news-details

لا يا شيخ الفتن!

نشر "شيخ" مختصّ في الفتن الطائفية والمذهبية تغريدة يوازي فيها بين قاسم سليماني والإرهابي قائد "داعش" أبي بكر البغدادي، بزعم أنّ الرجلين قد قتلا كثيرًا من المسلمين. وزاد: "على زعم أن سليماني في نظر البعض هو بطل الشيعة، وأن البغدادي في نظر البعض الآخر هو بطل السنة، لكننا ما رأينا بطولاتهم المزعومة إلا على المسلمين في العراق وسوريا!!!".

وربما يعتمد المُفتِنون على ذاكرة الناس القصيرة. لذا حريٌ التذكير بافتتانهم، في بداية الطريق، بتنظيم الدولة وتبينّهم لفكره وعباراته التكفيرية؛ إذ نشر نفس هذا "الشيخ" تغريدة يوم 20.10.2016 تمنى فيها وقوع القوات العراقية في الموصل "أسرى في يدي داعش". وفي تغريدة أخرى يوم 19.8.2016 اعتبر أبناء الطائفة الشيعية "أشرار ومارقون". ناهيك عن تكفير العلويين ("النصيريين" على حد تعبيره) واعتبار مذهبهم "كفر وانحراف وخروج عن الملة" واعتبار ما يجري في العراق منذ عام 2003 صراعًا سنيًا-شيعيًا، وأنّ إيران تدعم سوريا على "خلفية عقائدية فاسدة" (خطبة الجمعة في كفر كنا يوم 16.3.2012)، وغيرها من المصطلحات الطائفية كـ "التحالف الصليبي الشيعي" (خطبة الجمعة يوم 19.2.2016) و"الاحتلال النصيري" و"اللؤم النصيري" (مقالة "من يشتري الجنة بالنار؟"، يوم 10.2.2013). كما قال في تغريدة يوم 3.7.2016 أنه "لن تنطلي علينا مرة ثانية أساليب بل احابيل قسطنطين زريق ولا سلامة موسى ولا لويس عوض ولا ميشيل عفلق ولا جرجي زيدان الذين لفّعوا عدائهم (الخطأ في الأصل، والصحيح: عداءهم) للإسلام بعباءة الاعتزاز بالقومية العربية".

كما أن مرجعهم القابع في قطر، يوسف القرضاوي، لم يرفض فكر تنظيم "داعش" وإنما "سلوكياته" فقط، واعتبر أنهم يدافعون عن "سنّة العراق"، وقال في بيان رسمي لما يسمى "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" يوم 4.7.2014 إنّ اتحاده "تابع التصريحات الصادرة عن تنظيم ما يسمى بـ (الدولة الإسلامية) والتي انطلقت من العراق، مع القوى العراقية الأخرى، مدافعين عن سنة العراق، وعن المستضعفين في هذا البلد، ففرحنا بهم ورحبنا بهذا الاحتشاد لرفض الظلم والتجبر في الأرض". وتابع البيان: "ولكن سرعان ما بينت انفصالها عن المجموع، وأعلنت عن (خلافة إسلامية) وتنصيب من أطلقوا عليه (خليفة المسلمين) مطالبين المسلمين في العالم بمبايعته والانصياع لأوامره، وكل ذلك من الأمور التي يراها الاتحاد بلا أي معايير شرعية ولا واقعية، وضرره أكثر من نفعه". أي أنّ القرضاوي لم يرفض فكر تنظيم "داعش" وإنما "سلوكياته" فقط، بل الخلاف الأساسي هو على أحقية وكيفية وتوقيت إعلان الخلافة وممارستها ومرجعيتها التنظيمية، أي أنه خلاف تكتيكي، وليس على الفكرة والفكر والمشروع السياسي. وعلى نفس النهج سار الشيخ المُفتِن وغيره، ولم يتنصّلوا من فكر وممارسات "داعش" الدموية إلا على مضض.

وبات معروفًا اليوم دور الولايات المتحدة ووكالات الاستخبارات الغربية في تعويم "داعش" وكل حركات التكفير والإرهاب، والتي كان لسليماني دور هام في تخليص دول وشعوب المنطقة منها. وكما حصل في عشرات المرّات السابقة، لم تتخلص الولايات المتحدة من الخليفة المزعوم "البغدادي" إلا بعد أن استنفد دوره.

بالمقابل.. فقد قال جون بولتون مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي في أيلول 2018: "يشكل سلوك النظام الإيراني تهديدا غير مقبول لمصالح الأمن القومي الأمريكي ولمواطنيها ولأمن حلفائنا وشركائنا حول العالم"، مضيفًا أن الولايات المتحدة تستهدف أيضا "كبار قادة إيران في طهران، من ضمنهم المتشدد المقرب من المرشد الإيراني، قاسم سليماني، الذي يشرف على قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني".

وفي تعليقه على الاغتيال، قال أمس الصحافي الإسرائيلي إيهود يعاري: "قاسم سليماني كان أخطر عدو لدولة إسرائيل منذ حرب الاستقلال، لا عبد الناصر ولا عرفات وضعوا أمام إسرائيل معضلة أو تحديًا كما فعل قاسم سليماني، أبو مخطط محاصرة دولة إسرائيل بمليشيات وصواريخ، والإغلاق علينا، على مدار سنوات وبعمل منهجي..".

لسنا من أنصار "ولاية الفقيه" ولا نرى في إيران "المدينة الفاضلة". ولكنّ أحد أهم المعايير لاتخاذ الموقف هو تأثير وانعكاس وتفاعل الأحداث على سياسة الهيمنة والبلطجة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة. ففي حين كانت "داعش" ومثيلاتها من عصابات التكفير بمثابة أداة في خدمة مشاريع الاستعمار لتقسيم الدول وتفتيت الشعوب وإغراقها في المذابح الطائفية والمذهبية لعشرات السنين؛ جاء دور "فيلق القدس" بقيادة سليماني في الاتجاه المعاكس، وفي دعم وتعزيز حركات المقاومة، بما فيها حركات المقاومة في فلسطين "السنّية" التي يتآمر عليها معظم ملوك ورؤساء "السنّة" المتواطئين مع "صفقة القرن".

ولكن ما العمل في من يصرّ أن يرى العالم من الثقب الطائفي-المذهبي الضيّق؟ وليس من خلال الصراعات الحقيقية؟ في مصلحة من هذا التقسيم؟ ألا يشعر مردّدو هذا المنطق البغيض المريض أنّهم يجترّون كلام ترامب ونتنياهو وقطاريز الخليج حول "المحور الشيعي المتطرّف"مقابل "المحور السنّي المعتدل"؟ ألم تتعلّموا درسًا من سوريا وليبيا واليمن؟

{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب