news-details

سيرةُ يعقوبَ وأمجادُنا المُشرقةُ | إياد الحاج

   

 (كلمةُ حقٍّ، بحقِّ إنسانٍ متواضعٍ طيّبِ السّيرةِ والأخلاقِ والأعمال مثّله يعقوب الياس، أبو سهيل، الّذي تُوُفيَ ودُفنَ عصر الجمعة 13/9/2024، في كفرياسيف)

*

لن تغيبَ عن صباحِنا يا يعقوبُ، تَظلُّ تُقبلُ باسمًا من نادي الشّبابِ الذّهبيِّ إلى مدخلِ مدرسةِ "ينّي"، تسألُنا عنِ الأهلِ والأحوالِ، وأنتَ واقفٌ ثابتٌ منتصبٌ كمواقفِكَ، وبعدَ أنْ تطمئنَّ على أبنائِكَ، تمضي إلى أصدقائكَ ووجهُكَ ممسوحٌ بالحزنِ، وعيناكَ تَلمعانِ ببريقٍ مُحيِّرٍ؛ أَهُوَ حزنٌ على فراقِها البعيدِ، أمْ فرحٌ بلقائِها القريبِ؟!

كُنْتَ هادئًا كصخورِ وعورِنا، لكنَّكَ صلبٌ مِثْلُها، قبلَ أنْ نولَدَ بكثيرٍ كثيرٍ كانَتْ هذهِ الصّخورُ، وما زِلْنا نراها في كهولتِنا كما كُنَّا نَراها في طفولتِنا؛ يا مَنْ أحببتُم هذهِ البلادَ حتّى التّضحيةِ بأرواحِكم مِنْ أجلِها فيكُم مِنْ خصائصِها أكثرَ مِنَ الكثيرِ؛ وفي هذهِ البلادِ الكثيرُ مِنْ ملامحِكم وصفاتِكم لكي يبقى هدوءُكَ حاضرًا في صخورِ بلادِنا يا يعقوبُ!

 تغيّرَتْ أحوالُكَ يا يعقوبُ مُذْ فارقَتْكَ شريكةُ عمرِكَ، ورفيقةُ دربِكَ، وتوأمُ روحِكَ سُمَيَّةُ؛ وعندما بُحْتَ لَنا بِأَلمِكَ المُرِّ، الّذي لا يُداوَى، على فراقِها، استطعنا قراءةَ ملامحِ وجهِكَ، وأَنْ نتبيَّنَ عُقْدَةَ جبينِكَ الّتي لا تُحلُّ إلّا بلقاءٍ جديدٍ بينَكما أيُّها المُحبّانِ الوفيّانِ؛ أيَّ درسٍ في الوفاءِ علَّمتَنا، دونَ أَنْ تَنبِسَ ببنتِ شفةٍ؟!

 يلفتُ الانتباهُ، في الطَّريقِ إلى جنازتِكَ، كيفَ يَفتحُ بيتُ عائلةِ إبراهيمَ بابَ حديقتِهِ "ليخرجَ الياسمينُ إلى الطّرقاتِ نهارًا جميلا"، ولا أظنُّ محمود درويش قدْ أبدعَها إلّا بعدَ أَنْ مرَّ أمامَ هذا البيتِ عندما زارَ كفرياسيفَ في حينِهِ؛ فأتيقّنُ أنّهُ لمْ يتغيَّرْ شيءٌ في قلوبِ أهلِ القريةِ تجاهَكَ، لقد احتضنوكَ بمجيئِكَ، واطمأنّوا إليكَ ببقائِكَ، وأخرجوا ياسمينَهم إلى أرصفتِهم في وداعِكَ، أيُّها السّاكنُ فينا، كما كُنّا نسكنُ في قلبِكَ!

 ماذا أخذْتَ يا يعقوبُ، وماذا أبقيتَ؟! أَخذْتَ ملابسَكَ تكسو بها جسدَكَ، وأنتَ الرّزينُ الرّصينُ المُحتشمُ، كم أنتَ متواضعٌ يا يعقوبُ! وتركتَ لَنا كوكبةً مضيئةً مِنْ خيرةِ الأبناءِ: نجمِ سهيلٍ الّذي يلمعُ حتّى في غربتِهِ، ونجمِ رجاءَ الّذي يلمعُ بالأملِ الباسمِ أبدًا، ونجمِ وفاءَ الّذي يبعثُ نورَ العلمِ ودفءَ الوفاءِ، ونجمِ زُهيرٍ الّذي لا يكفُّ عنِ السّموِّ في فضاءِ حياتِنا عِلمًا وأدبًا؛ تركتَ لَنا مشروعَ عمرِكَ، بقاءَنا الكريمَ، ونجومَ بقائِنا المُشعّةَ سهيلًا ورجاءً ووفاءً وزهيرًا، كلَّها تُعطّرُ نفوسَنا ونحنُ نواصلُ الطّريقَ.

تنتقلُ الآنَ يا يعقوبُ، مِنْ صناعةِ المَجْدِ إلى صفحاتِ المجدِ الّتي نتغنّى بها، ونتمثّلُ بحروفِها، نحفظُها في قلوبِنا، في ذاكرتِنا الفرديّةِ والجَمْعيّةِ، نُثبّتُها في جبينِ كبريائِنا؛ في مسيرتِكَ، أنتَ ورفاقُكَ، من نكبتِنا الكُبرى، إلى الحكمِ العسكريِّ، إلى النّكسةِ، إلى يومِ الأرضِ، إلى الانتفاضةِ الأولى والثّانيةِ، إلى كلِّ الحروبِ العدوانيّةِ، والقائمةُ طويلةٌ، لكنّها لم تَكُنْ أطولَ مِنْ قامتِكَ العاليةِ يا أبا سُهيل؛ تَنتقلُ حروفًا مِنْ ذهبٍ على أَسطرِ وجودِنا وإبائِنا وشرفِنا وعزِّنا ومَجدِنا يا يعقوبُ!

كفرياسيف

14/9/2024

 

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب