مع حلول الأول من أيار عيد العمال العالمي، بل يوم التضامن العمالي والوحدة العمالية بمواجهة قوى رأس المال، لا بد وأن نعود الى تاريخ يوم هذا اليوم النضالي، فنجده تاريخا للوحدة والنضال والتضامن العمالي، بل الأممي عامة، في مواجهة قوى الشر والظلم الراسمالي للطبقة العاملة خاصة وللشعوب عامة.
لمحة تاريخية
عندما انطلق أبطال الطبقة العاملة من عمال مدينة شيكاغو في العام 1886 في نضالهم من أجل تحديد يوم العمل، ليكون ثماني ساعات، مواجهين سلاح شرطة أرباب العمل بصدورهم العارية، ليسقط منهم الشهداء والجرحى، لم يتوقعوا أن تتحوّل هذه الذكرى الجليلة ليوم تعبير عن الوحدة النضالية للطبقة العاملة في العالم، وذلك بناء على قرار مؤتمر الأممية الثانية، الذي عقد في العاصمة الفرنسية باريس، وحدد يوم الأول من أيار بدءا من العام 1890 وبعدها من كل عام، يوم الكفاح النضالي العُمالي العالمي، للتأكيد على وحدة الطبقة العاملة في جميع أرجاء الكرة الأرضية. وتأتي هذه المناسبة ليس فقط من أجل القيام بالتظاهر بل من أجل ترسيخ قيم الوحدة العمالية النضالية والوقوف بعنفوان المناضلين بوجه الاستغلال والبطش الذي تمارسه قوى رأس المال، المتمثلة في مرحلتنا هذه بحكومات تعتمد على تكريس هذه السياسة، سياسة دعم الرأسمالية ومنحها المناخ المُناسب لجني الأرباح والثروات في ظل سياسة عولمية تتخطى الحدود، تقوم على أساس مواصلة نهج تقليص حقوق العاملين وإرهابهم المتواصل في حال قاموا بتنظيم أنفسهم، في نقابات تحميهم، لكن هذا الإرهاب الرأسمالي، لم يردع أبناء الطبقة العاملة - حتى في الدول الأكثر دكتاتورية – من الانضمام الى النقابات العمالية ومواجهة ذلك الإرهاب الرأسمالي البغيض، ومواصلة ترديد الهُتاف الوحدوي النضالي الصلب "يا عمال العالم إتحدوا"، و "يا عُمالنا توحَدوا ولا تتفرقوا". ليكون رد الطبقة العاملة في وجه هذا الهجوم الرأسمالي الإستغلالي المزيد من الوحدة النضالية العمالية محلياً وعالمياً.
الأول من أيار يوم التضامن والنضال
كما ذكرنا اعلاه، هذا اليوم النضالي الذي سطره العمال بدمائهم، لا يعني يوم احتفال فقط، بل هو يوم للنضال العمالي يتكاتف خلاله أبناء الطبقة العاملة في مظاهرات كفاحية تجوب شوارع المدن في مختلف دول العالم، رافعين العلم الأحمر الذي يعبّر عن وحدة دماء أبناء الطبقة العاملة، للتأكيد على أن محاولات قوى رأس المال التي تحاول دق إسفين التفرقة بينهان لن تنجح مهما بلغ جبروت هذه القوى الظالمة- أي الرأسمالية-.
منذ اندلاع جائحة كورونا تعاني الطبقة العاملة في عالمنا والنقابات العمالية من آلام قويّة، ليس فقط من النتائج الطبية لتلك الجائحة، بل من استغلال قوى رأس المال لتلك الفترة الزمنية وما نتج عنها من ارتباك، بل اهتزاز قوي للوضع الاقتصادي العالمي عامة وفي كل دولة خاصة، حيث إدعى أباطرة الرأسمالية ومروجو فكرهم الاستغلالي بان الجائحة أدت الى خسائر لهم، مما يتطلب تقليص حقوق العمال، وتخفيض أجورهم، بل بلغ الأمر حتى قيام ممثليهم في الحكومات بوضع مشاريع قوانين واقرار عدد منها، تهدف الى ضرب حق أبناء الطبقة العاملة في التنظيم النقابي والإضراب وتوقيع اتفاقيات عمل جماعية والحصول على الأجر اللائق لهم مقابل كدهم في أماكن العمل، في ظل هذه التطورات واضح أن يوم الأول من أيار يجب أن يكون يوم التضامن والنضال لأبناء الطبقة العاملة في عالمنا هذا.
تسونامي اقتصادي فقر وغلاء واثراء الأثرياء
لاحظنا أيضاً أنه من سمات هذه الأزمة والتي كانت الجائحة عَلَمها، ارتفاع عدد الفقراء في العالم، اغلاق الكثير من مرافق العمل، وانتشار البطالة في عدد من الدول، وحدوث أزمة اقتصادية، رافقها ارتفاع مهول في الأسعار والغلاء الفاحش وغيرها من ارتدادات البراكين والهزات الاقتصادية التي أدت الى معاناة مستمرة للطبقة العاملة خاصة والشعوب عامة حتى يومنا هذا والتي أطلق عليها بعض الزملاء “تسونامي اقتصادي- اجتماعي”، فقد أدت هذه الأزمة الى تشويش في توقعات المؤسسات الراسمالية مثل البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، حيث ارتفع عدد الفقراء بشكل لم يتوقعوه، وحدثت أزمات اقتصادية لدى معظم دول العالم أن لم يكن جميعها، وارتبكت عمليات الشحن العالمي مما أدى الى ارتفاع كبير في التكلفة الأمر الذي استعمل ذريعة لرفع الأسعار الحاجيات ومعظمها حاجيات أساسية، يضاف الى ذلك العجز الكبير في ميزانيات الدول حدث عن ذلك ولا حرج، لكن قوى رأس المال وأصحاب الثروات وعددهم نحو ثلاثة آلاف شخص بلغت ثرواتهم اكثر من 12 تريليون دولار في العام الحالي وفق تقرير مجلة "فوربس" الصادر في شهر آذار الأخير.
الرأسمالية تحاول ضرب حقوق العمال
في ظل هذه الأحداث وازمة ارتفاع الأسعار والغلاء وما نتج عنها من تبعات للأزمة الاقتصادية، قامت النقابات العمالية والعمال بالمبادرة الى حملة نضال لها طابعها المحلي ظاهرياً لكن لها ايضاً طابعها الأممي، حيث نظمت الإضرابات والمظاهرات في مختلف الدول خاصة كبرى الدول الرأسمالية، لكن قوى رأس المال واجهت هذه النهضة النضالية للعمال باستعمال وسائل القمع البوليسي احياناً، والقمع "القانوني" أحياناً اخرى حيث شرعت قوانين تقلص حقوق النقابات العمالية بالتنظيم، وحقوق اخرى تمنع الإضراب بادعاء أن بعض الإضرابات "تضر بالصالح العام"، نحن نعي أن من وقف خلف هذا القمع هي القوى الرأسمالية التي تدعم تلك الحكومات خدمة لمصالحها ودفاعاً عن ثرواتها كيف لا وأن الـ 1% من سكان العالم يملكون ما يملكه الـ 99% من بقية سكان العالم وفق منظمة أوكسفام البريطانية، هم هؤلاء القلة التي تعمل على تسخير الحكومات وقراراتها لمصالحهم فقط لا غير.
الرد بالتضامن الأممي فقط
في ظل الفشل البارز للسياسات الاقتصادية الرأسمالية التي طرحها أصحاب الفكر النيوليبرالي، خاصة البدايات التي نعيشها من التدهور الحاصل في ما سماه هؤلاء بسياسة العولمة والغاء سيادة الدولة الوطنية، وسيطرة قوى راس المال على تلابيب وشرايين الإقتصاد العالمي، كي تصبح الدولة الوطنية مجرد رقم يخدم مصالح قوى رأس المال على حساب شعبها، وبذلك تسخير شعوب العالم وفي محورها الطبقة العالمة لخدمة المصالح الراسمالية، التي تصب في جيوب قلة من الناس - علينا العمل والنهوض بمشروع نضالي أممي، من خلال بناء وحدة وتحالف أممي لكافة أبناء الطبقة العاملة في العالم. نجاح هذا المشروع يرتكز على تثبيت أسسه النضالية الأممية، وتوسيع دائرة الوحدة الطبقية العمالية خاصة لتقف بقوة نصالية ليس فقط في الأول من أيار، بل في مواصلة هذا النضال الأممي والطبقي لتقويض المشروع الرأسمالي القائم. برأيي انطلاق هذا المشروع الأممي سوف سيساعد على تسريع الانهيار للمشروع الرأسمالي هذا، خاصة وأننا نعيش الكثير من التصدعات اليوم في ذلك المشروع الاستغلالي القائم خدمة لقوى رأس المال، مما يبرز في تلك التصدعات أن العديد من الدول بدأت تطرح ضرورة اعادة بناء اقتصادها الوطني بمعزل عن الاقتصاد العولمي، يضاف الى ذلك أن الكثير من الحركات النقابية والعمالية الطبقية بدأت تطلق شعارات وتقوم بنضالات مشتركة ضد تلك السياسة الرأسمالية، ويكفي أن نذكر هنا ما قامت وتقوم به الحركة النقابية الفرنسية التي عانت من تعدد منظماتها النقابية بتشكيل قيادة نضالية مشتركه ضد قانون التقاعد الجديد، فمن خلال معرفتي لتلك الحركة، مثل هذه الوحدة النضالية كانت بمثابة حلم صعب التحقيق في الماضي البعيد.
نعم، على الطبقة العاملة وقياداتها مأسسة مشروع نضالي أممي لها لكتابة التاريخ الحاضر والقادم وتنفيذ أسسه لصالح الأمم والشعوب عامة وليس البقاء في المشروع النيوليبرالي الذي فرضته قوى رأس المال خدمة لمصالحها، أعتقد أن هذه هي رسالة الأول من أيار يوم التضامن العمالي الأممي ولا رسالة غيرها.
إضافة تعقيب