"ونظلم غزة حين نحولها إلى أسطورة لأننا سنكرهها حين نكتشف أنها ليست أكثر من مدينة فقيرة صغيرة تقاوم"
(محمود درويش)
عدوان جديد على غزة، سلاح الجو الإسرائيلي يحوم كالموت فوق غزة المحاصرة واخواتها، هذه المدينة التي حوّلناها أسطورة ورمزًا... واعتدنا تجميع أجمل العبرات عنها، وما زلنا نحاول وصف نضال أهلها هناك بأروع المرادفات والأبيات الشعريّة، حتى كدنا أن ننسى أن ما يحدث، هو فاجعة بجميع المقاييس!! اعتدنا ذلك حتى أنني لم أنجح بافتتاح مقالي هذا دون اقتباس شاعري، كما أعلم مسبقًا أنني لن أنجح بكتابة هذا النص بصورة موضوعيّة وبلغة صحافيّة بحتة.. لأنني أكتب عن الأسطورة...
"وحين نتساءل: ما الذي جعلها أسطورة؟
سنحطم كل مرايانا ونبكي لو كانت فينا كرامة أو نلعنها لو رفضنا أن نثور على أنفسنا"
(محمود درويش)
عندما أعلن جيش الاحتلال يوم الاثنين المنصرم عن نيته قصف غزة مجددًا، رأيت على الفور صور غزة المدمّرة خلال العدوان عليها قبل عشر سنوات، وما أشبه اليوم بالبارحة! عام 2009 إسرائيل في أوج تحضيراتها لانتخابات برلمانيّة، وطائراتها الحربيّة تقصف وتقتل وتدمّر.. فزعت من مجرد تذكّر تلك الصور، شعرت بالذعر من فكرة أن تدفع غزة مجددًا ثمنًا باهظًا في الحملات الاعلاميّة ضمن الانتخابات البرلمانيّة في إسرائيل، خاصة أن نتنياهو "يحتاجها" أكثر من أي وقت مضى، يحتاجها كي يصرف نظر الرأي العام في الشارع الإسرائيلي لبعض الوقت عن قضايا الفساد خاصته، وكي يوهم البعض ببطولات وهميّة أخرى.
ولكن لا دور بطولة هنا إلا لغزة وأهل غزة وأطفال غزة!
قطاع غزة محاصر منذ أكثر من 13 سنة، فقد قرر الاحتلال الإسرائيلي "معاقبة" أهل القطاع على انتخابهم حماس في الانتخابات التشريعيّة، وقام الاحتلال بمحاصرة غزة برًا وبحرًا وجوًا، ليتحوّل القطاع بذلك إلى أكبر سجن في العالم! ولكن غزة لا تركع، تواصل نضالها برغم الأزمة الإنسانية التي تتفاقم يوميًا هناك في ظل النقص الشديد بالكهرباء والوقود والماء والأدوية.
ونحن نقف هنا، لا حول لنا ولا قوة، نحاول دعم نضال غزة بالأشعار تارة وبالخطابات أحيانًا أو بالوقفات الاحتجاجيّة، ويستمر الحصار هناك، ويرتقي الشهداء آملين أن دماءهم قد تنجح بتحرير القطاع من الحصار والموت.
فهل نحن فعلاً شعب واحد؟ أم أن لغزة شعبها الخاص؟ ونضالها الخاص؟! ولكن هي التي أصرّت أن نضالنا واحد، فانطلقت قبل عام بمسيرات مهيبة في ذكرى يوم الأرض الخالد تأكيدًا على حق الفلسطينيين، كل الفلسطينيين، بالعودة لأراضيهم التي تم تهجيرهم منها واحتلالها.
ومنذ "مسيرة العودة الكبرى" تلك، استمرت وعلى مدار عام المسيرات المطالبة بفك الحصار وانهاء الاحتلال وبحق العودة المقدّس. كما أعلنت قبل أيام "الهيئة الوطنية لمسيرات العودة وكسر الحصار عن غزة" عن اضراب شامل في الذكرى السنوية لانطلاق المسيرات تزامنًا مع ذكرى يوم الأرض.
هذه الهيئة الوطنية أهابت بأبناء الشعب الفلسطيني كافة لإنجاح فعاليات "مليونية الأرض والعودة"، وجاء في بيان عممته: "وأكد بيان الهيئة على أهمية مشاركة كل أبناء شعبنا في الضفة الغربية والقدس المحتلة والشتات والـ48 لإحياء يوم الأرض. كما دعت للحفاظ على الطابع الشعبي والسلمي لكافة الفعاليات والمسيرات، لقطع الطريق على مخططات الاحتلال الذي يريد إراقة دماء المتظاهرين لإدخال هذا الدم الطاهر في بازار انتخابات الكنيست المقبلة".
"وستستمر في الانفجار
لا هو موت ولا انتحار ولكنه أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة.."
(محمود درويش)
//ص
أطفال يطلّون على دمار تركه القصف الوحشي الاسرائيلي في غزة، قبل أيام (رويترز)
إضافة تعقيب