عبر التاريخ وفي كل دول العالم شكّلت ساحات المؤسسات الاكاديميّة والحركات الطلابية متغيّرا صعبًا في معادلة النضال ضد الأفكار الفاشيّة المتصاعدة وضد أشكال القمع على أشكالها، بدءًا بالحراك الأكاديمي في دول أمريكا اللاتينيّة مرورًا بالدول الاوروبيّة قاطبةّ وانتهاءً بنا، أبناء الشعب العربي الفلسطيني في المؤسسات الاكاديميّة الاسرائيليّة.
لا نبالغ ان قلنا، أن الحراك الطلابي التقدّمي في المؤسسات الاكاديميّة الاسرائيليّة هو خط مواجهة متقدم مع قطعان اليمين والفاشيّة، وجزء أساسي ومركزي في نضالات شعبنا والقضايا العادلة وله دوره التاريخي في صياغة وعي جماهيرنا وتوجيه بوصلته الشعبيّة والنضاليّة، إضافة الى تخريجه الاغلبيّة العظمى من قيادات الأحزاب ومؤسسات شعبنا.
ان ما تشهده الساحة الأكاديميّة خلال السنوات الأخيرة من تصعيد يميني خطير بلغ ذروته خلال الأشهر الأخيرة يستوجب التوقف عنده والنهوض بخطّة شاملة واستراتيجيّة عمل تعزل هذه القطعان قبل ان تطلّ برأسها أكثر فأكثر، وتستنهض الحراك الطلابي التقدّمي لأخذ دوره الريادي من جديد وكما يليق به.
الفترة الأخيرة تشهد تصعيدًا غير مسبوق، ففي الجامعة العبريّة في القدس لم يتبقّى محاضر واحد لم يعانِ من مضايقات قطعان اليمين، وفي تل-ابيب وصلت المضايقات ذروتها نهاية الأسبوع الماضي بنشر صور نشطائنا السياسيين والاعتداء على احدهم داخل حرم الجامعة، كل ذلك لوقوفهم ضد الهجمة العدوانيّة على غزّة ودعمًا لنضال الأسرى العادل، هذا بالإضافة الى سموم الخطاب العنصري الذي يبثّه اليمين وقطعانه في باقي المؤسسات الاكاديميّة.
يخطئ من يعتقد انّ هذه الممارسات الفاشيّة هي نتاج الحركات الطلابيّة اليمينيّة فقط، انّ عيون اليمين والفاشيّة موجّهة منذ سنوات نحو المؤسسات الاكاديميّة، نحو الحراك الاكاديمي التقدمي، فعلى رأس مجلس التعليم العالي ووزارة التعليم يقف الفاشي نفتالي بينيت مع اجندة يمينيّة متطرفة تستهدف كل صوت معارض لتوجهاته الفاشيّة بالإضافة الى سلسلة من الوزراء وقيادات الصف الأول في اليمين الحاكم، ومع ما يعد هؤلاء لنا، في الساحات الاكاديميّة، حان الوقت للوقوف عند ما يجري والردّ بشكل يليق بتحديّات هذه المرحلة.
في المقابل، شهد الحراك الطلابي في السنوات الأخيرة تراجعًا مقلقًا، فمع تصاعد الفاشيّة تراجعت القوى التقدّميّة وخفت الحراك الطلابي، لأسباب عدّة، منها خضوع إدارة المؤسسات الاكاديميّة لخطاب التحريض وانتهاجها نهجًا قمعيّا يهدف الى شراء الهدوء المصطنع، الأمر الذي كان له تأثير كبير على المساحة المتاحة لنشاطنا، لكن ليس فقط، ففي حراكنا الطلابي من انتهج نهجًا مضرًا لمسيرة الطلاب الكفاحيّة وحوّل النقاش من مواجهة اليمين وصقل الوعي الوطني والتقدمي لطلابنا الى نقاش مؤسسات المجتمع المدني الخدماتيّ حتّى أصبح التحزّب تهمةً والنضال الكفاحي عيبًا يلاحق صاحبه.
بالإضافة الى ذلك كله، فانّ التراجع الذي يشهده الحراك الشبابي الفلسطيني بشكل عام والحركة الطلابيّة بشكل خاص تأثر بقوّة بتراجع الخطاب السياسي والعمل الوطني التقدمي لشعبنا وذلك في ظل واقع إقليمي يغيّب القضيّة الفلسطينيّة ونضال شعبنا العادل وفي ظل أزمة خانقة وهجوم شرس تعاني منه الشعوب العربيّة والتقدميّة في العالم.
لا حلول سحريّة للتغلّب على اليأس والعزوف عن العمل السياسي الطلابي، لا حلول سحريّة تقلب الصورة خلال أيام كما يتمنّى البعض، لكن هناك عمل منهجي منظّم يجب القيام به من اجل إعادة الاعتبار للحراك الطلابي.
على رأس هذا العمل يجب التوجه والاعتراف بضرورة إعادة الدور التاريخي الذي لعبته الحركات الشبابيّة بشكل عام والحركات الطلابيّة بشكل خاص في تثقيف وصقل الوعي الوطني لطلابنا وتخريج جيل مثقّف واعي وفعّال يساهم في صياغة الخطاب الوطني والثوري وتوظيفه من اجل دفع نضال شعبنا الى الامام، عبر تكثيف النشرات الطلابيّة التثقيفيّة والندوات الثقافيّة بين طلابنا كوسيلة أولى لإعادة الخطاب الوطني الى المؤسسات الاكاديميّة والتغلّب على سياسة التجهيل وابتعاد الطلاب عن العمل السياسي والنشاطات الوطنيّة.
ان المسار التوعوي التثقيفي يكتمل بتوظيفه بحراك طلابي شعبي على ارض الواقع يكون رأس حربة في نضالات شعبنا الكفاحيّة مع مراعاة الخصوصيّة التي تميّز المؤسسات الاكاديمية وعلى رأسها ضرورة الانفتاح نحو شراكات كفاحيّة واسعة بعيدًا عن خطاب التقوقع الانعزالي الذي تقوده أصوات نشاز داخل شعبنا وطلابنا، فتصاعد اليمين الفاشي وكشف اللثام عن وجهه البشع ساهم بشكل كبير في ابراز التناقضات التي تعاني منها الساحة الاسرائيليّة عامّة وإعادة فرز الأفكار والتوجهات بما يتلاءم مع الواقع الجديدـ مما فتح المجال امام شراكات أوسع واختراق فئات جديدة كانت مغلقة لفترة طويلة امام نشاطنا الطلابي.
الاستيعاب والاعتراف بمدى تأثير ودور الحركة الطلابيّة، يرافقها إعادة دورها التوعويّ والتثقيفي مع اتباع أساليب نضال عصريّة تلائم التطوّر الإعلامي وتطلعات الجيل الشاب بالإضافة الى الانفتاح نحو شراكات أوسع مع المحافظة على الثوابت الوطنيّة والتقدميّة كفيل كخطوة أولى لإعادة الهيبة الى الحركة الطلابية ودورها الهام وسيكون له مساهمات كبيرة في دفع نضالنا العادل واضافة نوعيّة غابت لفترة ما عن مؤسسات شعبنا وهيئاته المختلفة.
إضافة تعقيب