حق الشعب بالانتخاب هو حق عظيم حتى تحت الاحتلال وتحت الدكتاتورية. في مناطق فلسطين المحتلة سنة 1967، قاطعت القوى الوطنية الانتخابات البلدية سنة 1973، ولكن نفس القوى وبدعم من منظمة التحرير الفلسطينية اوقفت المقاطعة وشاركت في الانتخابات التالية سنة 1978. وفاز مرشحو الكتلة الوطنية وشكلوا سندا ومداً للحركة الجماهيرية الوطنية. هكذا سطعت ابرز القيادات الشعبية في الضفة الغربية التي اجريت فيها الانتخابات، ومنها النتشة، والشكعة، وخلف، والطويل، والقواسمي، والحمدالله، واخرين لا يقلون اهمية وليت عندي كامل الاسماء.
كانت الانتخابات البلدية في الضفة الغربية اولا وكان قرار الحكومة الاسرائيلية وقوات الاحتلال ان تجري الانتخابات في قطاع غزة لاحقا، فهل تعرفون ما الذي حصل؟
حكومة اسرائيل قامت فورا بالغاء الانتخابات بغزة خوفا من نجاح القيادة الوطنية في مدن وقرى قطاع غزة، وخوفا من تشكيل قيادة وطنية فلسطينية شاملة لكل المناطق المحتلة سنة 1967.
حكومة اسرائيل والادارة المدنية المخابراتية للاحتلال سعت فورا لإلغاء حق الشعب في انتخاب ممثليه وعملت فورا على ابطال مفعول الانتخاب، ولكن هيهات هيهات فقد أدت الانتخابات الى انتعاش الحركة الوطنية والى بث روح النضال والمواجهة في كل البيت.
حكومة إسرائيل قامت فورا بطرد بعض الرؤساء المنتخبين، ثم قام المستوطنون بعمليات اغتيال لرؤساء البلديات، وقام الاحتلال بفصل رؤساء البلديات الذين انتخبهم الشعب رغم وجود جيش الاحتلال، وبعدها قام الاحتلال بطرد بعض الرؤساء، وتعطيل عمل البلديات والمجالس. وبعدها لجأت حكومة الاحتلال وخبراؤها الى تشكيل روابط القرى من فوق وبدون انتخاب بهدف ضرب الحركة الوطنية.
تلك الانتخابات تمت بالرغم من وجود جيش الاحتلال وسيطرة الادارة المدنية المخابراتية، وبالرغم انها لم تجرِ في القدس الشرقية التي كانت اسرائيل قررت ضمها واعتبار سكانها سكان اسرائيل وفرضت عليهم الهوية الزرقاء وفصلتهم عن الضفة وغزة الواقعتين تحت الحكم العسكري المباشر.
شاركت الحركة الوطنية في الانتخابات، بالرغم من ان صلاحيات البلديات والمجالس المحلية كانت محكومة بقرارات وميزانيات وسياسة الادارة المدنية المخابراتية الاسرائيلية، ومحكومة بوجود قوات الاحتلال الاسرائيلية داخل المدن.
هذه هي قوة الانتخابات، انها ميدان يعبر فيه الشعب عن رأيه، وليس شرطها ان تكون انتخابات لمجلس من صلاحياته الغاء الاحتلال! وليس شرطها ان يكون مندوبو الشعب قادرين على سن قوانين تغير الاوضاع وتطرد الاحتلال.
الانتخابات، مقاطعتها والمشاركة بها، هي جزء من استراتيجية العمل الجماهيري، وليست منصة للتميّز كما يحولها اشخاص وحركات ليس عندهم اي تميّز سياسي او نضالي على الاخرين.
فهل ينزل شباب ونشطاء المقاطعة عن دكّة الوهم التي تقوم على اعتبار المقاطعة شكلا ارقى من النضال بينما هي في الحقيقة شكل آخر من قبول الانتخابات، ولذلك هي مسموحة طبقا للقانون الاسرائيلي الذي سنته الكنيست ذاتها؟!
ان التدهور الحاصل اجتماعيا ووعيويا بين صفوف الفلسطينين تحت المواطنة الاسرائيلية يؤكد بأن الانسحاب من المجتمع الى الانانية والى المصلحة الذاتية والى خدمة المؤسسات الامنية والحزبية الحاكمة هو ظاهرة خطيرة، وانها تظهر احيانا وكأنها مقاطعة للسياسة وخاصة للسياسة الوطنية. هذا هو سبب انتشار التشنيعات على كل اطراف الحركة الوطنية، وهذا هو ايضا سر نجاح دعاة الانفصال والتميز الوهمي.
ان استراتيجية العمل الجماهيري والنضال الحقيقي اليوم تتطلب المشاركة الواسعة والنشيطة في التصويت والانتخاب ودحر اتباع أحزاب الحكم ودعم أحزاب المعارضة الجذرية ودعم اعضائها الفلسطينيين والاسرائيليين.
فهل من يراجع الدروس ويتعلم ويعتبر؟!
إضافة تعقيب