news-details

شتّان ما بين مُقاطعة الانتخابات وما بين مُقاطعة المُصوّتين والحزبيّين

انّ السياسة على مدّ التاريخ كانت عبارة عن لعبة تنافسيّة لها قاعدة مهمّة وجب ذكرها هنا وهي بعنوان "من يعزل من؟"، انّ هذه القاعدة هي جزء لا يتجزأ من قواعد اللعبة السياسية في كل مكان، من المحلي للقطري انطلاقًا للعالم أيضًا، أن هذه القاعدة وببسيط شرحها تعني - انّ الذي يريد أن يكون هو وما يمثله من حزب أو حركة او تيار مُركبا فاعِلًا وفعّالًا في الساحة السياسية عليه أن يشير أولًا الى ذلك المُركّب الآخر والمتناقض له، ومنه عليه أن ينطلق في المضمار السياسي ليعزل ذلك الآخر المتناقض من خلال الأهداف والبرنامج والرؤيا، وبالطبع فانّ اختيار الآخر المتناقض تمامًا هو نابع من الأيديولوجيا الخاصة بالمركّب السياسي المذكور.

انّ مقاطعة الانتخابات البرلمانية في إسرائيل هي طرح موجود ومرافق لكلّ انتخابات برلمانية منذ فترة جيّدة، في هذا السياق وجب علينا أن نقدّم للناس ولدعاة المقاطعة موقفًا خاصًا باسمنا كحزبيين بشكلٍ خاص وكمصوتين بشكلٍ عام، انّ القاعدة المهمة والمذكورة في الفقرة الأولى تطرح علينا سؤالًا مهمًا – في ظلّ انقسام الحركة الوطنية والاجتماعية تاريخيًا ما بين مشروع طرح الوزن العربي ليكون وزنا سياسيًا فاعلًا داخل المؤسسة الإسرائيلية وخارجها ضمن النضال الشعبي والاجتماعي وما بين المشروع الداعي الى طرح ذلك الوزن من خارج المؤسسات الإسرائيلية فقط من خلال النضال الشعبي والاجتماعي، علينا أن نطرح السؤال المركزي – كحركة وطنية تتفق مركباتها على ضرورة النضال الشعبي والاجتماعي في مختلف الأطر الجامعة وتختلف مركباتها في نفس الوقت على ضرورة النضال والعمل من داخل المؤسسات السياسية او النقابية، من هو نقيض الحركة الوطنية الذي علينا أن نتفق على عزلهِ سويًا!؟.

اذا كانت الأحزاب المنخرطة في العمل البرلماني تضع في صُلب برنامجها الانتخابي مشروع عزل ومهاجمة التيار الذي ينادي لمقاطعة الانتخابات، فهي تقوم بوعي أو بدون وعي برفع أسهم النقيض الأساسي للحركة الوطنية، والذي كان ولا زال يسعى بكل ما يملك الى إنجاح مهمته في تقسيم وتفرقة مركبات الحركة الوطنية عن بعضها البعض بشكل فاصل وحاد، الفرقة التي لا يمكن بعدها أن تُجبر عظام الحركة الوطنية وهي الحركة الوحيدة التي تقارع الحركة الصهيونية (النقيض الأساسي لشعبنا) في عقر بيتها، الأحزاب السياسية في وطننا تملك مشاريع وطنيّة مهمة ومشتركة يتم طرحها في اللجان الوطنية الأساسية مثل لجنة المتابعة وغيرها، وفي هذا السياق يجب الحفاظ على أصالة العلاقة ما بين المركبات السياسية - المختلفة فكرًا وطرحًا والمتشابهة في كونها تجابه نقيضًا واحدًا وحيًا يعيش بيننا ونعيش قربه في كل يوم، للأحزاب مشروع يؤمن بضرورة تحويل وزن الأقلية العربية في إسرائيل الى وزن سياسي فاعل ضمن الحلبة البرلمانية الى جانب الحلبات الأخرى، خروجًا من النقطة التي تشير الى كون البرلمان هو ساحة تمر من خلالها قناة القوانين وقناة الاعلام المركزي وقناة الميزانيات التي تتشكل غالبيتها من الضرائب التي تدفع الأقلية العربية قسما نسبيًا منها وقنوات أخرى مهمة على الأقلية، رغم ضعفها العددي، أن تقوم باستغلالها قدر المستطاع وعند كلّ فرصة متاحة لعزل النقيض الأساسي الذي يسعى الى عزلنا والى اخراجنا من أرضنا بالصورة المُبسّطة والواضحة.

بالنسبة للتيار المُقاطع للانتخابات فعليه أن ينتبه هو أيضًا الى القاعدة المذكورة في الفقرة الأولى، ومن تلك القاعدة عليه أن ينتبه الى طريقة طرح مشروعه السياسي مع الإشارة بوضوح الى أنّ قسمًا كبيرًا من طرحه السياسي يتشابه مع طرح الحركات والتيارات والأحزاب الأخرى، من تلك القاعدة عليه أن يتذكر بأنّ هدفه الأساسي والمبدئي هو عزل النقيض الأساسي بالطريقة التي لا تصب بنفس الوقت في مصلحة عزل الأحزاب والمصوتين – الشريحة التي تشاركه في معظم الوقت همّهُ النضالي والشعبي وتشاركه الكثير من الأهداف والرؤى، انّ المساهمة في طرح موقف متشدد ضد الأحزاب والمصوتين لجذب شريحة تقف الى جانب تيار المقاطعة هي مساهمة مشبوهة لا يمكن الوثوق بها ولا الاعتماد عليها لكونها تصبّ في مُجملِ مساهمتها في ميزان المشروع الأساسي لنقيض الحركة الوطنية تاريخيًا، ألا وهو مشروع "فرّق تسد" ولا وطنية في تفريق أقليّة تجابه خطرًا واحدًا، ولذلك على المساهمة أن تكون من خلال عرض النقيض الأساسي للحركة الوطنية وربط ذلك مع مشروعٍ بديل ومُقنع لمشروع العمل البرلماني يُمكن من خلاله استيعاب المركبات الوطنية والسياسية والاجتماعية المختلفة تحت سقفٍ واحد يدفع الأجندات السياسية والاجتماعية للحركة الوطنية قدمًا، ولا العكس بأن يقوم بعرقلتها تحت شعارات التقسيم "من منّا هو الوطني الحقيقي!".

عندما يناقش تيّار دعاة المقاطعة بحجّة فشل القائمة المشتركة فهم يهدمون بذلك ادعاءهم الأصلي بكون البرلمان الإسرائيلي هو ليس مكانا مطلوبًا لعملنا كحركة وطنية، ولذلك فانّ تيّار المقاطعة عليه أن يختار طرحه بدقة وبمسؤولية وأن يختار طريقه بحذرٍ ما بين أن يقاطع المشروع البرلماني من زاوية مبدئية مع ربط ذلك بمشروع بديل، أو أن يكون في طريق اللعب على الحبلين وأن يدفع في طريق عزل الناس عن الأحزاب وعزل الأحزاب عن الناس بدل طرح مشروع مُقنع يعطي الناس الأمل بالتغيير، وعلى مرّ التاريخ لم نسمع عن تغيير معزولٍ عن السياسة،  والسياسة بأحزابها وحركاتها وتياراتها، وبذلك العزل يقضي تيار المقاطعة على جوهره السياسي والوطني وفي ذلك تبعيّات خطرة لا تُحمد عقباها.

شتّان ما بين مُقاطعة الانتخابات وما بين مُقاطعة الحزبيّين والمصوّتين كما الفرق ما بين الثرى والثريّا وان في كلامي هذا رسالة صادقة الى الرفاق والأصدقاء والأخوة الذين كنّا معهم وكانوا معنا على طول الطريق النضالي ولكننا لم نجتمع على انتخابات الكنيست وليس في ذلك ما يجعلنا أضدادًا، واذا كُنّا كذلك سقطنا جميعًا والى الأبد وفي السياسة اختلاف وامّا الخلاف فمع النقيض الذي لا يريدنا هنا ولا في أي مكان آخر.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب