لا شك أن الاخوان المسلمين قد اثبتوا منذ تنحيتهم عن الحكم في مصر عام 2014 جدارتهم الفائقة في التحكم بالتسويق الإعلامي، وإمساك مفاتيح التعاطف الانساني في جميع أنحاء العالم العربي، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي. وأظهروا قدرة فائقة على لعب دور الضحية وتصوير مظلوميتهم السياسية الناتجة عن صراع خاسر على السُلطة مع المؤسسة العسكرية، على انها مظلومية الشعب المصري كله، أي مظلومية انسانية شعبية. هكذا يتم تصوير صراع الاخوان للعودة الى السُلطة بعد أن لفظهم الشعب المصري على أنه ذاته نضال الشعب المصري الشرعي من أجل الحرية والخبز والعدالة الاجتماعية، ضد القمع السياسي والسياسات الاقتصادية الكارثية وغلاء المعيشة والارتهان للبنك الدولي وقوى النهب العالمي.
يساعدهم في هذا ماكينات اعلامية ضخمة بتمويل قطري وتركي مهول، قنوات اعلامية خاصة بالإخوان تبث من تركيا، امبراطورية إعلامية مثل الجزيرة منحازة لهم بشكل كامل، الجزيرة ومشتقاتها الحديثة على وسائل التواصل الاجتماعي من قنوات فيسبوكية تُشكل اعلاماً بديلا نافذاَ. وتدعمهم مجموعة من النشطاء والمنظرين الليبراليين الذين يتعاملون مع الاخوان على أنهم جزء طبيعي من قوى "الثورة" و"التغيير" في مصر والعالم العربي. وهذا في مقابل اعلام مصري "نظامي" خائب وباهت مُغرق بالتطبيل والتفاهة يسهل تفنيد ادعاءاته والبروبغندا التي يبثها بل يُشكل مادة دسمة للسخرية. وبالطبع هناك استغلال للسياسات الكارثية التي يتبعها نظام السيسي، من قمع سياسي بوليسي وتوحش في منع كامل لتعاطي السياسة على يد الجماهير، وتحييد وقمع كل قوى المعارضة المدنية الوطنية التي لا تملك لا قطر ولا تركيا ولا منظمات الـNGOs الامريكية، لتبقى الساحة خالية للإخوان المسلمين الذين فُتحت لهم ابواب الاعلام القطري والتركي على مصراعيها، ليشكلوا المعارضة "الاعلامية" الوحيدة لنظام السيسي وسياساته الكارثية.
إن أحد الامثلة الدالة على تحكم الاخوان بمفاتيح التعاطف على وسائل التواصل الاجتماعي، هي قضية إعدام الشباب الـ9 المنتمين لتنظيم الاخوان المسلمين، المتورطين في قضية اغتيال النائب العام حيث أثارت هذه القضية تعاطفاً شعبياً مهولاً في جميع أنحاء العالم العربي، في تبنّ كامل لرواية الاخوان عن القضية دون أي مساءلة لمصداقيتها. فظهرت تبرئة شعبية مُسبقة للمتهمين دون الاطلاع على تفاصيل القضية والافتراض ضمناً دون أي شك أن القضية مُلفقة بشكل تام، رغماً عن التاريخ "العريق" لجماعة الاخوان المسلمين في التورط بأعمال العُنف والارهاب في سوريا وفي جميع أنحاء الوطن العربي، بل هو جزء مكوّن لأدبياتهم السياسية ونظرياتهم في مواجهة السُلطة.
ليس الأمر بالطبع هنا استبعادا بأي شكل من الاشكال كون النظام المصري يُلفق تهما لمعارضيه، لكن القضية أن الاعدامات والاعتقال العشوائي والاختفاء القسري يحصل بشكل يومي في مصر لكن لا يطفو على السطح إعلامياً إلا ما يخص جماعة الاخوان، ولا يستأثر بمشاعر الملايين الا البكائيات التي يصوغونها يومياً عن مظلوميتهم. قبل فترة وجيزة تم الحُكم على أحمد دومة بالسجن المؤبد، وهو واحد من أكثر شخصيات ثورة 25 يناير شهرة، مناضل حقيقي ومحارب على كل الجبهات، خرج ضد مبارك وحكم المجلس العسكري وكان ناشطًا في حملة تمرد التي اطاحت بالإخوان ومن ثم مناضلاً ضد حكم السيسي وسياسته، ومع ذلك لم يسمع فيه أحد على مستوى الاعلام العربي ولم يستأثر على 1 بالمئة من التعاطف "الفيسبوكي" الذي يحصل عليه معتقلو الاخوان. بل انه تعرض لشماتة مخزية من نشطاء الاخوان، لأنه بالذات محارب حقيقي على كل الجبهات. وكذلك محاولة استغلال حادثة القطار المحزنة التي حصلت هذا الاسبوع، مثل كل الحوادث الناتجة عن سياسات نظام السيسي الكارثية، من أجل دعوة الناس للنزول الى الشارع والانتفاض.
على الاخوان المسلمين أن يعوا أن الشعب المصري لفظهم مثلما يلفظ المرء لقمة فاسدة جرّب مضغها. الشعب المصري نزل بملايينه في 30 يونيو معبراً عن رفضه لحكمهم ليخلق قطيعة سياسية كاملة مع فكرة استلامهم السُلطة أو المشاركة فيها. عليهم أن يعوا جيداً أن الشرعية الشعبية التي اكتسبها نظام السيسي ليصل الى هذه الدرجة من الطغيان كانت نابعة بالأساس من انتفاض الشعب المصري على سياسات الاخوان واعتبار السيسي-الذي لم يسمح للمواجهة الشعبية الثورية أمام حكم الاخوان المُسلمين أن تنضج لوحدها لتفرز بديلها السياسي- منقذاً من الهاوية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية التي كان الاخوان المسلمون يجرون الشعب المصري اليها. إن أي غضب شعبي أو انتفاضة قادمة يقوم بها الشعب ضد نظام السيسي وسياساته الكارثية، ستكون قائمة على فرز يضع الاخوان في موقع العدو وليس جزءاً طبيعياً من قوى التغيير، بناءً على خبرة تراكمية كونها الشعب المصري من تجربته المريرة معهم. وبما أن الاخوان قد أثبتوا خيانتهم لشعب مصر وثورته وفشلاً ذريعا في السُلطة، وفي المقابل نجاحاً فائقاً في البكائيات ولعب دور الضحية، فليكتفوا بما يجيدونه وليتركوا الشعب المصري يواجه واقعه الأليم ويصوغ وعيه وحراكه الثوري بعيداً عن أجنداتهم الرجعية والمرتهنة.
(في الصورة:أحمد دومة مناضل حقيقي ومحارب على كل الجبهات، حكم بالسجن المؤبد، ومع ذلك لم يستأثر بـ 1 بالمئة من التعاطف "الفيسبوكي" الذي يحصل عليه معتقلو الاخوان)
إضافة تعقيب