفع شعار مقاومة الاستعمار البريطاني في فلسطين، وإقامة الدولة الديمقراطية، للعرب واليهود، في فلسطين، لكن الرجعية العربية الحاكمة، التي أحبطت إضراب سنة 1936، بالتعاون مع "الحليفة بريطانيا العظمى" المرهونة للحركة الصهيونية، وغياب الوعي القيادي السياسي في فلسطين، كل هذه الأمور أدت إلى مشروع التقسيم الذي رفضته العصبة اولا وعادت ووافقت عليه مغلوبة على أمرها، وخوفا من الأسوأ الذي تعرض له شعبنا لاحقا، وما زال يدفع ثمنه دماء وتشريدا ، وليس خضوعا للإملاءات كما يدعي محمود محارب ، فحين وافقت العصبة على التقسيم في شهر 2/1948 كانت القوات الصهيونية قد بدأت باحتلال القرى العربية وابتدأ التهجير والتنكيل بالعرب .
كانوا شباباً يافعين في مقتبل العمر، حين تحدّوا الانتداب البريطاني الإمبريالي والصهيونية الكولونيالية الاستيطانية والرجعية العربية. واستطاعوا التنبؤ بالمستقبل حتى أنهم عملوا على تأسيس "جبهة عربية عليا"، لتقود الشعب الفلسطيني لبر الأمان، عن طريق طرح حل ديمقراطي للقضية الفلسطينية، ونجحوا في التوصل إلى إقامة" الجبهة العربية العليا" في 2 حزيران 1946، والتي شملت عصبة التحرر الوطني، ومؤتمر العمال العرب، وأحزاب الاستقلال والإصلاح، والدفاع، والكتلة الوطنية ومؤتمر الشباب. وحينها أكد سكرتير العصبة، إميل توما، في تموز 1947، خلال مؤتمر صحافي عقده في القدس، رفض مشروع إقامة "الدولة اليهودية" في فلسطين بوصفه مشروعاً لضرب حركة التحرر العربية في المنطقة.“
واليوم في امتحان النتيجة يجمع الغالبية أن موقفهم كان صحيحا بالرغم مما عانوه من تخوين واعتداءات بتلك الفترة وحتى يومنا هذا.
في الفترة ما قبل انقسام 1943 كان الحزب منخرطا بالنضال الوطني الفلسطيني، وكان من أبرز الشواهد على ذلك دعمه لثورة 1936، التي اعتبرها نضالاً مشروعاً. وفي بيان أصدره في العاشر من حزيران 1936، أعلن أن "الاحتلال البريطاني–الصهيوني بات يتطلب مقاومة سريعة وفعّالة، وإلا فإن الشعب العربي، في حال استمرار سياسة النهب الصهيونية، سيفقد بلاده فلسطين إلى الأبد"، (بالرغم من ان هذه المواقف لم تكن محلّ ترحيب من عدد من القيادات اليهودية في الحزب) ، وعندما وصل الاستقطاب أوجه بين المستوطنين اليهود وبين الفلسطينيين في عام 1942، وأدى إلى انقسام الحزب عمودياً بين حزب يهودي، (الذي حافظ على الاسم الرسمي وهو الحزب الشيوعي الفلسطيني ) وبين خروج الأعضاء العرب وتشكيل "عصبة التحرر". حينها عقد الشطر اليهودي مؤتمر الحزب الثامن في آب 1942، وحصل في العام ذاته على رخصة إصدار جريدته الحزبية "كول هعام"، ولاحقاً غيّر الحزب اسمه إلى "الحزب الشيوعي الأرض ــــــــــ إسرائيلي." وتبنّى هذا الحزب تعابير "أرض إسرائيل" و"عرب أرض إسرائيل"، بدلاً من تعابير فلسطين وشعب فلسطين وهؤلاء قد ثبت انحرافهم ولفظتهم الحركة الشيوعية ولا يمكن تحميل الحزب الشيوعي الاسرائيلي الحالي مسؤولية اخطائهم وانحرافاتهم لان خط الحزب الشيوعي الإسرائيلي هو استمرار لخط عصبة التحرر الوطني بالكامل.
واذا اردنا العودة الى الوراء اكثر، وذلك لتأكيد مثابرة الحزب الشيوعي الفلسطيني قبل سيطرة الانتهازيين على اسمه مما أدى الانقسام المشهور عام 1943 يجب الوقوف عند المؤتمر السابع للحزب الذي أكد عند تحليله للدور الذي تلعبه الاقلية الاستيطانية اليهودية في فلسطين أن هذه الأقلية "الواقعة تحت تأثير الصهيونية تلعب دور عميل مباشر للإمبريالية الإنجليزية، تستخدمه في قمع الحركة الوطنية التحررية العربية " وأشار إلى أن الصهيونية "لا تمثل أداة في أيدي الامبريالية الإنجليزية، بل تمثل، أيضا، قاعدة متقدمة، تستخدمها الامبريالية في اضطهاد واستغلال الجماهير العربية ". وكان أحد قراراته المهمة تعريب الحزب وإدخال أعضاء حزب عرب ونشر الفكر الشيوعي بين العمال والفلاحين العرب، وقد أدركت السلطات البريطانية على الفور أهمية الخطة الجديدة التي أقرها المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الفلسطيني ودورها في حال نجاحها في تنشيط عمل الحزب بين صفوف الجماهير العربية الكادحة فقررت تصعيد حملتها القمعية ضد الشيوعيين بهدف منعهم من تطبيق خطة التعريب ،فلم تمض أسابيع قليلة على انتهاء أعمال المؤتمر السابع حتى قامت سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين باعتقال العضوين العربيين في سكرتارية اللجنة المركزية محمود الأطرش ونجاتي صدقي في ١/٢/١٩٣١ وفي عام ١٩٣٢ بلغ عدد المعتقلين من الشيوعيين ٢٠٠ طرد القسم الأكبر منهم خارج فلسطين .
خلال السنوات اللاحقة انتقد الحزب الشيوعي الفلسطيني بشدة القرار الذي اتخذته اللجنة التنفيذية العربية في الثالث من تشرين الثاني ١٩٣٣ "بتأجيل المظاهرات والإضرابات في البلاد إلى إشعار آخر" وأكد أن هذه المناورة التي قامت بها القيادة "القومية-الإصلاحية" جاءت "لتمكين العدو من جمع قواه وإضعاف وتخريب الحركة الثورية في البلاد".
لقد كان أعضاء الحزب الشيوعي الفلسطيني (وتحديدا العرب منهم ) على دراية تامة بمخاطر الهجرة اليهودية التي بدأت بالتزايد بسنوات الثلاثينات ( سنة 1931 -4075 مهاجرا ، سنة 1932- 9553 مهاجرا ، سنة 1933- 30227 مهاجرا ، سنة 1934- 42359 مهاجرا ،وفي سنة 1935 – 61584 مهاجرا ، هذا عدا الهجرة غير القانونية والتي عرفت بالهجرة ب والتي تقدر ب50000) حيث بدأت مخاطر المشروع الصهيوني وحجمه تتضح أكثر فاكثر وان المسالة لم تعد استيعاب مهاجرين بل احتلال الأرض والعمل ، ولهذا في عام ١٩٣٥ في شهر أكتوبر وبعد عودته من موسكو من المؤتمر الشيوعي العالمي السابع الذي أقر تشكيل الجبهة المتحدة ضد الامبريالية تحدث رضوان الحلو(أول أمين عام عربي للحزب الشيوعي الفلسطيني ) عن كيفية تطبيق هذا الشعار في ظروف فلسطين وهي إقامة جبهة موحدة مع أحزاب الحركة الوطنية العربية وأشار إلى أن هذه الجبهة ستقوم في الأساس على قاعدة الأهداف المشتركة التي تجمع الشيوعيين والقوميين العرب النضال ضد الامبريالية الإنجليزية وضد الصهيونية وليس أبدا على قاعدة البرنامج الاجتماعي للحزب وأصدر بيانا تحت عنوان "من أجل تحالف كل العرب واصدقائهم ضد الامبريالية " وتعهد البيان بالنضال ضد "الاستعمار البريطاني الصهيوني المشترك" من أجل "تدمير الصهيونية وإيقاف الهجرة اليهودية وتجريد جميع الصهاينة من السلاح " .
واعتبر الحزب الشيوعي الفلسطيني أن النضال ضد "سياسة الغزو الصهيونية" التي كانت تتم بحماية المدافع البريطانية هو المهمة العاجلة المطروحة أمام الحركة الوطنية العربية في ظروف تلك المرحلة ، وفي النداء الذي أصدره في ١٠/٦/١٩٣٦ تحت عنوان "الانتفاضة في فلسطين " أشار الحزب إلى أن "الاحتلال البريطاني الصهيوني الذي يتوسع باستمرار بات يتطلب مقاومة سريعة وفعالة والا سيفقد الشعب العربي ، من جراء سياسة النهب الصهيونية بلاده فلسطين إلى الأبد ،ومن هنا تضع الحركة العربية التحررية على رأس مطالبها ، مطلب الإيقاف الفوري للهجرة اليهودية باعتبارها هجرة صهيونية ترمي إلى تشكيل أغلبية يهودية في البلاد ".
وفي كتابه الشيوعية والمسألة القومية 1919-1948 يكتب الباحث الفلسطيني ماهر الشريف "وعندما تصاعدت نضالات المجموعات العربية المسلحة في كافة أرجاء فلسطين، دعا الحزب الشيوعي الفلسطيني الجماهير الشعبية إلى دعم تلك المجموعات المسلحة، بكل السبل الممكنة، وطالب أعضاءه بالانخراط في هذه المجموعات و المساهمة بنشاط في نضالاتها. وعلى هذا الأساس، التحق عدد من الشيوعيين العرب بالكفاح المسلح، وكان على رأسهم «نمر عودة» الذي انتخب عام ۱۹۳۷، عضواً في اللجنة المركزية للحزب. وقد برر الحزب لجوء الشعب العربي الفلسطيني إلى الكفاح المسلح كشكل من أشكال النضال في فلسطين، وأكد، في بيان له، أن الحركة الوطنية العربية في فلسطين لا يمكنها أن تقتصر في نضالها على الإضراب العام، كشكل نضالي وحيد خصوصاً وأن إضراب الشعب العربي في فلسطين، لن يكون شاملاً، كما في سوريا، بسبب الدور التخريبي الذي يلعبه الصهاينة. ومن هنا، لا يمكن للشعب العربي في الظروف الراهنة، وفي مواجهة جيش مجهز بالأسلحة الحديثة، من دبابات وطائرات، إلا أن يلجأ إلى استخدام سلاح حرب العصابات".
لم يكتف الشيوعيون العرب بتوعية الناس من مخاطر القادم (التهجير) ووقفوا بأجسادهم أمام شاحنات الترحيل منعا لهجرة العرب خوفا من إرهاب العصابات الصهيونية، وأكدوا في أكثر من موقع ان البقاء والثبات والصبر هو أهم العوامل لدرء القادم الأسوأ (اللجوء) و حتى في مواقع اللجوء سعى الشيوعيون لإعادة اللاجئين، ويذكر محامي الارض حنا نقارة في مذكراته كيف حاولوا إعادة اللاجئين في أواخر تموز من لبنان أواخر تموز ١٩٤٨ وقد ضم الوفد المفاوض باسم اللاجئين أحمد الخليل وحسن حوا وبطرس ملك وحنا نقارة ، وأنقل هنا نص الحوار كما كتبه حنا نقارة مع رئيس وزراء لبنان رياض الصلح.
قال رياض الصلح : "وماذا تقترحون؟" ! قلنا: "عقد مؤتمر ودعوة اللاجئين إلى العودة " وطلبنا أن يوفروا لنا وسائل لنقل النساء والأطفال على الأقل.
قال: "هذا أمر لا يمكننا فعله "
قلنا: " لقد قررتم إغلاق الحدود فنطلب اليكم إصدار تعليماتكم إلى قوات الأمن كي لا تعترض سبيلنا ونحن على استعداد لتشكيل مسيرة من ألوف وعشرات الألوف وقطع الحدود والتوجه إلى مواطننا"
قال : " هذا أمر لا أستطيع أن أفعله " وكان رئيس الوزراء يلبس طربوشا فرفع يده اليمنى فوق الطربوش وقال: " هذه تحتاج إلى أمر من فوق من فوق". وهذه المحادثة ترمز الى الكثير مما أكده الشيوعيون العرب أعضاء الحزب الشيوعي الإسرائيلي لاحقا من ان المؤامرة على الشعب الفلسطيني كبيرة وأن الثالوث الدنس الصهيونية والرجعية العربية والامبريالية تكاتفت على نكبة الشعب الفلسطيني الذي لم تكن قيادته واعية لإدراك المؤامرة ولهذا وافقت عصبة التحرر على قرار التقسيم منعا لمصائب أكبر كما جرى.
في علوم التاريخ لا يمكن بناء موقف أو الوصول الى الحقيقة بناء على أنصاف الحقائق أو أنصاف المعلومات ، واعتماد محمود محارب على مصادر معلومات محددة وانتقائية يؤكد ان الهدف من الكتاب هو ادانة الحزب الشيوعي الاسرائيلي وليس الوصول للحقيقة ، والحقيقة ان هناك مصطلح بعلم التاريخ يدعى التاريخ الزائف، ويعرف علميا بإعادة كتابة الماضي لأغراض شخصية أو سياسية، إذ يعتمد على التزييف باستخدام منهجية تهدف بصورة مزعومة إلى التمسك بالمعايير الراسخة لعملية البحث، مثل الاستخدام الظاهري للحواش والاستشهاد ب"مصادر أولية " ليس بهدف تقديم تحليل رصين عن الماضي بل بغية ترتيب الاحداث ترتيبا غير موضوعي لخدمة فكرة مسبقة، وقد وضع الباحث روبرت تود كارول قائمة معايير لتحديد الأعمال التاريخية الزائفة، قائلًا: "التاريخ الزائف هو التاريخ الذي ينفّذ مهمةً لا بحثًا، إذ يسعى إلى دعم بعض الأجندات السياسية أو الدينية المعاصرة بدلاً من معرفة حقيقة الماضي، وهو الذي يميل إلى الانتقائية في استخدام الوثائق القديمة، مستشهدًا بصورة إيجابية بتلك التي تتناسب مع أجندته (وثائق الحزب الشيوعي الأرض إسرائيلي)، ومتجاهلًا الوثائق التي لا تتناسب معها (وثائق عصبة التحرر الوطني) ويعتبر إمكانية صِحّة أمر ما كافيةً للاعتقاد بأنه صحيح في حال تماشيه مع أجندته، ولهذا يمكن بكل تأكيد اعتبار كتاب محمود محارب المذكور كتاب التاريخ الزائف، لأنه لا يمكن علميا وتاريخيا الحديث عن الحزب الشيوعي الإسرائيلي والنكبة بدون الرجوع لتاريخ عصبة التحرر الوطني والا كان بحثا مزيفا يؤدي مهمة.
إضافة تعقيب