news-details

الشّاعر مجيد حسيسي وداعًا| معين أبو عبيد

تزاحمت في مخيلتي الكلمات، وتسارعت في ذهني العبارات، فوقعت في حيرة شديدة؛ أيها أختار وماذا يسطّر قلمي عن شخصية عملاقة وفريدة لا تكفيها ما لا نهاية له من الصفحات، سيرة ومسيرة؟!

سيرة مشرفة زاخرة حافلة بالعطاء والتضحية والإبداع الأدبي والفكري، وبصمات واضحة وأكيدة في إثراء الحركة الثقافية والتربوية، شاعرنا الكرملي الشامخ الراحل الباقي في القلوب مجيد حسيسي الذي اعتبره، وبحق، مرجعًا على أعلى المستويات.

الحقيقة مهما سطرت الأقلام وعددت إنجازاته ومناقبه الإنسانية فلا يمكنها أن تفيه حقه؛ دمث الأخلاق، الوفاء والعطاء بلا حدود، المواقف المشرفة والإحساس الصادق والصراحة والشفافية، لينال العديد من الألقاب كعملاق الشعر وسمندل الحرية، ركنا ومرجعا وفارسا، هذه الألقاب التي وصل إليها بالمثابرة والإرادة والمعاناة والدفاع عن حرية التعبير ومحاربة الجهل ونبذ العنف والحقد وبناء جسور الألفة بين كافة فئات المجتمع، فلم يكن منحازًا أو داعمًا لأي فئة في اتخاذ موقف صريح.

كتب الراحل للذين يقدرون الكتابة محاولا الابتعاد عن المألوف، التكرار والتقليد والسطحية، من أجل ذلك أبحر عميقا ليصل إلى أسرار الكون والوجود وكنوزه، وفتح حوارًا حضاريًا سيطر على المجال الأدبي والثقافي.

في هذا المقام أقول: شمسك يا مجيد لا تغيب عن وطنك وكرملك الشامخ والعائلة الثقافية والأدبية. رحلت يا شاعرنا المحبوب وتركت لنا إرثا فكريا لا يقدر! نم قرير العين تحرسك أزهار ورياحين ودوالي الكرمل التي تسقيها دموع الأهل والأحبة التي لا تجف.

ذكراك ستبقى عالقة إلى الأبد.  تغمدك الله بواسع رحمته، ولذويك جميل الصبر وحسن العزاء.

 

 

موت المؤلّف

 

 

رشدي الماضي

 

استُقْدِمت مقولة "موت المؤلّف" من الغرب وسُرعان ما تغلغلت في صميم التّصوّرات النَّقْديّة مُلَوِّنةً الأَسئلة التي تتناولها بالبحث الدّراسات الأَدبيَّة المعاصرة، وأَلقت أيضًا في آن بِظلالها على موضوع القراءَة والتّلقي…

   ويذهب عددٌ مِنَ الباحثين إلى أَنَّ هذا الوافِد المُسْتَوْرد جعل دراساتنا الأدبيّة تُمَحْوِر بصورة بارزة الحديث عن التَّأويل أو عن قِراءَة النّصوص قِراءَةً اتُّفق أَنّها إعادةُ ابداع للنَّصّ المَقْروء من جهة، وكذلك التَّركيز على دور المُتلقي وثُمَّ الاحتفاء بالنّصّ وبتحوّلاتِهِ من جهة أخرى فنتج عن ذلك تكاثُر الحديث عن التَّناص والتّداخل بين النُّصوص، وعن الأجناس الأدبيّة والنّصّ وجامعهِ والمينا/نصّ… وهذا ما أدّى إلى إقْصاء المؤلّف والسُّكوت عنه كأنَّهُ مُجرّد قناة يتَّخِذها النّصّ مَعْبرًا ليمر مِن خِلالهِ إلى القارئ.

 

   لكن، وعقب قيام عدد من الباحثين بدراسة شموليّة وشاملة مُعَمَّقة لمقولة موت المؤلِّف "وَصَلَتْ دراساتهم في الغرب أنَّ هذه المقولة ليست مجرّد "مُصطلح نقدي محدود" بل هو "رِواق معرفي" جاء لِيُعبّر عن مُجْمل الكشوفات الحديثة التي تخصُّ علاقة الكلمات بالأشياء وأيضًا علاقة الإنسان بنَفْسِهِ وبالعالم، مِمّا أدّى إلى تأكيدهم أنَّ "الاختلاف" وليس "التّماثل" هو الذي ما فتئ يُؤثّثُ عالمنا الذي نعيش فيهِ، وهذا ما أدّى إلى تعميق الاختلاف بين الدّال والمدلول والدّلالة...

   فكما هو معروف أنَّهُ ليس للكلمات معنى مُحدّد ومعلوم، وهي ليست יوعية تحفظ المعاني. لأنَّ المعنى ليس سوى نتاج علاقة تنشأ بين الكلمات. ولمّا كانت العلاقات المُمْكنة بين الكلمات "لامُتناهية"، فمعنى ذلك أنَّ المعنى نفسه "لا مُتناه".

   وهذا ما عَبّر عنه الفيلسوف دريدا: "الكاتب انّما يُمارس الكتابة داخل لغة وداخل منطق لا يُمْكن لخطابهِ أنّ يتحكّم بنسقهما وقوانينهما وحياتهما الخاصّة تحكّمًا كُليّا، أنَّهُ لا يستعمل اللّغة إلّا بترك النَّسق يتحكّم فيه بطريقة ما وإلى حدّ مُعيّن".

   اذاً، هذا يعني أنّ للكلمات دورها في كل النّصوص التي تبدو، في الظّاهر، ترجمة لرغبات ذات مفردة، أيّ ذات كاتب (مُفْترض) له على النّصّ وعلى الكلمات سلطة مْطلقة، بموجبها يصرفها كما يشاء وتنقاد طَيّعةً له، وهذا ما يؤدي في آن لحظة تَشكّل النَّصّ إلى دخول علاقات مع نصوص أخرى تسكن الكاتب فيحاورها ويتمّلكها سواء قبلها أو رفضها لكونِهِ يتغاير مع مضامينها...

 

 

صور وذكريات

عصر الكورونا والشَّاشات!

يوسف جمّال

أنا وجاري "أبو عصام" لنا في كلِّ أسبوع لقاء.. نلتقي فيه لنتشارك هموم حياتنا، وحياة مجتمعنا وهموم شعبنا..

 انتظرت حضوره إلى بيتنا، المكان الدائم للقائنا في كلِّ خميس فلم يحضر.

 فقلت في نفسي ربما أشغلته الحياة، ولكني قررت الاتصال به زيادة في الاطمئنان..

كانت زوجته على الطرف الثاني من الخط..

انه مصاب بالكورونا.. قالت بصوت يلفُّه القلق والخوف..

منذ متى؟! سألت مقهورًا

منذ يومين.. أجابت باكية..

فتذكَّرت أنه في لقائنا الأخير أخبرني، أنه يشعر بتعب وشيء من الألم، وأن يفكِّر بالذهاب إلى العيادة لإجراء فحص كورونا.

"فقدتُ " آخر صاحب لي.. يحدِّثني وأحدِّثه، أبثُّه آلامي وأستمع إلى نصائحه، ونتبادل الآراء في هذه الدُّنيا وأحوالها، ويستمع إلى شكواي واستمع شكواه.

منذ زمن فصلتنا الشاشات الخرساء عن جميع ما حولنا، وتحوَّلت العيون في زمامنا هذا إلى ألسِنة، فقلّ استعمال الآذان والتصقت العيون بالشاشات.

وكان صديقي "أبو عصام" آخر الألسنة التي تنطق في هذا الزمن الملعون!

والآن فصلته الكورونا عنّي.. أبعدته عنّي وأبعدتني عنه..

وأدخلتني خلف ستار من الصمت والوحدة.

دخلت إلى اعتكاف الكورونا دون أن أصاب بها!

دخلت زوجتي عليَّ، وانتشلتني من غرقي في بئر غرقي، وصاحت بي محذِّرة: "من هان ورايح، مفيش أبو هشام.. بدَّك تجبلنا كورونا من عنده!؟".

رمت بتحذيراتها في وجهي، وعادت بعينيها إلى شاشتها الصغيرة، ولم تمهلني الثواني حتى أردَّ عليها!

 

عرعرة

 

 

 

///عامودين من فوق

راحت الفيراري، مالها الدراجة؟

عودة بشارات

من بين جميع المعروضات في التشكيلة الفاخرة على شرف احتفالات الـ 53 مليار شيكل (المبلغ الذي ادعت القائمة الموحدة بأنه قد خُصّص للمجتمع العربي في الائتلاف الحكومي)، اخترت سيارة فيراري فقط. صحيح أن المائدة عامرة بما لذ وطاب، لكنّ التواضع هو طريقي في الحياة.

بعد فترة وجيزة ستتم المصادقة على ميزانية الدولة وسندخل عصر الوفرة، حيث سيقفز العرب عدة درجات على سلم الثراء. انتهى عهد العلت والخبيزة والمجدرة؛ استعدّوا لتناول الكافيار والمأكولات الشهية التي تُلفظ اسماؤها باللغة الفرنسية فقط. في حينه، كانت هناك ثورة ثراء مماثلة بانتظار الشعب المصري، وعليه قام مغني الفقراء، الشيخ إمام، بتهيئة الناس لعجائب العصر الجديد، فوعدهم بأن "العربيات حتموّن بدل البنزين بارفان".

ولكن وللأسف ها هي الغيرة تتملك إخواننا اليهود، وها هم يبذلون قصارى جهدهم للتنكيد علينا؛ حجاي عميت، في صحيفة "TheMarker"، يقوم بجمع كل المبالغ الموعودة للمجتمع العربي لتصل 34.4 ملياراً. 18 مليار شيكل التي كانت مخصصة للبنية التحتية للمواصلات في المجتمع العربي تم شطبها. حسنًا، حتى 34.5 مليار هي مبلغ كبير بالنسبة لأولئك الذين اعتادوا الجلوس في زاوية المائدة.

لكنّ عميت هذا لا يستسلم، وبدون أي اهتمام بمشاعرنا، يواصل عملية التقليص: فها هو يخصم 10.7 مليار شيكل، التي تم تخصيصها للمجتمع العربي خلال فترة حكومة نتنياهو، في القرار922، ويخصم أيضًا 5 مليارات شيكل تم تخصيصها لاحقًا للمجتمع العربي. ما تبقى الآن، هو 18 مليار شيكل فقط! اخواني وأخواتي، أين اختفت سيارة الفيراري التي وُعدت بها؟

مهلًا، القصة لم تنته بعد. سجلوا لديكم أن نصف هذا المبلغ، حوالي 9 مليار شيكل "غير مثبّت في بنود الميزانية، وهو يعتمد على حسن نية الوزارات"، يهمس عميت في أذاننا. ولذلك، ومعذرة على أنني أخيّب آمالكم: ما المشكلة في استخدام الدراجة؟ تتجوّل في الهواء الطلق وبالقرب من الطبيعةّ. اشتقنا لك يا أمنا الأرض.

ولكن هنا جاء دوري للتساؤل! لماذا يجب تسجيل ميزانية مكافحة الجريمة في المجتمع العربي ضمن ميزانية العرب؟ هل تكلفة مكافحة الجريمة في تل أبيب محسوبة على ميزانية بلدية تل أبيب؟ إنهم يعبثون بأمننا (راجعوا ما كشفه موشيه نوسباوم في قناة "أخبار 12"، بأن "المجرمين في المجتمع العربي هم في الغالب متعاونون مع جهاز الشاباك، وبالتالي هم محصنون")، وبعد ذلك يطلبون منا دفع الفاتورة، لذا يرجى خصم هذه الـ 2.5 مليار شيكل من الميزانية. إذا، فالإنجاز "الهائل" الذي حققته الموحدة هو عمليًا 9 مليار شيكل (بضمنها ميزانية مكافحة الجريمة).

في المقابل، وبدون أن تكون "بيضة القبان"، وبدون الالتزام بقرارات الائتلاف الحكومي، حققت القائمة المشتركة، في عام 2015، مبلغ 15 مليار شيكل لصالح المجتمع العربي. في عام 2017 حققت 3 مليارات أخرى وفي عام 2019، 2 مليار أخرى، أي 20 مليار شيكل، هذا في الوقت الذي يتظاهر فيه أنصار المشتركة ضد حكومة نتنياهو، واليوم ها هم يتمتعون بمثلجات شركة "بن أند جيري" (التي ترفض بيع منتوجاتها في المستوطنات). إنهم يتصرفون على غرار المناضل والملاكم الأسطوري محمد علي كلاي: "حلّق كالفراشة، السع كالنحلة".

وفي الختام، ولنهمل مؤقتًا المليارات المخصصة لتمويل الاحتلال، نضع أمامكم مبلغًا صغيرًا، أخفي عن الأنظار: يخبرنا عميت في تقرير آخر، أن ميزانية الدولة تتضمن 400 مليون شيكل للمؤسسات التوراتية، التي من جملة نشاطاتها العمل على "إنقاذ الأرض" في المناطق المحتلة وكذلك في المدن المختلطة. والسؤال هنا: لماذا لا يتم تسجيل هذا المبلغ لصالح المجتمع العربي؟ فما أسمى هذا العمل: تحرير العرب من الأرض وتحرير الأرض من العرب.

*نشر في "هآرتس"

 

 

 

 

 

 

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب