انتهت الانتخابات الداخليّة في حزب الليكود اليميني الحاكم قبل اكثر من أسبوع، حملت في طياتها الكثير، بدءً من حملات التحريض الفاشيّة التي قادها المرشحون استجداءً لأصوات رفاق دربهم في الليكود وانتهاءً بفضائح التزوير التي اسفرت عن إعادة فرز الأصوات –ولو حتى شكليًّا- مرة أخرى، وفي الحالتين، التحريض والتزوير، ليس بجديد على حزب اليمين الحاكم، فعيّنة من التحريض الفاشي المتصاعد لعبت دورها في انتخاباتهم الداخليّة وعيّنة أخرى من فساد رموزهم المستمر برزت بإدارتها.
كان لنتائج الانتخابات دلائل عدّة، لعلّ ابرزها على الاطلاق، السقوط المدوّ الذي سجّله وزير الاتصالات وعضو الكنيست أيوب القرا، لهذه الكبوة دلالاتها، وعبرة لمن لم يعتبر بعد، فعلى ما يبدو انّ التقارير التي تحدّثت عن نيّة نتنياهو الإطاحة بكلب حراسته ليست "فيك نيوز" كما أراد لها وزير الاتصالات ان تكون، وانّ محاولات الانكار والتقرب التي قادها القرا لم تسعفه فتصدّر "القوائم السوداء" التي خرجت من مكتب رئيس الحكومة، ليكن ابرز الخاسرين في معركتهم الداخليّة.
أيوب القرا عملة نادرة، قلّ ما تجد مثيلًا لها، حتى لو راجعت سبعين عامًا من تاريخ البرلمان الإسرائيلي، ببساطة لن تجد من يفوقه ولاءً لفكر الصهيونيّة العنصري ولنتنياهو، رمزه في العقد الأخير، هو القرا ابن عائلة ثكلى دفعت الكثير ثمن ولاءها لإسرائيل، عارض الليكود في خطوة الانسحاب من غزّة، شدّد على صهيونيته صباح مساء واصطفّ بجانب العرق الحاكم في النقاش والتصويت على قانون القوميّة. بعيدًا عن الولاء "الفكري" اهتمّ القرّا بإبراز ولاءه الشخصي للعائلة الحاكمة، في تعليقه على "القوائم السوداء" شبّه القرا خلافه مع نتنياهو بالخلاف مع زوجته، وكلاهما خلافا تحبب لا يعنيان شيءً، تضاف الجملة الى عشرات حملات الدفاع المجانيّة التي منحها أيوب للعائلة الحاكمة.
أيوب خليفة نتنياهو في وزارة الاتصالات، بعد الازمة القانونيّة، وأهميّة الملفّ، لم يجد نتنياهو اكثر اخلاصًا من القرا ليشكّل دميته في الوزارة الأهم، الواقع سيكون مضحكًا لولا التراجيديا التي تختفي فيه، في استفسار لصحفيّ حول مخطط القرا لوزارة الاتصالات أجاب أيوب بدون تردد "اللي بدّه إياه بيبي" ملخّصا مسيرة ثلاثين عامًا في اللهاث وبيع الذات.
اليوم، ونحن على أبواب انتخابات الكنيست الأهم التي عرفتها جماهيرنا، ليس فقط بسبب مستوى التحريض الفاشي المتصاعد، بل بسبب تفكك القائمة المشتركة ونسبة الحسم المرتفعة، تواجه جماهيرنا العربيّة موجة قويّة من رياح اليأس والغضب، اليأس من انعدام "إنجازات" فعليّة ملموسة كما أراد للبعض لها ان تكون، والغضب الممزوج بالوعيد على واقع حلّ القائمة المشتركة التي صوّرتها جماهير كثيرة كمطلب يمثلهم. في كل هذه التفاصيل مجتمعة قد نكون على أبواب هجرة جماعيّة لأحضان أحزاب اليمين الصهيوني، وتحويل انتخابات الكنيست الى انتخابات محليّة تغيب عنها البرامج السياسيّة ويحتلها خطاب الخدمات الضيقة.
ان هذه التوجهات مهما كانت صادقة أسبابها ، او بلغة أخفّ، يمكن تفسيرها، لا يمكن بأي شكل من الاشكال تبرير نتائجها وعواقب التصويت لهذه الأحزاب. اليمين بكافّة اشكاله أراد دمىً صهيونيّة تحمل أسماءً عربيّة تغطّي عورة عنصريّته، دمىً تدّعي تمثيلنا، أحيانًا تكون بشاعتها واضحة كأيوب القرا وتصرفاته المقرفة، وأحيانًا تكون أقل وضوحًا بشكل شباب متحمس وبدلة رسميّة انيقة، ترتدي ثوب التمرّد على احزابها، لكن في كلا الحالتين، اثبتت السنين انّ هذه الوجوه مهما قدّمت من خدمات ومهما ادعت تمثيل منتخبيها، تخضع كما غيرها الى قواعد لعبة احزابها الصهيونيّة التي اوصلتها الى الكنيست، فترسم لها حدود المسموح، وتغلق أبواب جماهيرها في وجهها. قد يعود القرا الى الكنيست بسبب المشاكل التقنيّة في ترتيب القائمة والشكاوى التي قدمها بعض الأعضاء، لكن مسار سقوطه والنتيجة التي حققها ستقبى دليلًا على حدود الدور المطلوب ممن شابهوه.
إضافة تعقيب