كل المرايا المحدبة والمقعرة والمسطحة والملونة لا تستطيع نقل صور الوجوه التي اجتمعت في وارسو عاصمة بولندا، ليتناقشوا في كيفية مواجهة الخطر الإيراني، وجوه عربية قهقهت مع إسرائيل تحت الطاولة حتى وصلت قهقهتها الى ضجيج قلة الحياء – على رأي جدتي – فأعلنت أنها أخذت تأشيرات الانطلاق واحتضان إسرائيل الابنة المدللة للكاوبوي الامريكي .
قالوا ان الزمن المر هو الذي يداوي الجروح، لكن ثبت ان الزمن العربي لا يداوي الجروح بل هو الضوء الساطع الذي يكشف عن الجروح الراقصة الآن على أنغام الحب الإسرائيلي، وما صور اللقاءات التي تتم تحت مسميات وعناوين وشعارات عديدة إلا قوافل تقودها أمريكا للوصول إلى القبيلة إسرائيل، وها هي قد نجحت في جعل القوافل تركع أمام نبع الأمان الإسرائيلي.
سئمنا التفسيرات السياسية وأصابنا الملل من الأناشيد اليومية وعلقنا أوسمة التآمر على الصدور، ونتثاءب عندما يخرج أحد الرؤساء والقادة ويتجشأ بخطاب أجوف لا يحفظ للمواطن العربي الكرامة والكبرياء .
في قمة "وارسو" قطعت جهيزة قول كل رئيس، وتبادل الابتسامات العربية مع نتنياهو واحاديث الود والحنان تؤكد نظرية الفنان عادل امام في مسرحية "شاهد ماشفش حاجة" – متعودة دايمًا.
في القمم العربية كانوا يغرسون في اللحم الفلسطيني العاري بعض الكلمات والشعارات التي سرعان ما تتحول إلى مسامات يتنفس منها الشعب الفلسطيني، ولكن بعد وارسو لا يكفي أن الجسد الفلسطيني لفظه بحر "الحب العربي لنتنياهو"، بل رجع نتنياهو واضعًا أمامه هدفاُ قص ما تبقى من أجنحة الشعب الفلسطيني، وهو خصم رواتب الأسرى، وهذا الخصم معناه تجويع مئات العائلات التي تعيش على هذه الرواتب البسيطة، واهانة للذين قاموا بالتضحية من أجل الوطن، حيث تركوا اسرهم بين زوابع الفقر ورياح الغياب، ولا نعرف كيف سيكون رد السلطة الفلسطينية التي تقوم حكومة نتنياهو بتجريدها من صلاحياتها وقوتها وعنفوانها يومًا بعد يوم، حتى تحولت الى هيكل عظمي أمام الشعب الذي يعيش على أنبوبة غاز – المفاوضات.
في وارسو واصلت الوجوه العربية والأمريكية والإسرائيلية اختلاق حكايات الرعب الإيراني، لكنهم لم يلتفتوا إلى الرعب الإسرائيلي الجاثم امامهم . لم يلتفتوا إلى الصبي – نتنياهو - الجالس امامهم كأنه أحد تلاميذ ملجأ الأيتام، يتستر بملامحه البريئة، لكن يقوم حقيقة بمطاردة الخطوات حتى يجمعها في كيس واحد ويرميها في قاعة الكنيست معلنًا عن الصلح التام مع الدول العربية وانتهاء الحروب .
عندما كان قادة الدول العربية في وارسو يخلطون بين قمح الشعوب وزؤان التجاهل لمطالب الشعب الفلسطيني ويرتدون ملابسهم الرسمية وعنجهيتهم السياسية الفارغة كان هناك أحد الايطاليين ويدعى "ستيفاني سافونا" يعرض فيلمه "طريق سموني" في باريس، حيث فاز بجائزة "لوميير" وقبلها فاز السنة الماضية في مهرجان "كان" السينمائي .
تدور أحداث فيلم "طريق سموني" حول مجزرة "حادث الزيتون" التي وقعت في غزة أثناء عدوان "الرصاص المصبوب" عام 2008 وقد قتل في هذه المذبحة 29 فلسطينيًا غالبيتهم من الأطفال حيث كانوا يختبئون داخل أحد المنازل، مع العلم أن الجيش كان يعلم أن في هذا البيت لا يوجد فيه إلا الأطفال والنساء والشيوخ .
تسع سنوات والمخرج الإيطالي "ستيفاني سافونا" يعمل جاهدًا في هذا الفيلم، حيث قام بصنعه على طريقة الرسوم المتحركة، وقد استطاع إحياء القتلى وجعلهم يتكلمون عن أحاسيسهم، مع العلم ان المخرج استعان بوثائق زوده بها الصليب الأحمر.
ادخال الإيطالي "ستيفاني سافونا" الى أجواء وارسو هدية لهؤلاء الذين سيلفظهم التاريخ يومًا، فحين يكتبون التاريخ لن يكون لهؤلاء أي قيمة تذكر، لكن فيلم "ستيفاني سافونا" سيكون وثيقة دموية لشعب عاش المعاناة من أجل نيل حريته.
إضافة تعقيب