كانت اللغة العربية في إسرائيل منذ قيام الدولة وحتى عشيّة سن قانون القومية لغة رسمية ثانية قانونيًا. لكنها كانت في الغالب مؤكدِّة قولاً مُغَيّبةً فعلاً في جميع الدوائر الرسمية وفي المعاملات والتخاطب بين مؤسسات الدولة وعموم العرب. وكذلك كانت مُغّيبةً في الغالب في المؤسسات العامة والوزارات والمستشفيات ومرافق حياتية مثل الشوارع والمطارات واليافطات الدالة على أسماء المدن. إلا أنه وبالسبب الطابع الرسمي لها كان يمكن التوجه قانونيًا للمحاكم والطلب لإدراجها رسميًا في كل ما ذكرت أعلاه وفي كل حالةٍ كانت فيها مُغَيّبةً. وكانت المحاكم تستجيب قانونيًا للدعاوى المقدّمة للمحكمة من قبل مؤسسات مثل: "عدالة" و "الميزان" و "مؤسسة حقوق الإنسان" وتحكم على الجهة المدّعى عليها بالإنصياع للحكم. لقد كان بالإمكان التوجّه للوزارات المختلفة باللغة العربية وكان بالإمكان الزام الكنيست بالترجمة الفورية للكلمات التي كانت متداولة بين الأعضاء وإمكانية التوجّه لعضو الكنيست العربي في خطابه للأعضاء باللغة العربية. إلا أن كل ذلك كان مغيّبًا وكان الجميع يتعاملون باللغة العبرية.
من المؤسف ان سلطاتنا المحلية كانت تتعامل مع الوزارات المختلفة ومع أي جهة مسؤولة باللغة العبرية وكانت اليافطات الدالة على الشوارع والمؤسسات تظهر أيضًا باللغة العبرية. وفي شوارع البلاد وعلى اليافطات التي كانت تحمل اسم شارع أو اسم بلد، كان أحيانًا يكتب عليها باللغة العربية ولكن بالتهجئة العبرية مثال ذلك كتابة الاسم العربي "عكا" كما يلفظ بالعبرية "عكو" وكتابة "راس الناقورة" كما في العبرية "روش هنكرا" و "بيسان" "بيت شآن" و "بئر السبع" "بئير شيفع"... إلخ. هذا بالإضافة إلى الاجحاف الذي يلحق بلغتنا العربية من قبل السلطات المحلية حين يطلقون على الشوارع أسماء تحمل أرقامًا بدلاً من إطلاق أسماء مشاهير من تاريخ العرب وتراثه، ومستمدًا من حضارتنا العربية والإسلامية وهي كثيرة أمثال: أبن خلدون والغزالي وهارون الرشيد وعمر بن الخطاب وأبو بكر وهارون الرشيد وإبراهيم طوقان والمتنبي والمعري ونزار قباني ومحمود درويش إلى آخر هذه القائمة والتي يمكن إطلاقها على المدارس والمؤسسات بدلاً من المدرسة "أ" والمدرسة الإعدادية "ب"... إلخ
لقد كتبت عن ذلك في مقال لي سابق تحت عنوان "أفيقوا يا عرب" حاثًا فيه السلطات المحلية بان يفيقوا من هذا السبات ويعيدوا للغة العربية وحضارة العرب أمجادها وأن يعملوا على غرس الانتماء الوطني والقومي في نفوس الفلسطينيين وانعاش الذاكرة الفلسطينية والذاكرة التاريخية عندهم وإيقاظهم من نوم التبعيّة واللامبالاة على سلطاتنا المحلية والمسؤولين عن مؤسساتنا الثقافية والاجتماعية العمل على ذلك. لا زلت أذكر ما حدث في بلدة "جت" في المثلث حين أطلق المجلس المحلي اسم "ياسر عرفات" على أحد شوارع القرية والذي عارضته وزارة الداخلية، واضطر المجلس بالذهاب للمحكمة من أجل تثبيت هذا الاسم على هذا الشارع والتصديق عليه. وقد نجحت في ذلك يجب علينا في مثل هذه الحالات عدم التردد في القيام بهذا وعدم الانصياع لوزارة الداخلية التي تعمل شأنها شأن القائمين على أمور العرب في هذه الدولة على محاولة محو وطمس كل ما من شأنه تثبيت الانتماء الحضاري والقومي للأقلية الفلسطينية وتحويلهم إلى فئة تسودها الفئوية والدينية. انني أحيّي المبادرات التي صدرت في بعض مدننا وقرانا عمل ذلك الأمر الذي يبعث على الافتخار بماضينا ويشحن حاضرنا به، مثلما هو الحال في الناصرة وكفرياسيف في إطلاق اسم محمود درويش على المركزين الثقافي في البلدين وعلى إطلاق كثير من المجالس أسماء من تاريخنا على مدارسنا ومؤسساتنا.
هكذا يجب أن نفعل من أجل تثبيت الانتماء والهوية ومن أجل إعلاء شأن اللغة العربية وتعميق الانتماء وإنعاش الذاكرة. ان ما حدث أخيرًا وفي أعقاب سن قانون القومية من اسقاط للغة العربية من كونها لغة رسمية ثانية في إسرائيل والمنّ علينا بإعطائها "مكانة خاصة" في الدولة، لم يأت بشيء جديد، فالأمر هكذا كان فعلاً قبل سن القانون... وهكذا سيستمر إذا لم نعمل بجد ومثابرة على التصدّي لهذه السياسة التي كانت ولا زالت وستبقى تسعى هادفةً طمس وجودنا وطمس هويتنا التي نستمدها من كوننا عربًا نتكلم العربية ونتنفس هواءها كل يوم وكل ساعة ونتوقف عن "عبرنة" لغتنا العربية فهذا عيبُ ثم عيب ثم عيب علينا.
إضافة تعقيب