الفلّاح الصّغير، ذو الخمس زيتونات، السّاكن في داخلي، يشدّني في هذه الأيّام إلى الحقل والأمطار والأشجار والأزهار فأحمد الله تعالى لأنّ أمطار هذا الشّتاء كانت غريزة حتّى أنّها جرفت تراب الهضاب والأنجاد، وغمرت الوديان الوهاد فنبز الفطر، ملبّيًا هزيم الرّعد، فسارع الأثرياء وسلبوا الفقراء خبزهم ولحمهم، كما تفتّح النّرجس، صديقنا وأخونا وحبيبنا، قرّة العين وسويداء القلب، تفتّح في المنخفضات والقيعان، وعلى ضفاف الحياة، فأقبلنا عليًا قطفًا وضمًّا وشمًّا. نحن لك وأنت لنا. أنت ملهاتنا ومأساتنا، ونعدك أن ندفع المهر على أطلال دير ياسين (تذكّروا التّاريخ). ومن لا يقدر على صعود جبال القدس فلّيعتمر على أطلال مخيّم جنين (وتذكّروا التّاريخ أيضًا)، ولا تسألوني عمّن سيدفع أجرة الزّمّار أو حفّار القبور، فقد اختلط سُكّرنا بملحنا، وزيتُنا بمائنا، وطحيننا الذي نعجنه بطحيننا الذي نشمّه. وأعترف أننا حينما ألتقينا في سقيفة بني ساعدة الحديثة غاب عن بالنا، نتيجة سذاجتنا، تخصيص ميدالية ذهبيّة للولد الذي يلتزم بلقب أبي بكر ويذكره ثلاث مرّات يوميًّا، بعد الطّعام أو خلال المضغ، وميداليّة فضيّة لمن يردّد عشر مرّات قول جدّي التنوخيّ "أسمعت لو ناديت حيًّا"، وميداليّة برونزيّة لمن لا يكون الفاتح من نيسان رزنامته الوحيدة.
زغللت عينا الشّهيد ماجد أبو شرار-رحمه الله - من نور سرابنا، وصدّقناه حينما بالغ في وصفنا فرقصنا "هزّي يا نواعم" على مسرح ما بين باب المديح وبين باب الهجاء، وطرنا محلّقين مثل الفراشات الغبيّة حول الشّمعة.
يا لحسن حظ جدّي أبي العلاء الذّي سرق الجدريّ بصره فما عينٌ رأتنا ولا أذن الشّريف الرّضي سمعتنا.
سامحوني فقد كنت أبا موسى الأشعريّ في صفّين فصدّقت عمرو بن العاص حينما كشف عن عورته، فلا تغفروا لي بلهي، كما صلّيت على النّبي حينما رأيت أبناء يعقوب على بوّابة مصر وهمست "عين الحسود فيها عود" فلا تشمتوا بي اذا رموني في الجبّ بعدما عادت معارك الأوس والخزرج أو بعدما صرخت ليلى "يا لثارات تغلب!" حينما وقعت خشبة من السّماء!!
سامحوني. نحن أمّة متحضّرة. ملابسنا وأحذيتنا عصريّة، وقصّة الشّعر عصريّة، وطعامنا عصريّ أيضًا. ومن أجل المحافظة على التّراث ما زلنا نقرأ كتاب الجفر والمقامات وكتاب عذاب القبر، ومن شدّة التزامنا بالتّعدّديّة والشّفافيّة نستبيح، صباح مساء، أعراض الحرائر في دميتنا التي اسمها فيسبوك. ولا يسلم الشّرف الرفيع من الأذى. وان كنتَ فهلويًّا برهن يا محترم ألا أخت لك!!
وعلى الرّغم ممّا جرى ومّما لحقنا من أذى فلا بدّ أن أذهب الى صندوق الاقتراع وأدلي بصوتي ليكون شوكة في حلوق العنصريّين وغصن زيتونٍ لأبناء شعبي.
إضافة تعقيب