news-details

الحاجّ الفاضل المتفضّل سعيد بركة (أبو محمّد) رمزٌ لجيلٍ جليل| إبراهيم طه

لم أعرف بالضبط حين عزمت لماذا عزمت على الكتابة عن رجلٍ لم تجمعني به الأيّام ولو للحظة عابرة! كلّ ما أعرفه أنّني حننتُ إلى والدي. حننتُ إليه حنينَ وليدٍ إلى والدٍ رحل عن أهله وهو في عزّ قوّته وعافيته، وفي أوج شبابه وعطائه غادر وارتحل. هي نفس الحطّة والعقال بالضبط. والوجه الوسيع نفسه هو هو. تاقت نفسي إليه بحطّته وعقاله ووجهه المدوّر فكتبت. أن تفقد الوالديّة والأبوّة في لحظة واحدة أمرٌ جلل، موجع وحزين ودامع. محمّد بركة ابن السعيد فقدَ والدًا نسله وفقد أبًا ربّاه وأحسن تربيته.. فطوبى لك يا عمّي سعيد على ما جاهدت وعانيت وكابدت ونسلت وربّيت. طوبى لهذا الجيل الجميل!

سمعت المعزّين واحدًا واحدًا يقولون بحقّه كلمة حقّ. هذا الرجل، رحمه الله، عميد آل بركة، كبيرُهم الذي ربّى صغيرهم وأنشأه إنشاءً من صبرٍ وإصرارٍ وجَلَد. هذا الرجل، رحمه الله، وجهتُهم التي إليها يتّجهون وبها يمضون ويستقبلون. لم أعرف الرجل بشخصه ولحمه ودمه رحمه الله. عرفته بجيله رمزًا لجيل أصيل، جيلٍ بخفق القلب ناضل، وبحنجرته وواعيته وذاكرته ناضل وقاتل. على جلده خَبَر النكبة. على جلده ولحمه ودمه وعظامه خَبَرَ التدمير والتهجير. عرفته بمن ربّى وأنشأ. هذا الفرع من ذاك العِرق. لا أكتب لأنّ الرجل أبو محمّد بركة. أكتب لأنّ محمّد بركة هو ابنه. هذا الوالد لا يُعرّف بالوليد بل هو الوليد الذي يُعرّف به. هذا الجيل لا يُسمّى بنسله بل هو نسله الذي يتسمّى به.. فطوبى لهذا الجيل الأصيل!

 "الكبار يموتون والصغار ينسون".. الكبار ظلّوا كبارًا، في الحلّ والمرتحل، بحياتهم وموتهم ظلّوا كبارًا شامخين. والصغار صاروا كبارًا، على هَدْيِ الأوّلين يسيرون ويمضون.. يا دافيد. هذا جيل النكبة، جيلٌ حافظٌ لعهده حتى لا نَنسى ولا نُنسى. جيلٌ يتناقص! بسنّة الحياة التي سنّها الله في خلقه يتناقص يومًا فيومًا. لم يبقَ منه إلا رعيلٌ قليل. كان شابًّا عمّي سعيد ابن سبعة عشر عامًا وقتها، كانا شابًّا "مشوربًا" يعقل ويعرف أنّ ما حصل نكبةٌ لا تُنسى ولا ينبغي لها. كان شابًّا "مشوربًا" يدرك أنّ أول مهمّاته حِفظ الذاكرة. والبركة فيمن خلّفت يا عمّي سعيد وتركت. فطوبى لك وطوبى لهذا الجيل الجليل!

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب