news-details

كلمات في رحيل ميلان كونديرا| د. فؤاد خطيب

توفي في الحادي عشر من هذا الشهر الروائي التشيكي العالمي الكبير ميلان كونديرا في جيل 94 بعد عمر مثمر وكبير وجميل. ولد لأبوين تشيكيين في مدينة برنو وهي ثاني اكبر مدينة في تشيكيا ومن اجملها. ابوه كان استاذا كبيرا في أكاديمية العلوم الموسيقية المشهورة عالميا في قلب برنو التاريخي. 

من زاوية شخصية: أنا درست الطب في كلية مقابل هذا المعهد تماما وربطتنا صداقات مع طلاب وطالبات هذا المعهد، وكنا نشاهد عزفهم ورقصهم من الشبابيك القريبة ونحن طلاب الطب نمارس علومنا وبحوتنا في مختبرات الجامعة المقابلة، على بعد عشرات الأمتار.

ولد الكاتب الكبير عام 1929 ودرس الصحافة والآداب وعلوم السينما في معهد العاصمة براغ واصبح استاذا في هذه الصرح السينمائي الكبير، من الاوائل في العالم بعد هوليوود ومصر العربية. كان مع التحول الاشتراكي لتشيكوسلوفاكيا وعضوا نشطا في الحزب الشيوعي من عام1956 الى عام 1970. ترك الحزب بعد "ربيع براغ" عام 1968. هذا الربيع المشهور الذي يمجده الغرب الفاشل حتى الان. بدأ به السكرتير العام للحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي حينها بنية طيبة، برأينا المتواضع، بعيدا عن وساوس ودسائس الغرب، والذي طالب باشتراكية وشيوعية اكثر انفتاحا اي ما يشابه ما فعله الحزب الشيوعي الصيني الذي انفتح واعطى مجالا حتى وصلت الصين الى ما عليه اليوم، فباتت وحدها تنافس الاقتصاد الرأسمالي العالمي كله وستسبقه حسب توقعات الغرب الفاشل كله، تحت راية الحزب الشيوعي العظيم الذي يحمل في جنباته الواسعة 20 مليون عضو، وهو الوحيد لحسن القدر الذي صالح الشيعة على السنة عندنا نحن المسلمين بعد نزاع كربلاء بين معاوية وعلي وبعده فاطمة الزهراء والحسن والحسين وحوالي 1400 عام على معركة كربلاء - ونقصد الصلح التاريخي بين ايران والسعودية.

حركة دوبتشك التشيكي لم تنجح بسبب الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية وحلف وراسو القوي الذي فرض ثأثيره على اكثر من نصف العالم ومعه دول عدم الانحياز الذي كانت منحازة حينها الى الشرق والاتحاد السوفياتي الذي كان درع الشعوب المغلوبة على أمرها، والذي ساهم في دعم الثوراث كلها التي قامت ضد الاستعمار والهيمنة العربية من فيتنام الى كوبا الى مصر عبد الناصر.

كتب كونديرا عشرات الروايات والكتب والاف المقالات في الصحافة التشيكية والعالمية. عام 1970 هاجر طوعيا الى فرنسا وواصل عمله الأكاديمي هناك في احدى الجامعات الباريسية. عاد الى تشيكيا بعد الثورة المخملية بقيادة فاتسلاف هافل ابن العائلة الارسترقراطية التى ملكت استوديو السينما "براندوف" العملاق في براغ وعقارات كبير ه اخرى. كان فاتسلاف هافل يدعي نفسه أو ان الغرب ادعاه اديبا وكاتبا ومثقفا كبيرا بعد أن كان كل عمره ومنذ نعومة أظفاره عاشقا للديموقراطية الغربية التي برأيي نشهد فشلها الان في كل المجالات وقد فضحتها جائحة كورونا والحرب الاكرانية التي تدور رحاها اليوم بين روسيا والناتو والغرب الامبريالي كله حقدا على الاشتراكية والشيوعية. الرئيس هافل الرئيس الأول لتشيكيا بعد ثورة المخمل اياها الارستراقراطي المقرب من الصهيونية عمل مع دوائر الغرب لمنع كونديرا من الحصول على جائزة نوبل طيلة عقدين بسبب عضوية كونديرا في الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي وتشاطه في الحزب، حتى ذاك الربيع في براغ وربما بسبب غيرته من كونديرا الذي ابدع واصبح من أشهر كتاب العالم الروائيين في وقتنا المعاصر.

كتب كونديرا سلسلة من الروايات الناجحة اهمها ، المزحة، الضحك والنسيان، الخلود، قصص حب مضحكة، الحياة في مكان أخر، خفة الكائن غير المحتملة، التي أوصلته الى العالمية وهي رواية شيقة ذات تأملات فلسفية تتعدى خانة الفلسفة والحياة والسعادة والموت والعود الأبدي. قرأتها بلغته الأم وقرأتها مترجمة الى الانجليزية وقرأته بلغتنا العربية وكان جميلا فيها كلها. 

يعد كونديرا عند شعبه اليوم المثقف العريق أنه أحد اعظم كتاب ثلاثة تشيك في التاريخ التشيكي كله. الاول ياروسلاف هاشك صاحب ملحمة الكوميديا" الساتيرا" السوداء عن الحرب العالمية الاولى وعن الحرب بصورة عامة في تاريخ البشرية كلها "يوميات الجندي الشجاع شفيك" التي ترجمت لمعظم لغات العالم، والثاني كافكا الكاتب المشهور عالميا و المعروف بكثرة عند كل مثقفي العالم كاتب "الميلانكوليا السوداء" والثالث هذا الراحل الكاتب التشيكي العظيم الذي فارقنا قبل ايام قليلة عبرت. لتكن ذكراه عطرة وهي كذلك بعد ان ترك خلفه اثارا أدبية ابدية رائعة.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب