أخفقت قوات الاحتلال في حصر العمليات الفلسطينية في مناطق محددة من شمال الضفة الغربية واعتبارها موضعية، بل أن اتساع نطاقها الى جنوب الضفة بات سياقا استراتيجيا مختلفا، لا تستطيع مواجهته من دون "خطوات سياسية جوهرية" تجاه الفلسطينيين وتنازلات جوهرية تجاه السلطة الفلسطينية التي يهدف تيار الصهيونية الدينية الممسك بصلاحيات غير مسبوقة، الى تقويضها بما يتناقض مع الجيش والمؤسسة الامنية، ومع اهداف اسرائيل الاستراتيجية اقليميا، الا ان الجيش في حال قرار سياسي سينصاع له.
إن حدوث العملية في الخليل له ايضا رمزيته كونه يحدث في قلب عاصمة المشروع الاستيطاني الاسرائيلي في الضفة الغربية، وذلك ببعدها الجغرافي والديني وللتواجد العسكري المكثف فيها اذافة الى سكنى غلاة المستوطنين فيها بمن فيهم وزراء.
من مؤشرات موجة العمليات الاخيرة نشوء اشكالية اسرائيلية في مسألة توسيع الاستيطان وفقا للموقف السياسي الحاكم خاصة للصهيونية الدينية، عمليا سيجعل امكانية حماية جيش الاحتلال للمستوطنات اكثر تعقيدا وقد يكون من غير الممكن، وفقا للتقديرات العسكرية فإن خيار الطرق الالتفافية الذي نشر عنه موقع واينت بعد عملية حوارة من شأنه ان يمنع نقاط التماس بين الفلسطينيين والاسرائيليين المستوطنين، الا انه وفقا للمصدر ذاته يجعل الطرق الالتفافية اكثر استهدافا بالقنص واكثر احتمالية لقنص اية سيارة او مركبة اسرائيلية تسير في الطريق الالتفافي.
كان لافتا ان نتنياهو اتهم ايران والجهاد الاسلامي بأنهما من يقف وراء "اسناد الارهاب وتوجيهه وتمويله"، في حين اتهم حزب الصهيونية الدينية السلطة الفلسطينية واعتبرها "سلطة الارهاب"، من دلالات هذا التضارب في المواقف أن كل مسؤول اسرائيلي يكيل الاتهامات ويحدد "الجهات المسؤولة" وفقا لرؤيته ولما يخدم سياسته. الا انه توجد تقديرات في شعبة الاستخبارات العسكرية تتفق مع تصريح نتنياهو وتربط بين الجبهات المختلفة في فلسطين واقليميا، وترى بعملية مجيدو قبل بضعة اشهر بأنها تحولا استراتيجيا في هذا الصدد.
بتقديرنا فإن تيار الصهيونية الدينية وبخلاف المؤسسة الأمنية معني بحدوث مواجهة على كل مساحات الضفة الغربية وذلك لخدمة رؤيته في الضم وحسم الصراع مع شعب فلسطين، ويرى هذا التيار بأن اتساع رقعة المواجهة هو الارضية المناسبة لتطبيق "خطة الحسم" وهو يدفع لذلك وبتسارع.
يوجد غليان بين جمهور اليمين الاستيطاني ضد قادته من الصهيونية الدينية وفي مجلس المستوطنات ضد الحكومة والذي اعلن عن عدد من الخطوات لالزام الحكومة بالتصعيد بما في ذلك الاغلاقات وفرض الطوق الدائم على مناطق بأكملها وحتى القيام باجتياح واسع النطاق ومستدام الى حين "قطع دابر الارهاب" حسب قول يوسي دغان رئيس مجلس المستوطنات الاقليمي "شومرون" ومن ابرز قادة المستوطنين. بل وكثر استخدام مفهوم "الانتقال الى وسائل اخرى" و "الانتقام" وصب جل غضبهم على وزير الامن غالانت الذي يتعبرون سياسته "متساهلة" مع الفلسطينيين".
في اعقاب عملية حوارة 19/8 ظهر عامل فلسطيني هام وهو لجان الحماية والحراسة الشعبية، والتي نجحت في توقع الهجمات الارهابية من قبل عصابات المستوطنين وإلتصدي لها وإحباط مخططاتها تجاه حواره وغيرها من البلدات. ويبدو ان هذه التجربة ليست لمرة واحدة بل وانها مخطط لها لتكون حالة ثابتة وواسعة في كل البلدات في المناطق المصنفة ج وهي غالبية مناطق الضفة الغربية وتقع تحت النفوذ الاحتلالي المطلق وهي المناطق المستهدفة في مشروع الضم.
هناك مؤشرات لوعي فلسطيني شعبي بأن الاستيطان وعصاباته ليس قضاء وقدرا على الفلسطينيين، وكذلك الامر بالنسبة الى الاحتلال الذي يتعثر وانتهت المرحلة التي كان فيها احتلالا سهلا للاسرائيليين. بكل اسقاطات ذلك على مشروع توسيع الاستيطان ومضاعفة عدد المستوطنين الذي سيكون من الصعوبة بمكان جذب سكان جدد في واقع امني يستهدفهم ويستهدف امانهم الشخصي والجماعي.
اسرائيليا كان لافتا ان الراي العام الاسرائيلي المنقسم بشكل عميق لم تنعكس فيه روح "الوحدة القومية"، فبعد عملية حوارة بساعات تظاهر عشرات الالاف ضد الانقلاب القضائي ولم يتم الغاء اية مظاهرة، وهذه حالة جديدة تعكس عمق الشرخ الاسرائيلي الهوياتي، كما ان تهجم وزراء المستوطنين على قادة الجيش بات حالة مستدامة، بالاضافة الى عدم اكتراث اوساط واسعة للغاية من المجتمع الاسرائيلي داخل "الخط الاخضر" لما يحدث مع المستوطنين.
الخلاصة: اسرائيليا، قد تسعى الدولة وفقا لتصريح نتنياهو وبسبب ازمتها العميقة واللا-مخرج، للعودة الى سياسة التصفيات والاغتيالات، رغم مخاطرواسقاطات ذلك عليها.
غياب الاجماع القومي الصهيوني بات حالة مستدامة على الاقل في المدى المنظور.
كان بالامكان اعتبار عملية الخليل موضعية، الا ان سياسات دولة الاحتلال التصعيدية ونحو الضم، جعلتها ذات بعد استراتيجي محبط لسياسات الاحتلال ولنواياه.
فلسطينيا فإن عمليتي حوارة والخليل وغيرهما وفي المقابل لجان الحراسة والحماية الشعبية باتت ضرورة قصوى في تعزيز الصمود الفلسطيني وترسيخ الوجود المهدد.
يتغلغل الى الوعي الفلسطيني الشعبي بأن الاستيطان كما الاحتلال ليسا قضاء وقدرا، بل من الممكن وقف وتيرة تقدمهما الى حين التحرر. وهذا دور القيادة والسلطة الفلسطينية.
إضافة تعقيب