news-details

صباح الخير: هذه المنامة ليست على مقاسي

أعرف أنّك ربّ البيت الذي يملك خبزًا وخمرًا وحشيشًا ورصاصّا وبارودًا ولكن أقولها لك بصراحة: أنت لست ربّي!

وأعلم أنّ غمزة من عينك أو همسة من فمك أو حركة من سبّابتك تحرّك ملوكًا ورؤساء وأمراء ووزراء وأقنانًا وجماعة "شطارة جُحا على زوجة أبيه" ولكنّها لا تهزّ شعرة في رأسي وحاشا لقلمي النّظيف أن يكتب في مكان آخر.

وأدري أنّ رصيدك ملياردات الأوراق الخضراء وناطحات سحاب وناقلات نفط وحاملات طائرات وأمًا أنا فلا أجلس على منجم ذهب ولا أقعد على بئر نفط ولا أمدّد ساقيّ فوق حقل غاز بل أنا إنسان منغرس في حقلي وأغنّي: "مويل الهوى يمّا مويليا...."

واضح أنّك تاجر وتعقد الصّفقات وتلعب بالبورصة، وتحسب أنّ لكلّ شيء ثمنًا، ولكلّ امرئ سعرًا، وأنّ المال يشتري القلوب ويأسر العقول، ولكنّني لست بضاعة ولست سهمًا.

أنا يا محترم أملك ما لا تراه وما لا تفهمه وما لا تدركه. أملك كرامتي التي رضعتها من ثديّ أمّي، وأملك إرادتي التي صانتها دماء الشّهداء، وأملك بيتي، ولن أقول ما قاله عبد المطّلب لأبرهة؟

وأنا حجر الزّاوية في هذا الشّرق المترامي الأطراف من مضيق جبل طارق حتّى مضيق هرمز، فهل تفهم؟

ها قد مرّت ثلاث سنوات وأنت لا تصدّق بأنّك ربّ البيت. وهذا ليس ذنبي. ولا تريد أن تفهم بأنّني لست صفقة في سوقك أو قينًا في قصرك وهذا ذنب غرورك.

هل تعي أنّك خيّاط هاوٍ بل خيّاط فاشل؟

هذه المنامة التي فصّلتها وخطّتها ليست على مقاسي، فأنا رجل منتصب القامة ومرفوع الهامة وطويل مثل نخلة أريحا، وعَفِيّ مثل زيتونة القدس، فكيف أرتديها يا غشيم؟

هذه المنامة ليست على مقاسي أبدًا وهي لا تستر عورة طفل ولا تغطّي ركبتي عجوز.

تعال لنتقاضى أمام ليمونة في المواصي، أو أمام زيتونة في نعنين، أو أمام لوزة في كفر قدّوم أو أمام عهد التّميميّ في النّبيّ موسى!

لعلّك تفهم. وهيهات هيهات أن تفهم!

هذه المنامة ليست على مقاس محمّد الدّرّة، ولا على مقاس الطّفل من عائلة الدّوابشة النّاجي من المحرقة، ولا على مقاس الصّبيّ السّجين في عوفر، ولا على مقاس مسعفة سمراء من غزّة!

ما أغباك!! أتحسب أنّ من صام منذ وعد بلفور حتّى اليوم يفطر على بصلة بل على قنّارة بصل؟

من قال لك أنّني أرغب بأن أنام كي تخيط لي منامة؟

أنا لن أنام... لن أنام!

قد تجمع رجالك وصفّ العسكر طوططوط...

وأمّا الزّبد فيذهب جُفاءً وأمّا أنا فسوف أبقى فوق الأرض وفي الأرض وأمدّ لساني وأقول: هذه المنامة ليست على مقاسي، وأنا لن أنام... ومويل الهوى يمّا مويليّا، ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيّا!

محمّد علي طه

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب