news-details

عندما تحوّل المؤسسة الأمنية الاغتصاب الى جريمة ذات خلفية قوميّة

أوري أنسباخر من مستوطنة "تكواع" إسم رافقنا على مدار الأسبوع الأخير، شابة عمرها 19 عاما وجدت مقتولة في أحراش قرب مدينة القدس. وسارع في أعقاب ذلك، مباشرة، طاقم تحقيق مشترك للشرطة وجهاز الشاباك للبحث في ملابسات الجريمة.

وكعادتها، نجحت "المؤسسات الأمنيّة" الإسرائيليّة بفك اللغز والقبض على "الفاعل"، وهو شاب فلسطيني (29 عام) من منطقة الخليل اسمه ياسر الرفاعية. حيث يشتبه الشاباك بأن الرفاعية قام باغتصاب وتعنيف وقتل أنسباخر "على خلفية قوميّة"، خاصةً أنه كان معتقلًا في السابق "على خلفية أمنيّة".

استوقفتني هذه الجريمة كثيرًا، لأسباب عدّة، أوّلها السرعة الكبيرة في حل لغز الجريمة، في وقت اعتدنا فيه نحن العرب على إغلاق مئات الملفات بحجة عدم توفر أدلّة كافيّة؛ اعتدنا للأسف على أن القاتل والمغتصب والمجرم بإمكانه أن يكون حرًا طليقًا إذا كانت ضحيته من المجتمع العربي!

استوقفتني أيضًا غرابة المشهد، فكيف وضعت أجهزة الأمن الإسرائيليّة ما حدث تحت خانة "الأعمال الإرهابيّة" وهي تتحدث عن شبهة جريمة اغتصاب؟ منذ متى يعتبر العنف الممارس ضد النساء، بأشكاله البشعة المختلفة، عملًا إرهابيًّا؟!! وهل يكفي أن تكون الضحيّة يهوديّة والمجرم فلسطيني كي تصبح كل جريمة، أي كانت، ذات خلفية قوميّة؟

وها أنا أجد نفسي مرة أخرى محمّلة بتساؤلات وتخبطات بين مركبات هويتي المختلفة، وتحت مظلة واقعنا المركب، حيث لا أستطيع صبغ الأمور بلون واضح، فلا وجود للأسود والأبيض في واقعنا عمومًا، ولا وجود لتقسيمات وتعريفات واضحة، فما بين الضحية والبطل والمجرم خيوط رفيعة...

وكما كنت ألقي القبض على نفسي متلبسة بتعاطف مع والدة جندي قتل في غزة، أجدني الآن –لو صحّت الشبهات المنسوبة الى الفاعل- متعاطفة مع مستوطنة فقدت ابنتها، ومع مجرم قد يلعب في رواية أخرى دور الضحية. انه واقعنا المرير والضبابي المركب، حيث لا حقيقة كاملة تريحني... أبدًا!

وفي عودة لقصة أوري أنسباخر، حيث لم تنته القضيّة بعد، فمنزل الرفاعية مهدد بالهدم، وموجة التصريحات مستمرّة، وكل من يغرد خارج السرب فيما لا يتوافق مع رواية الشاباك يتعرض لحملات شرسة ومحاولات إسكات، لعل أبرزها كان موقف الرفيقة عضوة الكنيست عايدة توما- سليمان والتي تواجه حتى اليوم ردود فعل حادة وعنيفة وذلك في أعقاب تصريحها بأن الخلفية للجريمة البشعة هي جندريّة وليست قوميّة، الأمر الذي لم يرق لليمين في إسرائيل، فالمستوطنون يريدونها جريمة قوميّة كي تصبح أنسباخر ضحيّة أخرى من أجل الفكرة (أرض إسرائيل الكاملة)، الأمر الذي سيرفع نسبة التعاطف مع المستوطنين وما يمثلونه؛ ومن جهة أخرى سيتسنّى وصم المقاومة الفلسطينيّة واتهامها بأعمال لاأخلاقية وغير انسانيّة.

وقد نجد كذلك أن في الجهة الثانية مَن يروق لهم هذا التفسير أيضًا، فأن تقتل من أجل وطنك هو عمل بالإمكان الدفاع عنه في بعض الأيديولوجيات، أما أن تغتصب وتقتل على خلفية جندريّة فهو عمل مقزز ومخجل وفق كل الأيديولوجيات والأعراف الإنسانيّة.

من بين المعلومات العديدة سمعنا في الاعلام الإسرائيلي تصريحات نسبت لنادي الأسير الفلسطيني حول رفض النادي تمثيل الرفاعية والتنصل منه بشكل تام. وخلال بحث الموضوع علمنا من خلال معلومات خاصة لموقع وصحيفة "الاتحاد"، من "نادي الأسير الفلسطيني"، أن عائلة المشتبه به أو أيًّا من ذويه لم يتصل بالنادي طالبًا اعطاءه توكيلا لتمثيل المشتبه به، وبالتالي فإن لائحة الاتهام وتفاصيل القضية ليست معروفة لنادي الأسير، الذي يجب أن يأخذ توكيلا كي يتدخل في أية قضية ويترافع عن أي معتقل. كذلك، أضاف المصدر في نادي الأسير ردًا على استفسار "الاتحاد"، أنه يترافع فقط في القضايا السياسية والأمنية وليس في القضايا الجنائية، وهذا بغض النظر عن القضية العينية قيد البحث، التي كما سبقت الإشارة لا يعرف نادي الأسير تفاصيلها لأنه لا يحمل توكيلا فيها.

وفي ظل هذا الارتباك الذي يلف القضية من جميع الجهات، تبقى الحقيقة الوحيدة هي أن الاحتلال هو أصل كل الشرور، وعليه، لن ينعم كل سكان هذه البلاد وأهلها بالأمن والأمان والحياة الكريمة الا بزوال الاحتلال... ولا أقصد بذلك تخفيف وطأة الجريمة أو شرعنتها، فكما قلت سابقًا، لا أجوبة واضحة في واقعنا المركب هذا!

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب