الجميع انتظر بفارغ الصبر خطاب الأمين العام لحزب الله لمعرفة مدى إمكانية توسع الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة الى الجبهة الشمالية، ومنها ربما الى جبهات أخرى حتى الحرب الإقليمية.
خطاب نصر الله جاء ما دون توقعات المراهنين على تفجر الوضع الإقليمي، والذين اعتبروا ان الفرصة قد حانت لشن حرب إقليمية على إسرائيل ليأتي نصر الله بخطابه ويزيد الغموض على موقفه.
في هذا المقال القصير أريد التأكيد على النقاط الرئيسية التي تحدث عنها نصر الله وما هي الرسائل التي تخفيها هذه النقاط لجهة السيناريوهات المحتملة لتطور الحرب، خصوصا على الجبهة الشمالية.
قدم الأمين العام لحزب الله في خطابه خطين أحمرين ونقطتين إضافيتين يجب التوقف عندها: أما الخط الأحمر الأول فهو سقوط حماس وانهاء سيطرة حماس بشكل كامل على غزة، حزب الله ومن ورائه أيضا إيران يعتبر ان هذا الأمر مرفوض بالمطلق، وان انتصار حماس في غزة هو بالمحافظة على وجودها وعلى سيطرتها على قطعة من فلسطين التاريخية مع كل ما يحمل ذلك من البعد الاستراتيجي والرمزي "لمحور المقاومة"؛ هذا الخط الأحمر يتصادم بشكل كامل مع الأهداف المعلنة للحكومة الإسرائيلية في بداية الحرب على غزة وهي الاقتلاع الكامل لحماس من قطاع غزة "وتنظيف" القطاع بالكامل من المقاومة الفلسطينية. بالتالي، اذا حافظت كلا الجهتين على "كلمتهما" فنحن في مسار صدام سيتوسع بشكل كبير لاحقا. لكن الأمر يتعلق طبعا بعوامل كثيرة إضافية، منها على سبيل المثال لا الحصر ضغط أمريكي متصاعد من أجل وقف الحرب نتيجة الضغوط السياسية على إدارة الرئيس بايدن، والذي بدأت حظوظه بإعادة الانتخاب تتراجع نتيجة الحرب ونتيجة بدء فقدانه لأجزاء من المصوتين الديمقراطيين التقدميين وخصوصا من الجيل الشاب.
الخط الأحمر الإضافي الذي رسمه نصر الله هو توسيع العمليات الإسرائيلية في الجنوب اللبناني واستهداف المدنيين في الجنوب اللبناني. بمعنى أن حزب الله يمكنه احتواء الضربات العسكرية المتبادلة طالما كانت هذه الضربات موجهة الى العسكر من كلا الجهتين لكن إمكانية التدحرج الى حرب أوسع قائمة مع استهداف مدنيين لبنانيين في جنوب لبنان وهو الأمر الذي يستتبعه إطلاق صواريخ الحزب الى مسافات أبعد في الشمال الإسرائيلي، وتوجيهها أيضا الى أهداف مدنية وليس فقط عسكرية كما هو الحال حتى الآن. وكما يمكن التخيل هنا أيضا، فإن الأمر يمكن ان ينتج عن خطأ أو إصابة غير مقصودة للمدنيين أو ربما نتيجة معلومات استخبارية غير دقيقة كما حصل أمس الأول على سبيل المثال حيث استهدفت إسرائيل سيارة لمدنيين لبنانيين في الجنوب مما أدى الى رفع حدة ضربات حزب الله لكريات شمونة نتيجة لذلك، لكن حتى الساعة هذه الضربات لم تتدحرج لأكثر من ذلك.
هذان الخطان الأحمران متعلقان كما رأينا بالكثير من العوامل الإضافية التي من الممكن أن تؤثر على مدى اتساع الجبهة الشمالية، من هذه العوامل مدى رغبة الحكومة الإسرائيلية ونتنياهو بشكل خاص بالدخول في مغامرة كبيرة من أجل محو كل الإخفاقات الأمنية، السياسية والقضائية الخاصة به من خلال القفز الى الأمام. عامل آخر هو مدى رغبة حزب الله "التغدي بإسرائيل قبل أن تتعشى هي عليه"، فالقيادات الإسرائيلية وخصوصا وزير الأمن يقولون بشكل واضح أنه بعد الفراغ من التعامل مع غزة ستتوجه القوات الإسرائيلية للتعامل مع الخطر من الشمال، بالتالي فإن حزب الله قد يقوم بانتظار "توحيل" الجيش الإسرائيلي أكثر في رمال غزة من أجل البدء بضربة استباقية لإسرائيل وهو أمر وارد على الرغم من كل تعقيدات الوضع اللبناني والوجود الأمريكي في المتوسط.
وعلى ذكر الوجود الأمريكي من المهم الانتباه الى نقطتين مهمتين في خطاب نصر الله، الأولى هي تأكيده على أن العملية التي جرت في غلاف غزة في السابع من تشرين الأول هي عملية فلسطينية خالصة، والمقصود هنا من جهة أن يعطي "لكل ذي حق حقه"، لكن من الجهة الأخرى هي النأي بحزب الله وبإيران عن السابع من تشرين لكن التأكيد على أن كل ما يتبع ذلك هو من شأنهم، وفي كل ما جرى ويجري منذ الثامن من تشرين الأول فإن لحزب الله ما يقوله فيه وما يؤثر عليه. وهذه الرسالة ليست موجهة أساسا الى إسرائيل وانما في الأساس للولايات المتحدة الأمريكية، والتي يعتبرها الحزب أنها العنوان الرئيسي لرسائله وأنها صاحبة مفتاح تسيير الحرب الحالية.
وهو الأمر الذي يقودنا الى النقطة الهامة الأخرى والأخيرة في خطاب نصرالله وهي الحديث المباشر للأمريكان وتأكيده ان حزب الله لن يردعه وجود حاملات الطائرات الأمريكية مستعيدا من الذاكرة التواجد الأمريكي في لبنان في بداية الثمانينات من القرن الماضي، حيث تم تفجير الثكنات والقواعد العسكرية الأمريكية في ذلك الوقت وخصوصا في أكتوبر من العام ١٩٨٣، عام ونصف قبل الإعلان الرسمي عن قيام حزب الله في لبنان، وأكد نصر الله ان هؤلاء الذين قاموا بهذه العمليات "لا زالوا على قيد الحياة بالإضافة الى أبنائهم وأحفادهم"، وهو أقرب تصريح لأخذ المسؤولية عن هذه التفجيرات من قبل حزب الله حتى الان (وان لم يكن بشكل مباشر)، وكان حزب الله دائما ما كان ينفي ضلوعه المباشر بهذه التفجيرات سابقا على الرغم من تأييده لها.
إذن، ومن هذا الاستعراض القصير لأهم ما جاء في خطاب الأمين العام لحزب الله نلاحظ التعقيدات الكثيرة والخيوط المتشابكة للعوامل المختلفة المؤثرة على إمكانية تطور الحرب الحالية لتتحول الى حرب إقليمية. ما هو واضح أن حزب الله لا يفضل تطور هذه الحرب لكن هناك سيناريو ليس خيالي بأن تتدحرج الأمور الى حرب لن يكن بها منتصر وانما فقط خاسرين وبالأساس من المدنيين.
*محاضر وباحث في قسم تاريخ الشرق الأوسط – جامعة تل أبيب.
إضافة تعقيب