news-details

العنف المستفحل بيننا ـ أين أخطأنا؟

أين أخطأنا؟ هذا السؤال يطرح ذاته في كل مرحلة من مراحل تقدم المجتمع والشعب، وخاصة في المراحل التي تتبلور فيها شخصيته القومية والسياسية والاجتماعية. إن أبناء هذا الوطن وهذه الأرض قد كونوا شخصيتهم وهويتهم السياسية والقومية بأشكالها المختلفة وهدفها الموحد لتتشكل لوحة من الفسيفساء المترابطة لأبناء هذا الوطن الذي لا تفككه أي معركة انتخابية، سياسية أو بلدية أو أياً كانت، لأن رباط الشعب بالوطن والوطن بالإنسان هو أقوى رباط على وجه الكرة الارضية.

خلال مسيرة النضال الطويلة التي اجتازها الشعب الجالس في هذه الارض ظهرت عده شوائب و"أعشاب برية" لم نعرها أي اهتمام في البداية، لكنها وصلت اليوم إلى نقطة أصبحت من الممكن أن تشوش مسيرتنا نحو تقرير المصير وبلورة فكرنا وهويتنا الذاتية كشعب يمتلك حق الحياة على هذه الأرض، بدون أي تمييز بيننا على أسس دينية أو غيرها،وحق التعبير عن الذات بكل أساليبه وأنواعه، دون خوف وبحرية تامة. حرية تقدس حق الآخر وحريته في التعبير وصقل شخصيته وهويته بالطريقة التي يراها، دون أن يتخطى حرية الآخر وحقه.

أين أخطأنا ونحن نرى العنف مستفحلاً في قرانا ومدننا؟ أين أخطأنا ونحن نسمع العنف الكلامي في حديث جيلنا الصاعد؟ أين أخطأنا ونحن نرى محاولات تهميش المرأة وسحقها ونعتها بكل بذيء الكلام فقط لأنها قررت أن تعبر عن ذاتها بصورة أو مقولة لا تروق لشخص ما؟ إن هذا التهميش واغتصاب الحرية قد أوصلنا إلى منزلق خطر نحو استعمال العنف الجسدي، كما رأينا في الأشهر الاخيرة بشكل خاص. فقتل النساء لمجرد كونهن نساء هو أخطر أنواع العنصرية التي قد تبعدنا عن أهدافنا وتطلعاتنا كشعب له أهدافه القومية والانسانية. والسكوت حياله هو إذعان أمام أولئك الذين يريدون تهميشنا وفرض ثقافتهم علينا وتحويلنا إلى غابة يُقتل فيها كل من لا ينتمي إلى قطيعهم. وهكذا نعود إلى أسفل نقطة كنا قد تخطيناها منذ سنوات الخمسين في القرن الماضي، ونخسر كل ما حققناه من مكاسب، فقط لأننا أهملنا هذه النقاط لزمن طويل، فابتعدنا عن المسار الذي كنا عليه.

في ليلة الجمعة وأنا في طريقي إلى البيت، وإذ بسيارات الشرطة توقف مجموعة من الشباب لفحص نسبة الكحول في أجسامهم. وهذا أمر مهم، طبعًا، لكن أغلب هذه الدوريات تتمترس عادة في مداخل المدن أو القرى العربية المجاورة لمدن يهودية. وهنا يطرح السؤال: أين كانت الشرطة عندما قتلت يارا أيوب، مثلاً؟ لم تكن هنالك أية سيارة شرطة في المنطقة. إن الادعاء بأن بناء مراكز للشرطة داخل المدن والقرى العربية سيخفف من وتيرة العنف هو ادعاء مرفوض، لأن الحد من العنف يأتي من داخلنا، من صلبنا، من عدم قبولنا التام بأي شكل من أشكال العنف.بدلاً من مراكز الشرطة، نريد بناء مؤسسات تعليمية وتربوية وثقافية في مجتمعنا العربي.

إن العنف، بكل أشكاله وأسبابه وأساليبه، سواء كان عنفاً كلاميًا أو جسديًا،  سواء كان في الشارع أو في البيت أو في المدرسة، هو أمر مرفوض رفضاً باتاً. وترفضه أيضاً كل التعاليم والديانات السماوية الثلاث. وقد حذرت هذه التعاليم من العنف ضد المرأة وشددت على أن المرأة ليست سلعة للتداول بها، بلعلينا الاعتراف بحقوقها الكاملة وقبولها كيف ما تختار هي أن تكون وكيفما تشاء هي أن تعيش.

إن استفحال العنف والقتل ضد النساء في مجتمع يعج بالتناقضات والخلافات هو على مسؤوليتنا جميعا. لقدأخطأنا في عدم فهم الديانات السماوية التي تدعو إلى احترام المرأة وتعزيز دورها في المجتمع. وكما قال بولس الرسول، في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس: ليوفِ الرجل المرأة حقها الواجب، وكذلك المرأة للرجل أيضاً. أي،منحهما درجة متساوية في الواجبات والحقوق،مع الاحترام الكامل لحق المرأة على جسدها وذاتها. وكذلك الإسلام، بشموليته وكماله، لم يغفل حقوق المرأة في تشريعاته وأحكامه. فقد جاء الإسلام رافعاً من شأن المرأة ومكرماً لها، كما لم تكّرم في أيّ دينٍ أو حضارةٍ من قبله.فإنّ النساء في الإسلام شقائق الرجال، والأنثى من صغرها مشمولةً في أحكام الإسلام التي تحفظ لها حقّها وكرامتها.

إذن، هنا قد اخطأنا أولاً ـأخطأنا في عدم إطلاق الصرخة من على كل منبر منذ سنين طويلة: كفى لقتل النساء! كفى للعنف ضد النساء! كفى لتشجيع إباحة دم المرأة لمجرد كونها امرأة! كفى للكلام البذيء عن المرأة! كيف لاعتبارها عنصرًا ضعيفًا! كفى لكل تفكير قد يسيء إليها ويمس بحقها! أخطأنا في أننا لم نقف أمام كل مراكز الشرطة في هذه البلاد لنصرخ بصوت عال أنه لا فرق بين دم المرأة العربية والمرأة اليهودية! كفى تجاهلاً وصمّ آذان!

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب