news-details

حديث الانتخابات : مَن شقّ القائمة المشتركة؟

كان للدكتور أحمد الطيبي، رئيس ومؤسس "الحركة العربية للتغيير"، دورٌ في طرح إمكانية إنشقاق "القائمة المشتركة". لكن البعض يحمّله ما هو فوق إمكانياته وأبعد عن نيّاته بالادعاء أنه هو الذي شقّها. الذي شق "المشتركة" هي "الحركة الاسلامية الجنوبية" وحليفها حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" اللذان أبرما تحالفًا ثنائيًا إنشقاقيًا بينهما في الوقت التي كانت جهود الاطراف الاخرى ولجنتَيْ المتابعة والرؤساء ولجنة الوفاق الوطني – مستمرة لمنع الانشقاق.

صحيح هو القوْل: تتعدد الاسباب والموت واحد. لكن هذه المقولة لا تعفي لا الطب البيولوجي ولا "التطبيب والتشريح" السياسي من تبيان السبب الاساسي الذي سبّب الوفاة. لا لم "يقتل" الطيبي "المشتركة". وكل ما أراده من وراء مطالبه والاليّة التي إقترحها لتنفيذها هو رفع أسهم وتمثيل حركته في المشتركة، لا شقها.

ظهرت في وسائل الاعلام العربية ومواقع التواصل الاجتماعي العديد من الاسباب التي أدّت إلى الانشقاق. ومنها، أن "المشتركة" كانت محكومة بحتمية فشلها منذ ولادتها، واهتمت بالكراسي وتأسست أصلًا لعبور عائق نسبة الحسم التي ارتفعت من 2% إلى 3,5%. وهي لم تكن نتاجًا لإرادة شعب أراد أن يتوحّد. لم تتسلّح ببرنامج واضح ومحدد، ولم تهتم بالقضايا المطلبية الخدماتية وبتحقيق الانجازات. وحافظت أحزابها على خلافاتها السياسية والفكرية، ولم تفتّش عن المشترك قبل الشراكة، دون أن تتوحّد. و...و... إلخ.

 

الشراكة المنشودة والوحدة الممقوتة

أختلف مع ما أوردته أعلاه من مواقف وحجج قالها البعض جاعلًا منها أسبابًا قادت إلى الانشقاق. لأنه، أولًا، لا يوجد أي عار في إقامة "المشتركة" لضمان عبور نسبة الحسم للتمثيل في البرلمان. وشعبنا وأحزابنا لم يحتكما لإرادة ليبرمان ونتنياهو بتشكيلهما "للمشتركة"، وإنما تحدّيا وأحبطا مخطط إقصائهما كليًا عن الكنيست. وما من عيب في سعي "المشتركة" لتحصيل أكبر عدد ممكن من الكراسي لعضوية البرلمان التشريعية والمنبر الهام لطرح قضايانا وللتأثير لصالحها.

بقدر ما يزداد تمثيلنا في البرلمان وإتقاننا للعمل فيه يزداد تأثير وإسماع صوت قضايانا محليًا وشرق أوسطيًا وعالميًا. وما من عيب حتى في سعي كل حزب من أحزاب "المشتركة" لزيادة عدد كراسيه ضمن الشراكة. العار والعيب هو في جعل الكراسي أهم من الحفاظ على الشراكة ومن إجادة العمل البرلماني.

ثانيًا، تقوم الشراكة على أساس المشترك بين الاحزاب التي أقامتها، لا على أساس الانتماءات الفكرية/الايديولوجية، ولا حتى على أساس الاتفاق الكلي على كل أطياف المواقف السياسية للأحزاب من شتى القضايا. ثالثًا، من التجنّي الادعاء بعدم وجود برنامج محدد وواضح لدى المشتركة. يوجد برنامج كهذا اتفقت عليه وصاغته الاحزاب والحركات الاربعة معًا.

واقتصر جلّ عمل غالبية أعضاء الكتلة البرلمانية للمشتركة على قضايانا المطلبية والوطنية، ضمن ما اصطلحت أحزابنا على تسميته "السلام والمساواة" – "الكرامة والخدمات" – "الهوية القومية والمواطنة المتساوية". هذا عدا عن المسائل العامة بخصوص الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتصدي للعنصرية.

رابعًا، شعبنا هو الذي كان القابلة القانونية والقاعدة الجماهيرية الضاغطة لوجوب الشراكة بين أحزابنا ووقف عداواتها لبعضها البعض. وذلك قبل حتى عقود من سن قانون رفع نسبة الحسم. ومنح شعبنا "المشتركة"  بعد تشكيلها لغالبية أصواته.

خامسًا، تأسست "المشتركة" قبل أربع سنوات بتاريخ 23.12.2015. أي هي ما زالت تجربة طفوليّة من ناحية العُمْر. ومن الطبيعي أن ترافق التجربة الاولى بعض الاخطاء والهفوات بخصوص هيكلتها وتنظيم عملها. اللاطبيعي هو إشغالنا بقضايا ثانوية وسعي بعضنا إلى إلقاء الطفل مع الماء الذي استحم فيه... في البالوعة، بدلًا من تأصيل "المشتركة" وإصلاح ما يجب إصلاحه في بنيتها التنظيمية وفي إدائها البرلماني والجماهيري.

وأخيرًا وليس آخرًا، الايديولوجيات ليست قاعدة للعمل المشترك. وتقوم الشراكة بين المختلفين فكريًا وموقفًا إجتماعيًا; وتستمر الاختلافات حتى في بعض المواقف السياسية من بعض القضايا التي هي ليست من لُبّ وجوهر برنامج الشراكة. وتقوم الشراكة على قاعدة المشترك العام الاساسي للأحزاب في الزمان والمكان المُعْطى والقائم موضوعيًا. وعلى الاحزاب المشاركة أن تلتزم في "المشتركة" بما توافقت عليه من برنامج جامع، إلى جانب المحافظة على استقلاليتها وخصوصيتها فيما يتعداه.

لسنا سردينات محشورات ومعلّبات ومتناسقات طولًا وعرضًا ومكبوسات بزيت الوحدة. وإنما نحن متشاركون رغم إختلافاتنا، ومختلفون رغم شراكتنا. وإذا ما كانت الشراكة ستفرض علينا أن نكون "سردينة" معلّبة بلا طعم او رائحة أو لون... لا نريدها.

 

تجمّع الاسلمة وتأسلُم الشرذمة

أنوّه بدءًا أن ما سأورده أدناه من معلومات عن مسار شق "المشتركة" هو الحقيقة وفقط الحقيقة التي استقيتها ليس فقط من قراءتي وتحليلي لكل ما جرى نشره في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي الالكترونية، وإنما أيضًا من تحقيقاتي وإتصالاتي مع أشخاص من قيادات رباعيّة الاحزاب والحركات المكوّنة للمشتركة ومن بروتوكولات بعض الجلسات. وأتحدى أن يستطيع أحد أن يكذّبها. ولا أنصحه بأن يفعل هذا، لأن غالبيتها موثقة لديّ حتى بالصوت والصورة... أحيانًا.

  • كانت هنالك إمكانية جدية للتجاوب مع مطلب الطيبي – (العادل حسب رأيي) – بزيادة تمثيل حركته ضمن المواقع الـ 13 الاولى. دفعت "الجبهة" بهذا الاتجاه وتنازلت عن نصف المقعد الاضافي خاصتها. أما "الاسلامية" فطالبت بأربعة مقاعد، أي بزيادة تمثيلها (؟!). هي تطالب، دون حق، بزيادة مقعد رابع لها وتتهم الطيبي بأنه يصرّ على زيادة تمثيل حركته ويشق "المشتركة" طمعًا "بالكراسي"! (هذه هي الحقيقة عمّا سمّي في وسائل الاعلام الخلاف على ترتيب المقاعد من رقم 12 إلى 14). وحتى التجمع "المبدئي" جدًا جدًا دعم مطلب الاسلامية أن يكون المقعد 13 مقعدًا إضافيًا لها، رغم علمه أن هذا مطلب غير عادل وسيقود إلى شق "المشتركة".

  • لم تكن خلافات على من يرأس القائمة "المشتركة"، وغير صادقة – (حتى لا أقول كذّابة) – الادعاءات بأن إصرار الجبهة والطيبي أيضًا على رئاسة القائمة قادا إلى شق "المشتركة". الجبهة لم تصر والطيبي لم يطالب بهذا، لا هو ولا المحامي أسامة السعدي الذي كان يفاوض باسم "العربية للتغيير".

  • أعلنت "الجبهة" أكثر من مرة، وكرّرت الامر في المفاوضات، أن الذي قرّر أن يكون رئيس قائمة الجبهة المرشح الاول في القائمة المشتركة في انتخابات عام 2015 هي "الرباعيّة" المكوّنة للمشتركة. وأنها لا تصرّ على رئاسة القائمة ومستعدة لقبول أي إقتراح بهذا الخصوص تتوافق عليه "الرباعيّة". تريدون معرفة مَنْ أصرّ على أن تكون الرئاسة له؟ هو نفسه الذي أصرّ أيضًا على زيادة تمثيل حركته من ثلاثة إلى أربعة أعضاء. أي مثل "المنشار" – طالع ناشر ونازل ناشر.

  • تُعلن الحركات الثلاث – (الجبهة والاسلامية والتجمع) – أنها جاهزة لخوض الانتخابات كل لوحده. لكن "الجبهة" تواصل الاتصالات مع الجميع وتعرض على الاسلامية والتجمع إعلان خوض الانتخابات في قائمة ثلاثية. وفسّرت أن مجرّد هذا الاعلان إلى جانب التواصل مع الطيبي، الذي كان قد أعلن خوضه للإنتخابات في قائمة لوحده، سيقود حتمًا إلى تراجعه. خاصة إذا ما جرى تنازل الاسلامية عن المطالبة بما هو فوق ما تستحقه والموافقة على تخصيص مقعد إضافي للعربية للتغيير.

ترفض "الاسلامية والتجمع" هذا الامر ويعلنان في مؤتمر صحفي لهما أنهما قرّرا خوض الانتخابات في قائمة ثنائية تحالفية لهما ويقومان بدعوة الاخرين للإنضمام لهما، حتى يعود إحياء المشتركة عندها (؟!).

  • يتفاخر "تجمّع الاسلمة" و"تأسلم الشرذمة" في مؤتمرهما الصحفي بتاريخ 20.2.2019 أنه لم تكن عندهما أية مشكلة في تقسيمة المقاعد لقائمتهما. فهما إتفقا على التقسيمة خلال خمس دقائق، لأن المقاعد لا تهمهما. غريب عجيب أن ينطلق بهذا مَنْ شرذم "المشتركة" إصرارًا منه على عدد مقاعده. ثم هما لم يقسّما مقاعد بل اعتمدا بالضبط الحصة المتساوية التي كانت لهما في إطار "المشتركة" سابقًا – ثلاثة نواب لكل طرف والاولوية للإسلامية. وهذا سيتم إذا ما حصلت قائمتهما أصلًا على ستة مقاعد في الانتخابات القادمة.

أما للدكتور مطانس شحادة الذي أعلن أن تحالف التجمع مع الاسلامية هو "التحالف السياسي الطبيعي"(؟!)، وأن الواجب عدم السماح بالتشرذم لأنه يخدم نتنياهو، قام بدعوة الجبهة والعربية بالتحلي بالمسؤولية... فما من جواب لدينا على هكذا كلام سوى: يا أخ مطانس حاول أن تقنع أولًا قاعدة أعضاء حزبك والناخبين عمومًا بهكذا تخرّصات...

 

السيد منصور عباس يناقض عباس منصور

أحصيتُ 12 تصريحًا وموقفًا متناقضًا للدكتور منصور عباس نائب رئيس الحركة الاسلامية ورئيس قائمتها البرلمانية، وذلك على مدى أقل من شهر. وأدلى ببعضها أحيانًا في اليوم نفسه! هذا عدا عن التدوينات العديدة في صفحته الالكترونية الخاصة.

نعرف أن عقارب الساعة تحركها بطارية خفيّة. فمَن يشحنك يا دكتور منصور عباس، علمًا بأنك صاحب مركز مسؤول في الحركة الاسلامية، ولا تمثل ذاتك فقط؟ لقد اشتقنا، بعد قراءة تصريحاتك وتغريداتك المتناقضة، للمواقف المبدئية والعاقلة والمسؤولة التي امتاز بها كل من السيدين والنائبيْن السابقيْن إبراهيم صرصور ومسعود غنايم.

لن أدوّخ القارئ بالاستشهادات من تلك اللامتناهيات في متناقضات تصريحات د. عباس منصور. أكتفي بالقول بأن عباس يصرّح: واجبنا الحفاظ على "المشتركة" وعدم الغرق في محاصصات الكراسي والمراكز، وأدعو الجميع إلى الالتزام بالمشتركة وسيحصل كل طالب مقاعد على حقه وأكثر. فيردّ عليه منصور: نريد أربعة مقاعد للإسلامية ورئاسة المشتركة. وحين يصرّح منصور أن الثلاثية – (الاسلامية والجبهة والتجمع) – ستحافظ على المشتركة وتوسيعها، يجيبه عباس: ستخوض الاسلامية الانتخابات لوحدها لأن إصرار طرف ما على الانسحاب منها – (يقصد الطيبي) – يعني حلّها.

وحين يصرّ عباس على وجوب إقامة تحالفات ثنائية، يردّ عليه منصور قائلًا: إما المشتركة بأطرافها الاربعة أو قوائم مستقلة، ولن يكون هنالك أي تحالف مع الاسلامية الا في إطار المشتركة. لكن حين يعقد منصور تحالفًا مع التجمع يصرّح عباس: هذا ما كنّا نحلم به منذ عشر سنوات. وعندما يقول منصور: أفضّل أن لا يخوض الطيبي الانتخابات وحده وأدعو "الجبهة" و"العربية للتغيير" إلى خوضها معًا، تثور ثائرة عباس فيقول: فوجئتُ من تحالف الجبهة والعربية للتغيير، هذا تحالف غير طبيعي. بناء عليه قل لنا يا سيد منصور عباس: أي شخص نصدق في هذه الدوّامة الانفصامية: عباس أم منصور؟

أخطأ الثنائي الاسلامي والتجمعي بحق حزبيهما ومستقبلهما وشعبنا عمومًا بشقهما للمشتركة. ولا أدعو بهذا إلى محاربتهما. ولكن لا يعقل أن تواصل الجبهة والعربية للتغيير الصمت عن كشف حقيقة ما حصل. من حقنا، نحن الناخبين، أن نعرف الحقيقة أمام هذا السيْل الفائض من المغالطات. ولا أطالب بهذا بالعودة إلى ماضي مشاحنات حزبية القبائل وقبلية الاحزاب، بل أدعو إلى تسليح الناخبين بالحقيقة وفقط بالحقيقة. وأرجو من الثنائي الاسلاموتجمعي أن يفنّدا إذا ما استطاعا أية حقيقة تضمّنها مقالي هذا. وللذي ينشغل بنشر "أفلام" ساقطة بحق النائب الطيبي، ننصحه بأن يزيل الحطب من عينيه قبل أن يدّعي وجود قشة في أعين الاخرين.

وأخيرًا، وردَ في مقال سابق لي: كفانا طبطبة وغمغمة ومسايرة على حساب الجوهر. وأضيف الان أن احترموا عقولنا وسلّحونا بالحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، واعملوا على توعيتنا لا تضليلنا. وأذكّركم بما ورد في الانجيل المقدس: "أن اتبعوا الحق فالحق يحرّركم"، وفي القرآن الكريم: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون". وأسألكم: هل العقل الا بجناحيه يطير؟ وجناحاه هما إيثار الحق والالتزام العملي به. بهذا نصبح وإياكم على إنتصار في العاشر من نيسان. وبغض النظر عن الموقف من التحالف "التجمعي الاسلاموي"، لا نريد له السقوط في الانتخابات.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب