news-details

حق الانتخاب والترشيح حق فلسطيني أصيل

حق الانتخاب والترشيح هو بكل تأكيد تاريخي حق فلسطيني وليس منحة وكرم اسرائيلي. وليس مؤامرة لكي تحقق اسرائيل شرعية كما يتوهم الواهمون. اسرائيل ووالدتها الحركة الصهيوينة حازتا على الشرعية من الدول الاستعمارية التي كانت تسيطر، وما زالت، على العالم لأن اسرائيل ستلعب دورا يسلب الفلسطينيين حقوقهم السياسية كاملة، ومنع العرب في كل دولهم من التحرر الوطني والبناء القومي الوحدوي الحديث، ويكفيكم ما قام به الرئيس الامريكي مؤخرا من تأكيد استعمار القدس والجولان لكي نفهم اين هي اصول شرعية اسرائيل. 

اثبات هذا الحق وتنوير ابناء شعبنا بأحقيته تحت المواطنة الاسرائيلية يحتاج الى فهم تاريخي وسياسي فلسطيني، لا يبدأ التاريخ باقامة اسرائيل او بانتخاباتها، وفي ذلك ساتحدث في مقالي القادم.

وفي نفس الوقت فأن حق المشاركة السياسية وحق انتخاب ممثلينا في اي مؤسسة اسرائيلية عامة هو تأكيد لوجودنا. طالبنا باقامة سلطات محلية وهي جزء من نظام الدولة وتقوم على قوانين سنتها الكنيست. ونطالب بممثلين في ادارة برامج التعليم ومنهج التعليم وهو مؤسسة تقودها وزارة التعليم الاسرائيلية طبقا لقوانين الكنيست. بل اننا نطالب بتمثيل لنا في مؤسسة كولونيالية هي "مديرية اراضي اسرائيل"، ونطالب بتمثيل عادل في مؤسسات مثل شركة الكهرباء وعلينا ان نطالب فورا بممثلين لنا في هيشة الاشراف على الانترنت في اسرائيل، وممثلين في مؤسسة مراقب الدولة الذي وظيفته الرسمية اصلاح دولة اسرائيل. فهل نطالب بكل هذه المؤسسات وهل نمارس حياتنا اليومية والسياسية والاجتماعية والثقافية ضمن قوانين الكنيست ثم نتوهم ان حق الانتخاب اعتراف بشرعية اسرائيل بينما قبول القوانين ليس اعتراف بشرعية اسرائيل !

وجودنا الحقيقي يقرره صوتنا الحر وسياستنا الوطنية والتحررية في اي مؤسسة وبالشراكة النضالية مع كل اسرائيل فتح عينية وادرك الظلم الذي يشكله الطابع الاستعماري للنظام الاسرائيلي. وبدون حضورنا وصراعنا على كل قرار للكنيست ولكل هيئة اسرائيلية عامة فاننا نتحول الى مستقبلين للقرارات ومنفذين للأوامر ودافعي ضرائب بدون صوت وبدون معرفة بمجرى الهيئات والمؤسسات، وبدون التأثير عليها.

اريد ان ازيد النقاش توترا وان اقول لكم ان اسرائيل تخاف من مشاركتنا في هذه المؤسسات، وذلك بارز في تصريحات نتانياهو للتخويف من مشاركتنا الانتخابية، وذلك بارز تاريخيا لكل من يقرأ تاريخنا السياسي تحت المواطنة الاسرائيلية. فالأقصاء التاريخي للحزب الشيوعي الاسرائيلي في الكنيست والرأي العام الذي مارسه بن غوريون وتلاميذه عشرات السنين هو ايضا اثبات على خوف النظام الاسرائيلي وخوف اصحاب السياسات العنصرية من وجودنا في المؤسسات الاسرائيلية العامة.

ما الذي يريده النظام الاسرائيلي، وما الذي مارسته أحزاب الحكم الاسرائيلية؟ انهم يريدون شطبنا بكل طريقة، شطب ارادتنا وشطب ممثلينا الاحرار واصحاب الجرأة والمعرفة من دخول المؤسسات العامة وعندهم أساليب معروفة لذلك.

اسلوبهم واضح جدا: لا تدخلوا الانتخابات بإرادتكم، بل دعوا حكومة اسرائيل تختار بعض الموالين لها ليكونوا ممثلين لكم مطيعين للحكومة ويصوتوا في الكنيست مع بقاء الحكم العسكري، كما حصل فعلا من النواب المطيعين في اكثر من تصويت على اسقاط الحكم العسكري. لا تطالبوا بحقكم في مؤسسات التعليم والطب والرقابة والاراضي والبناء والنقابات لان حكومة اسرائيل وعندما ترى الامر مناسبا ستستجلب بعض شخصياتكم ومتعلميكم المطيعين لكي يكون اداة للحكم في تلك المؤسسات.

لذلك كله، كان تاريخ النضال لاجل الحقوق مرتبط ايضا بالصراع على كل صوت في انتخابات الكنيست، ومرتبط بمبادرات ومواقف ونشاط اعضاء الكنيست من عصبة التحرر الوطني/الحزب الشيوعي الاسرائيلي. لذلك ايضا توجهت حركة الارض للمشاركة في انتخابات الكنيست. ولذلك ايضا اقرت حركة ابناء البلد التاريخية في مؤتمر امتد اياما، نعم اياما طويلة، قرارها التاريخي باستخدام حق النضال البرلماني. ولذلك اوضحت في دراسة شاملة ان حق الانتخاب وممارسة النضال البرلماني ستساهم في دعم حركتنا الشعبية ولكنه في نفس الوقت سيؤدي الى مبادرات احزاب النظام الاسرائيلي بخطوات تقليص حق الانتخاب، سواء بالتحريض المباشر على القوى الوطنية والتحررية المشاركة او بواسطة قوانين جديدة مثل قوانين تقاسم الاصوات حسب قانون بدر-عوفر، او قانون رفع نسبة الحسم، او قوانين تقيد البرنامج السياسية للاحزاب ولكن المقصود هو تقييد البرامج السياسية لاحزاب المعارضة الجذرية، وانا لا اجد استعمال القوائم العربية اسما صحيحا، لذلك اقول احزاب المعارضة الجذرية.

زيادة المشاركة في الانتخابات ضمن احزاب المعارضة الجذرية للنظام الاسرائيلي، تدفع أحزاب النظام الى التضييق على حق الانتخاب والترشيح. ومثال ذلك التضييق على مرشحين لهم تاريخ في الخروج على النظام الاسرائيلي. هكذا سنت الكنيست قانون منع السجناء الأمنيين، اي أسرى الحرية الفلسطينيين الاسرائيليين ورفاقهم الاسرائيليين من المشاركة في الترشيح لانها اعتبرت النضال السري او المسلح نضالا يحمل العار! ولذلك لا يجوز لصاحبه المشاركة السياسية الا بعد 7 سنوات من نهاية تحرره من السجن.

هذا القرار الاخير سنته الكنيست على اثر قيام تنظيمات حركة متسبين بترشيح المناضل الثوري والماركسي العمالي رامي ليفنه على رأس قائمة ثورية اشتراكية لانتخابات الكنيست في منتصف السبعينات. لقد كان رامي ليفنه، سجینا آمنیا فی حین جرى ترشیحه وکان الأمر سابقة تاریخیة بان المرشح عضو في تنظيم شبه سري هو الاتحاد الشيوعي الثوري المتفرع اساسا عن حركة متسبين الاشتراكية المعادية للصهيونية. 

رامي ليفنه كان ايضا ابن رجل مناضل عمالي هو عضو الكنيست الشيوعي ابراهام ليفنه وزوجته المناضلة الشيوعية حافا ليفنه. بعد ترشيح رامي وقيام كتلة القائمة الاشتراكية الثورية بدعاياتها التحررية المعادية للصهيونية في التلفزيون والراديو وبين الناس، قررت الكنيست قانون تقليص الحقوق الذي ذكرته. ولم تكتف الكنيست بذلك بل قامت بمد القانون ليشمل الترشيح للانتخابات المحلية، وعلى هذا الاساس تم للحكومة شطب ترشيحي لرئاسة المجلس المحلي ام الفحم باسم حركة ابناء البلد التاريخية والاوساط الشعبية سنة 1977، تم الشطب ومنعي من الترشيح لاني كنت سجينا امنيا/اسيرا فلسطينيا للمرة الثانية بتهمة المشاركة في عضوية وتأسيس تنظيم ثوري سري، وايضا بتهمة اجراء لقاءات بين رامي ليفنه وقيادي من حركة فتح، بهدف تبادل الرأي والتعاون الثوري بين الطرفين.

كنت اهدف من ترتيب هذا اللقاء بين حركة فتح والاتحاد الشيوعي الثوري الى تقريب فتح لفهم النضال دخل اسرائيل والى تعريفها بوجود قوى ثورية اسرائيلية، ومن جهة اخرى تقريب وجهة منظمة رامي الماركسية الى فهم القيمة التحررية للتعاون مع حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، وليس فقط مع منظمات اليسار الفلسطيني مثل الجبهة الدمقراطية لتحرير فلسطين، التي صارت منذ تأسيسها تنظيما شقيقا في نظر تنظيمات متسبين وكل تفرعاتها. لم اكن عضوا في فتح ولا في الاتحاد الشيوعي الثوري ولكن هدف دفع العمل الثوري الى الامام هو عمل وطني فلسطيني واخلاص للقضية.

 ان تضييقات مساحة الحرية في الانتخابات هو الذي قد يؤدي بالاحزاب المشاركة والجماهير المشاركة الى المقاطعة الجماهيرية وليس الى تبجحات شكلية نخبوية. والمعروف تاريخيا، كما بينت في دراستي 1983، ان الاحزاب الجزائرية شاركت في انتخابات مجلس تشريعي خاضع للحاكم العسكري الفرنسي للجزائر الذي كان خاضعا لوزير الداخلية او وزير المستعمرات الفرنسي، وفيه اغلبية مضمونة قانونيا للمستوطنين المستعمرين الفرنسيين. وبعد تزييف الانتخابات دعت تلك الاحزاب وقادت عملية المقاطعة والتحضير لانطلاقة ثورة الشعب الجزائري التحررية في الخمسينيات الماضية.

اعتقلت انا ورامي ورفاق كثيرين في اثناء كشف التنظيم السري بقيادة داود تركي واودي اديب، كنت انا جزء من ذلك التنظيم ولم يكن رامي ورفيقه ميلي جزءا منه، وانما كانت تهمتها هي اللقاء والتعاون مع منظمة فتح الذي يسميه القانون "وكيل أجنبي"، ولذلك تمت محاكمتي بلائحتي اتهام منفصلتين وليس فقط بلائحة اتهام التنظيم السري.

اعود للانتخابات للكنيست واقول انني، برغم كل ذلك ومع صداقتي مع رامي وميلي ووجود معهما في نفس القسم العام في سجن الرملة، لم اكن طرفا في ترشيح رامي ليفنه للكنيست ولم يكن اي سجين أمني طرف في ذلك، وأكد لي صحة قولي الرفيق في السجن وخارجه محمود/ابو تل الزعتر مصاروة، ونقل لي ايضا تأكيد اودي اديب لذلك. واكيد ان قيادات مثل المرحوم فوزي النمر وجماعته، وفتحي خليل، يوسف منصور، دان فيرد، محمود مصاروة ، محمد خلف، عبد الرحيم عراقي، صبحي نعراني، علي سمنية، عبد المالك دهامشة، داود تركي وشوقي خطيب وحسن عاصلة والد الشهيد أسيل عاصلة، والمرحوم ابراهيم غنايم لم يشاركوا في تأسيس القائمة التي ترأسها رامي ليفنه كرمز وبأمل تحريره من السجن.

كان تشكيل القائمة الاشتراكية الثورية بمبادرة منظمة الاتحاد الشيوعي الثوري وجريدته نضال/מאבק التي صدرت بالعبرية والعربية ووزعت سرا، وانضمت كل فروع متسبين واصدقائها ونشطاء من حركة ابناء البلد التاريخية، خاصة أهالي الأسرى، في دعم تلك القائمة. وكان قائد تنظيم الاتحاد الثوري الشيوعي في ذلك الوقت، إيلان ألبرت، الذي عرفه الجمهور الفلسطيني والاسرائيلي والعالمي لاحقا تحت اسم إيلان هليفي ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في الاشتراكية الدولية واحد إعلامييها في فرنسا واوروبا. ومن ابرز قيادة الاتحاد ايضا طيب الذكر المرحوم شوقي خطيب ورفيق رامي ليفنه الروح بالروح والذي تم تعذيبه بالكهرباء لكي يحصلوا من رامي على اعتراف. 

هكذا نرى كيف ان المشاركة في انتخابات الكنيست كانت دائما مقترنة بالعمل الجماهيري وكانت ايضا من فعل ثوريين مارسوا العمل السري وهيئوا للعمل العسكري الثوري لتحرير فلسطين والطبقة العاملة ولم تنتقص الانتخابات من تاريخهم ولا من مواقفهم الثورية الرافضة للصهيونية والنظام الاسرائيلي كله. الحقائق وحدها تكفي لكي ندافع بجدارة عن حقنا الفلسطيني الاصيل في اختيار ممثلينا في اي مؤسسة عامة وتحت اي نظام سياسي يحكمنا. في المقال القادم توضيح للأصول. والسلام.

   
أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب